لا أحد يشبه شريهان. النجمة المضيئة التي لا يطفئها غياب ولا مرض. على الرغم من العقود التي مرّت، لم تجرؤ أو تتمكّن أي فنانة من منافسة «ملكة الفوازير» ومعشوقة الجماهير المتربّعة على عرش الاستعراض، متسلّحةً بالرشاقة والجمال الطبيعي والكاريزما والحيوية والغلامور. إنّها نجمة رمضان في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي التي تركت بصمة كبيرة في قلوب الملايين المتعطّشين دائماً لإطلالتها، خصوصاً بعدما أرغمتها أزمة صحية شديدة على التواري عن الأنظار لفترة طويلة جداً. شعور لا يقتصر على أولئك الذين عاصروا تلك المرحلة الذهبية في مسيرة «شيري» المهنية، وإنّما أيضاً الأجيال الجديدة المتأثّرة بمسرحياتها ومسلسلاتها وأفلامها. لكن ما سرّ هذه المرأة التي احتفلت في السادس من كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي بعيدها السادس والخمسين؟ ربّما هو الحنين الذي تمثّله لزمن جميل مليء بالذكريات الدافئة والبساطة، أو لفنٍ راقٍ أتقنته وتفاعل معه الجمهور بقوّة. ولعلّها الـ «نوستالجيا» إلى صورة صاحبة الشعر الأسود اللامع الطويل التي لم تبدّلها السنون، وبقيت محتفظةً بصدقها وعفويّتها كما يظهر عبر تفاعلها مع المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي.

«ماكنتش واقفة على الأرض»، قالت شريهان في إحدى المقابلات التلفزيونية التي تحدّثت فيها عن دلالها المفرط في الطفولة، معترفةً بأنّها لم تعتمد على نفسها إلّا بعد وفاة والدتها. منذ نعومة أظافرها، عاشت وسط مشاهير بارزين، فكانت جارة فاتن حمامة وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم على سبيل المثال. تتقن شريهان التمثيل والغناء والرقص الذي درسته في باريس، وهي أخت غير شقيقة للعازف الشهير الراحل عمر خورشيد. تعرّضت لأزمات كثيرة في حياتها، من بينها حادث مؤلم لأخيها عام 1981، وحادث سير وقعت ضحيته عام 1989 ظلت تُعالج من تبعاته لسنوات، قبل أن تحتجب عن العمل الفني منذ مطلع الألفية الجديدة بسبب مرض نادر تعافت منه بشجاعة وثبات.
يقال إنّ ثماني سنوات فقط كانت كفيلة بصناعة مجد شريهان. كانت البداية الفعلية مع فوازير «ألف ليلة وليلة ــ عروس البحور» عام 1985 مع المخرج فهمي عبد الحميد، إلى جانب عدد كبير من النجوم أمثال عمر الحريري، محمود الجندي، زوزو نبيل، رجاء حسين ومحمد توفيق. يومها، كان هناك أيضاً ظهور لأسماء لمعت في وقت لاحق في عالم الغناء، كعمرو دياب، مدحت صالح، عمر فتحي ومحمد الحلو.

قدّمت الفوازير للمرّة الأخيرة في 1993 بـ «حاجات ومحتاجات»


في العام التالي، كان الجمهور على موعد مع الجزء الثاني من الفوازير تحت عنوان «وردشان وماندو» مع فريق العمل نفسه. في خضم هذا النجاح، واصلت شريهان على خطّ موازٍ إثبات نفسها على الشاشة الكبيرة عن طريق باقة من الأعمال السينمائية (شارع السد، الطوق والإسورة، قفص الحريم). ومن بين الإنتاجات الأخرى التي اشتهرت بها، نذكر: «العذراء والشعر الأبيض»، «خلّي بالك من عقلك»، «سك على بناتك»، و«شارع محمد علي»...
في 1987، حان موعد «فوازير حول العالم» (إخراج توفيق عبد الحميد) التي أخذت فيها المشاهدين في كلّ حلقة إلى معلم أو ثقافة من إحدى بقاع الأرض، قبل أن تبصر فوازير «ألف ليلة وليلة ــ الثلاث بنات: كريمة وحليمة وفاطيمة» النور. وفي عام 1993 كانت المرّة الأخيرة التي تقدّم فيها الفوازير بـ «حاجات ومحتاجات» بالتعاون مع الشاعر الكبير سيّد حجاب والمخرج جمال عبد الحميد. مشوار فني غني تكرّست خلاله شريهان سفيرة للفرح والبهجة وأيقونة للموضة والجمال، لتُجبر على الابتعاد عن الأضواء منذ سنة 2002 إثر مشاركتها في بطولة فيلم «العشق والدم» بدور «نوّارة» أمام عدسة المخرج أشرف فهمي.
شوق الجمهور لإطلالة «الفراشة» هدأ قليلاً في شهر الصوم 2021، حين أطلّت من خلال إعلان لإحدى شركات الاتصالات المصرية (كتابة: مِنّة عدلي القيعي، تلحين: إيهاب عبد الواحد، توزيع: أمين بوحافة)، شكّل محاكاة واستعادة لأجواء الاستعراضات التي اشتهرت بها، ولا تزال راسخةً في ذاكرة الملايين على امتداد العالم العربي. وها هي تتحضّر لعودة رسمية يُفترض أن تكون «مدوّية»، تستعيد عبرها ألقها. ففي 20 تموز (يوليو) الحالي، تبدأ منصة البثّ التدفّقي «شاهد VIP»، المنضوية تحت مظلّة شبكة mbc السعودية، عرض مسرحية «كوكو شانيل» (انظر المقال أدناه) من إنتاج «العدل غروب» وكتابة مدحت العدل وإخراج هادي الباجوري.