بغداد | بدا العراق كلّه، أمس، منشغلاً بلملمة آثار فاجعة حريق «مركز النقاء» في مستشفى «الحسين الكرفاني» في الناصرية في محافظة ذي قار، فيما كانت أصوات العراقيين تضجّ بالمطالبة بمحاسبة الفاسدين والمقصّرين الذين تسبّبوا بإحراق المرضى على أسرّة المستشفيات. ومهما كان السبب المباشر للحريق الذي وقع ليل أوّل من أمس، وقيل إنه نجم عن انفجار أسطوانة أوكسيجين في غرفة أحد المرضى، نتيجةَ خطأ في تشغيلها، إلّا أن واقع أن أجهزة الدفاع المدني في المستشفى كانت معطلّة، استحضر الفساد المتغلغل في كلّ مفاصل الإدارة، والذي بات يتسبّب بمشاكل كارثية، ليس آخرها انقطاع تامّ للكهرباء أخيراً في كافة أنحاء العراق، باستثناء إقليم كردستان.

جميع المسؤولين المعنيين بالحادث أغلقوا هواتفهم، وتواروا عن الأنظار. كانوا خائفين من الغضب العارم الذي أثارته الفاجعة. فسكّان ذي قار معروفون بشراسة احتجاجاتهم، وبحرق مكاتب المسؤولين أو فرض إغلاقها بالقوّة. وركب مدير الدفاع المدني، صلاح جبار، طائرة في مطار الناصرية وغادر إلى جهة مجهولة، فيما قام محتجون بإغلاق عيادة مدير صحّة المحافظة بالوكالة، صدام الطويل، كما أغلقوا بعض العيادات الأخرى وبعض المستشفيات الأهلية في ذي قار.
وأقال رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، كلاً من جبار والطويل ومديري مستشفى الحسين، وقرَّر إخضاعهم للتحقيق عقب الحريق الذي أودى بحياة نحو 92 شخصاً (مع إمكانية ارتفاع العدد بسبب وجود مفقودين)، وأصاب 50 آخرين بجروح، وفق إحصائية لمديرية صحة ذي قار. وأعلن الكاظمي، بعد اجتماع طارئ مع عدد من المسؤولين الحكوميين وقيادات أمنية، تشكيلَ لجنة عالية المستوى للتحقيق بفاجعة «مستشفى الإمام الحسين»، على أن تعلن ما تتوصّل إليه من نتائج خلال أسبوع، متعهّداً بمحاسبة المقصرّين والمتلاعبين بأرواح العراقيين حساباً عسيراً، ولافتاً إلى أن «جهود مكافحة الفساد تواجه عرقلة ممنهجة». وأوفد الكاظمي فريقاً حكومياً وأمنياً إلى ذي قار لمتابعة الإجراءات ميدانياً.

صدرت أوامر قبض بحقّ 13 مشتبهاً في تسببهم بحريق مستشفى الحسين في الناصرية


وأصدرت محكمة تحقيق الناصرية المختصّة بقضايا النزاهة أوامرَ قبضٍ بحقّ 13 مشتبهاً فيه، بينهم الطويل وجبار. ولكن تلك الإجراءات لن تكون كافية على الأرجح لإسكات الاحتجاجات. إذ كان يمكن لخطوات من هذا النوع، أن تهدّئ الغضب قليلاً بعد الحريق الذي وقع في جناح «كورونا» في مستشفى «ابن الخطيب» في بغداد يوم الـ24 من نيسان الماضي، والذي أودى بحياة 82 شخصاً. إلّا أن هناك تلميحات، هذه المرّة، إلى تحميل رئيس الوزراء نفسه المسؤولية، إذ تحدّثت بعض التسريبات النيابية عن إمكانية استضافة الكاظمي في جلسة نيابية، لمساءلته حول الحادثة.
وقرّرت وزارة الصحة التوقّف عن استخدام «مستشفيات كرفانية» مستحدَثة لمعالجة مرضى «كورونا»، لخلوّها من شروط السلامة المهنية ومستلزمات الدفاع المدني. وتستخدم مادة الـ»ساندويتش بانيل» (sandwich panel) السريعة الاشتعال في هذا النوع من المستشفيات، لتوفير الوقت والمال، وهي المادة نفسها المستخدمة في بناء مستشفى «ابن الخطيب» أيضاً. وهنا، بالإضافة إلى غياب مستلزمات السلامة، تبرز الثغرات التي يتسبّب بها الفساد في المقاولات. وبُني المستشفى في الناصرية قبل ثلاثة أشهر لعزل مصابي «كورونا»، فيما أكدت خلية الإعلام الأمني أن الحريق اندلع في 20 كرفاناً مشيَّداً من الـ«ساندويتش بانيل». ووصف عاملون في الميدان آثار الدمار الذي سبّبه الحريق بالكارثية، إذ أدّى انهيار سقف المبنى إلى دفن الضحايا تحت الأنقاض. ونقلت جمعية «الهلال الأحمر العراقي» أكثر من 21 من جثامين الضحايا المتفحّمة على أسرّة المستشفى. وبحسب مدير فرع الهلال الأحمر العراقي في ذي قار، عامر حميد، فإن فرق المتطوعين سارعت إلى نقل الجرحى في سيارات الإسعاف التابعة للهلال بعد وقت قصير من نشوب الحريق، وتمكن المتطوعون من علاج عدد من الحالات ميدانياً قبل نقلهم لتلقّي العلاج في المستشفيات الأخرى.
على وسائل التواصل الاجتماعي، كما في الشارع، كان الغضب من الفاسدين سيّد الموقف، فيما علا الصراخ بالدعوة إلى ثورة ضدّ هذا الفساد. لكن الاختبار الحقيقي سيكون في الانتخابات المقرَّرة في العاشر من تشرين الأول المقبل، حيث سيتبين عندها إن كان كُثُر من الذين أفسدوا أو قصّروا من القائمين على الوزارات والمحافظات والمديريات، سينجون هذه المرة أيضاً.