سيرياستيبس كتب الدكتور عامر خربوطلي
في خِضَم الأزمات الاقتصادية وأمواج التضخم والركود والفجوات المتسعة بين الطبقات والدخول ومستويات المعيشة التي تعيشها أغلب دول العالم تزداد الحاجة لنظام اقتصادي تحكمه قواعد العدالة والكرامة والرحمة في إدارة الموارد والثروات، إنه ببساطة (الاقتصاد الإسلامي) هذا الاقتصاد الذي يحترم هدف الربح والربحية ولكنه لس مبنياً على السعي المحموم لتحقيقه، وهو الذي يقوم على مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة حفظ النفس والمال والدين والعقل والنفس. فالمال في هذا الاقتصاد ليس غاية بل هو وسيلة لتحقيق الإعمار والتكافل الاجتماعي وهو بذلك الاقتصاد الوحيد الذي يحقق درجة كبيرة من التوازن ما بين: -الحرية الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية. -الملكية الفردية والمنفعة العامة. -الربح المشروع وتحريم الاستغلال. والاقتصاد الإسلامي أكثر شمولية من مجرد تطبيق خدمات المصارف الإسلامية التي يعتقد البعض إنها تمثل مجمل هذا الاقتصاد ورغم أهمية صيغ التمويل الإسلامية المختلفة من (المضاربة والمرابحة والإجارة المنتهية بالتمليك والمشاركة والاستضاع والتأمين التكافلي والقرض الحسن والتورق والمزارعة...)، إلا أن الاقتصاد الإسلامي أشمل من ذلك لأنه يسعى لتحويل المصارف لمؤسسات تنموية تشارك في الربح والخسارة وتدعم أدوات التمويل الإسلامي مثل الصكوك بدلاً من السندات بالإضافة إلى تفعيل الزكاة كأداة مالية دورية تعيد توزيع الثروة وتخفف من حدة تفاوت الطبقات وإلى دعم الوقف الإسلامي العقاري والمالي كمصدر تنموي دائم لخدمة أهداف المجتمع وأخيراً منع الاحتكار والمضاربات التي تخلق ندرة مصطنعة ومعاناة اجتماعية وأزمات اقتصادية. الاقتصاد الإسلامي ليس نظام يعتمد قواعد الشريعة في المعاملات المالية والتجارية والاقتصادية فقط بل هو اقتصاد أخلاقي قبل أن يكون مادي وهو اقتصاد يكرم الإنسان ولا يستهلكه، وهو يقدّم التراحم على التراكم. ولكي ينجح هذا الاقتصاد في خدمة البشرية لابد أن يتم فهم قواعده بعمق ودراية ولابد من احتواء مقاصده ومعرفة أدواته والتيقن من وجود الوفرة النسبية التي تعني أن الموارد كافية لإشباع حاجات الإنسان إذا أحسن توزيعها وبعدالة. الاقتصاد الإسلامي يركز على مفاهيم قيمية أكثر من كونها كمية ومادية ومنها العدالة التي تحفظ الحقوق وتمنع الاستغلال والرحمة التي تراعي واقع الإنسان وظروفه وأخيراً التوازن بين المبادئ والواقع. وهو بذلك لا يعزل السوق وقوانين العرض والطلب عن الأخلاق، ولا يستبدل الأنصاف بالشفقة بل يجعل الرحمة امتداداً للعدالة لا بديلاً عنها. إنه وصفة مهمة لعالم اقتصادي شديد التنافس والقوة.....
|