سيرياستيبس
تواجه السعودية تحديات بيئية عدة منها التصحر وزحف الرمال، إذ يهددان البنية التحتية والموارد الطبيعية ويتركان أثراً مباشراً على حياة الإنسان والبيئة، إذ تتحرك الرمال بصمت لتغطي الطرق والمزارع، كما تواجه مشكلات الحرائق في سفوح الجبال وغابات الجنوب تتقلص معها مساحات خضراء كانت ملاذاً للتنوع الحيوي.
وفي مواجهة هذه التحديات، تسير السعودية بخطى واثقة نحو حماية بيئتها، عبر مشاريع طموحة تشمل إنشاء أحزمة خضراء وتشجير ملايين الأشجار المقاومة للجفاف، وبناء حواجز نباتية ورملية، وتبني تقنيات حديثة لتثبيت الرمال، وخلال الوقت ذاته، أطلقت الجهات المعنية منظومات مراقبة متطورة عبر أبراج مزودة بكاميرات حرارية لرصد حرائق الغابات مبكراً، إلى جانب حملات توعية وخطط استجابة سريعة، وصولاً إلى إعادة تأهيل المواقع المتضررة وزراعتها من جديد. وكشف مدير الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بالسعودية سامي محمد البريه عن تنفيذ مشروع نوعي داخل منطقة الأحساء (شرق) يعد الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط، تمثل في إنشاء محطة لرصد زحف الرمال وربطها بمنصة إلكترونية موحدة لتحليل البيانات والتنبؤ بالحركة المستقبلية للرمال. وأوضح البريه لـ"اندبندنت عربية" أن المحطة أنشئت قبل عام في متنزه الأحساء الوطني، كنموذج أولي ضمن خطة تتضمن إنشاء 10 محطات من قبل المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر إضافية في مناطق مختلفة من السعودية، بحيث تجمع بياناتها في قاعدة معلومات مركزية يستفيد منها المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر. وأكد المتحدث أن "الفاو" طبقت تجربة مبتكرة لتثبيت الرمال في منطقة الجافورة بالأحساء باستخدام سعف النخيل الجاف المهدر، بدلاً من حرقه أو التخلص منه في المزارع، إذ جرى تنفيذ أربعة نماذج ميدانية أسهمت خلال نحو ثلاثة أعوام في تثبيت التربة وعودة الغطاء النباتي والعشب الطبيعي، مما يعكس نجاح التقنية وجدواها في مواجهة أخطار التصحر. وأضاف البريه أن هذه المشاريع تأتي ضمن برنامج تعزيز قدرات وزارة البيئة والمياه والزراعة للتنمية الريفية الزراعية المستدامة (سراد)، وتشمل أعماله البيئية مسح مليون هكتار من الغابات، ومليون هكتار من المراعي، إلى جانب 760 ألف هكتار (7.6 كيلومتر مربع) من المتنزهات الوطنية، مع إعداد ستة أطالس للغابات، تشمل مناطق مكة والباحة ونجران وعسير والمدينة، تحدد حدود الغابات وتوثق النباتات المهددة والأنواع الغازية. واختتم بالتأكيد أن مشروع الأحساء ونماذجه الناجحة في مكافحة زحف الرمال تمثل نقطة انطلاق لتوسيع التجارب داخل مناطق أخرى، بما يسهم في تعزيز مبادرات "السعودية الخضراء" وتوفير بيئة أكثر استدامة للأجيال المقبلة.
من جهته، أوضح مدير عام البحث والابتكار بالمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر أحمد الغامدي، لـ"اندبندنت عربية"، أن المركز يشارك مع عدد من الجهات في تحديد الأنواع النباتية الأنسب لزراعتها في المشاعر المقدسة، من خلال اختيار مزيج من النباتات المحلية والأنواع الخارجية التي أثبتت نجاحها ومساهمتها في تحسين الجودة البيئية لضيوف الرحمن، مؤكداً أن الأعوام المقبلة ستشهد تحول جزء كبير من المشاعر إلى مساحات خضراء. وأكد الغامدي أن المركز يشرف على البرنامج الوطني للتشجير تحت مظلة مبادرة "السعودية الخضراء" التي أطلقها سمو ولي العهد عام 2021، والهادفة إلى زراعة 10 مليارات شجرة واستعادة 40 مليون هكتار (400 ألف كيلومتر مربع)، موضحاً أن اختيار الأنواع الملائمة لكل بيئة من بين أكثر من 2300 نوع نباتي يسهم في تقليل استهلاك المياه وزيادة فرص نجاح مشاريع التشجير. وأضاف مدير مركز تنمية الغطاء النباتي ومكافحة أن جهود المركز شملت أيضاً إعادة تأهيل غابات المانغروف على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي، إذ تمت زراعة ملايين الأشجار القادرة على تحمل الملوحة، لما لها من دور حيوي في إثراء التنوع البيئي البحري وامتصاص الكربون، باعتبارها من أهم مخازن الكربون الزرقاء. وأشار الغامدي إلى أن المركز يعتمد على تقنيات حديثة تشمل الأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة (الدرونز) لرصد صحة الغطاء النباتي وتقييم مشاريع التشجير، إضافة إلى فرق ميدانية تضم مئات الجوالين لحماية مواقع الغطاء النباتي من التعديات والمخالفات. بدوره، كشف مدير الإدارة العامة للغابات في المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر سمير ملائكة عن مشروع رائد لإنشاء أبراج مزودة بكاميرات حرارية داخل المناطق الجنوبية والغربية من السعودية، لرصد حرائق الغابات مبكراً بما يتيح سرعة الاستجابة وتقليل الخسائر البيئية، إذ رُكبت 100 كاميرا خلال المرحلة الأولى. وأوضح ملائكة في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن المشروع يأتي ضمن جهود المركز للحد من ظاهرة حرائق الغابات، عبر محورين رئيسين هما الوقاية من خلال حملات التوعية وورش العمل وتعزيز المراقبة التقنية، والمعالجة بإعادة تأهيل المواقع المتضررة وزراعتها مجدداً.
وأشار مسؤول المركز إلى أن هذه الخطوة تتكامل مع البرنامج الوطني للتشجير، أحد برامج مبادرة "السعودية الخضراء"، الذي حقق حتى الآن زراعة أكثر من 151 مليون شجرة على مساحة تتجاوز 505 آلاف هكتار (5.05 ألف كيلومتر مربع) في مختلف مناطق السعودية، دعماً للتوازن البيئي وزيادة الرقعة الخضراء. وكانت جدة شهدت انطلاق أعمال الدورة الـ27 لهيئة الغابات والمراعي في الشرق الأدنى لتجتمع رؤى خبراء الغابات والمراعي من دول الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، لتعلن دورة جديدة تحمل هم البيئة ورسالة الأرض، في لقاء يرسم ملامح المستقبل الأخضر برعاية السعودية، ويستعرض حكاية الطبيعة وما تواجهه من تحديات التغير المناخي والتصحر. وشاركت 27 دولة في أعمال الدورة بتنسيق مشترك بين منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، لتتناول الأساليب المتطورة والحلول المتكاملة التي يمكنها إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للغابات والمراعي في مواجهة تأثيرات تغير المناخ، وتعزيز النظم الغذائية المرتبطة بهما، إلى جانب دعم التنمية الريفية الشاملة والمستدامة. وتناولت الدورة عدداً من الموضوعات المحورية، منها بحث التكامل بين قطاع الغابات والقطاعات الأخرى كالزراعة الحرجية، ووضع أطر عمل متكاملة لاستعادة الأراضي والنظم الإيكولوجية المتدهورة، وتقديم الحلول الفعالة لمواجهة الجفاف والتصحر، مع التركيز خصوصاً على ظاهرتي حرائق الغابات والأنواع الغازية. المدن الخضراء وسلطت المناقشات الضوء على مبادرة المدن الخضراء وزراعة الأشجار في مكافحة العواصف الرملية والترابية، إضافة إلى التحول التكنولوجي، وتطبيق الذكاء الاصطناعي لدعم أنظمة الأراضي القادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ. وأكد الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر صالح العيادة، ضمن حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن طموحات السعودية البيئية تتجاوز حدودها الوطنية لتشمل التعاون الإقليمي والدولي في مواجهة تحديات التغير المناخي وحماية النظم البيئية الحساسة. وأكد الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر أن السعودية ستتولى رئاسة الهيئة لمدة عامين، إذ تعتزم العمل مع الدول الأعضاء لتفعيل التوصيات الصادرة عن الاجتماع، بما ينعكس إيجاباً على المستهدفات الإقليمية والمحلية في مجالات الغابات، والمراعي، ومكافحة التصحر، والتكيف مع التغيرات المناخية. وأضاف العيادة أنه في بادرة نوعية، أطلقت السعودية بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الزراعية برنامج "سفراء الغابات"، كأول مبادرة من نوعها تستهدف تمكين القطاع الخاص والجمعيات البيئية والنشطاء، تعزيزاً لمبدأ أن حماية البيئة مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمجتمع، كما دُشن "يوم الشباب" الذي أتاح للشباب السعودي فرصة المشاركة في صياغة التوصيات البيئية، وأبرز حماستهم ورغبتهم الجادة في المساهمة في قيادة الجهود الوطنية والإقليمية نحو مستقبل أكثر استدامة، وما تحقق من توافقات خلال الاجتماع سينتقل بتجارب وخبرات سعودية إلى بقية دول الإقليم، في إطار رؤية شاملة تجعل البيئة أولوية وطنية ودينية ومجتمعية، وتعزز من دور السعودية المحوري في مواجهة التحديات المناخية على مستوى المنطقة والعالم، حسب قوله. وأوضح الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر خلال استضافة السعودية الاجتماع الـ27 لهيئة الغابات والمراعي في الشرق الأدنى، وهو الأول من نوعه منذ 70 عاماً، أن التقديرات تشير إلى أن مساحة الغابات في إقليمنا تتجاوز 42 مليون هكتار (0.42 مليون كيلومتر مربع)، فيما تمتد المراعي الطبيعية على ما يزيد على 303 ملايين هكتار (3.03 مليون كيلومتر مربع)، يعتمد عليها ملايين السكان في سبل العيش وحماية التنوع الحيوي، وعلى رغم ذلك فإن هذه الموارد تواجه تحديات كبيرة نتيجة التغير المناخي والتصحر وتدهور الأراضي، وتصل نسبة الأراضي المتدهورة عالمياً إلى 40 في المئة، وهذا يؤثر في نحو 3.2 مليار من سكان العالم، ومتوقع أن ينتج منه زيادة في أسعار الغذاء بنسبة 30 في المئة، والتأثير في 75 في المئة من المياه العذبة، وتهديد أكثر من 50 في المئة من التنوع الأحيائي بسبب فقد موائلها وكذلك زيادة 24 في المئة من انبعاثات الكربون بسبب إزالة الغطاء النباتي. وأشار المتحدث إلى أن المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي وتعزيز حفظ الموائل الأرضية التي أطلقت من خلال ترأس السعودية اجتماعات مجموعة الـ20 عام 2020، تهدف إلى خفض هذا التدهور إلى 50 في المئة بحلول عام 2040، وعليه تعمل السعودية على تعزيز الغطاء النباتي وحماية مواردها الطبيعية، إذ تحتضن ما يقارب 2.7 مليون هكتار (27 ألف كيلومتر مربع) من الغابات وأكثر من 146 مليون هكتار (1.46 مليون كيلومتر مربع) من المراعي.
وأشار المهندس صالح العيادة إلى أن السعودية أطلقت كذلك مبادرات طموحة مثل: السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر، التي تهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة داخل السعودية، بما يعادل تأهيل 40 مليون هكتار (0.4 مليون كيلومتر مربع)، و50 مليار شجرة في المنطقة، مؤكداً أنه تحقق بالفعل زراعة أكثر من 151 مليون شجرة حتى الآن ضمن البرنامج الوطني للتشجير بالتعاون مع مختلف القطاعات، وأُهل أكثر من 505 آلاف هكتار (5.05 ألف كيلومتر مربع) من الأراضي المتدهورة. وتناقش الدورة عدداً من الموضوعات المحورية، من بينها الأساليب المتطورة والحلول المتكاملة التي يمكنها إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للغابات والمراعي في مواجهة تأثيرات تغير المناخ، وتعزيز النظم الغذائية المرتبطة بهما، إلى جانب دعم التنمية الريفية الشاملة والمستدامة، وبحث التكامل بين قطاع الغابات والقطاعات الأخرى كالزراعة الحرجية، ووضع أطر عمل متكاملة لاستعادة الأراضي والنظم الإيكولوجية المتدهورة، وتقديم الحلول الفعالة لمواجهة الجفاف والتصحر، مع التركيز خصوصاً على ظاهرتي حرائق الغابات والأنواع الغازية، وستسلط المناقشات الضوء على مبادرة المدن الخضراء وزراعة الأشجار في مكافحة العواصف الرملية والترابية، والتحول التكنولوجي، وتطبيق الذكاء الاصطناعي لدعم أنظمة الأراضي القادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ.
اندبندنت عربية
|