سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:15/09/2025 | SYR: 09:45 | 15/09/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE



خلطات كامبو


شاي كامبو


IBTF_12-18



Baraka16

 بسطات البالة تزاحم الكتب في دمشق.. و"خير جليس يبحث عن أنيس"
14/09/2025      



سيرياستيبس 

دمشق _ زياد قطريب

كان على مكتبات الأرصفة، أن تشدَّ الرحال، من أمكنتها الشهيرة بدمشق، فمجابهة بسطات الألبسة المستعملة، القادمة مثل أسراب الجراد، من الحدود الشمالية، شبه مستحيلة، والشعب الجائع للماركات العالمية من سراويل الجينز وكنزات "البدي"، "شبع من التنظير"، كما يقول أحد الزبائن، وحان الوقت كي "يقبَّ" على وجه الدنيا ليعيش.

هكذا قَبِل خير جليسٍ، أن يتشارك المكان، مع "شروات" البالة، لتبدأ عملية إزاحته رويداً من أمكنته التاريخية، حتى بات في العراء!.

غادرت أكوام الكتب منطقتها الشهيرة، تحت "جسر الرئيس سابقا" في البرامكة، بقرار من المحافظة، بحجة الرؤيا البصرية الجديدة التي من المفترض أن تطبع شوارع العاصمة، لكن البديل كان جاهزاً، فسرعان ما استقرت في المكان، فرشات الإسفنج التي ينام عليها بائعون أتوا من أماكن بعيدة، وبجانبهم أكوام من الشراشف وأغطية "المخدات" القطنية، وأحذية المطاط المريحة، يقول زبون آخر، "لقد أصبنا بالتحسس بسبب البوليستر وأقمشة النايلون.. فدعوا الناس يسترزقون ويفيدون غيرهم".


حمل أبو مؤيد، دواوين محمود درويش وروايات ماركيز وإيزابيل الليندي، وانتقل نحو الجدار الجنوبي للمتحف الوطني، فاختار ركناً لا يعتبر استراتيجياً بالنسبة لبسطات البالة، لكنه، ولغرائب الصدف، استقر خلف تمثال "أسد اللات" الضخم، المستقر في حديقة المتحف، الذي سبق أن وصل مثخناً بالجراح، وقد تحطم نصفه، ثم خضع لعمليات ترميم طويلة، لم تستطع إعادته إلى مجده، فبقي يحدق بعينٍ مقلوعة غير مصدق ما يجري!.

بسطات البالة تنافس بسطات الكتب
يوافق أبو مؤيد، على بيعنا رواية "مئة عام من العزلة" بـ30 ألف ليرة، ويقول إنها "استفتاحية مباركة"، فالعابرون الذين يتوقفون لاستعراض عناوين الكتب المصطفة بصمت، كأنها في درس "نظام منضمّ"، قلائل جداً، حتى المراهقون المغرمون باقتناء ديوان نزار قباني، وإهدائه إلى حبيباتهم، أصبحوا يجدون في بسطات البالة بدائل أفضل، من الصمديات والشورتات والوشاحات الملونة، بعد أن ملَّت قلوبهم من "اللحشات" الرمادية والسود، التي طبعت حياة السوريين طويلاً.
لا أحد يعلم، رقم النزوح الجديد الذي تعرضت له بسطات الكتب بدمشق، لكنها اليوم تتركز في أماكن رئيسية، مثل شرقي المتحف، وشارع الثورة بالقرب من الجسر الحديدي المعلق، وأحياناً يغامر بعضهم بالمكوث لبعض الوقت تحت جسر فكتوريا، عدا عن أماكن معروفة في "نزلة الحلبوني"، حيث صمم البائعون خزائن معلقة في الحيطان، يمكن قفل أبوابها في نهاية النهار، من دون الاضطرار للمبيت قرب الكتب، أو نقلها لمستودع أو وضعها ضمن كراتين.
جلسنا بالقرب من بسطة أبي مؤيد، لنحصي عدد الزبائن المغرمين باقتفاء الكلمات، في زمن أصبحت فيه الكتابة مثيرة للشفقة، واضطررنا إلى التربيت على كتف أبي مؤيد مراراً، مؤكدين له أن الناس لاشك ستشبع من ألبسة البالة مهما طال الوقت، لتعود أدراجها إلى عشق القراءة والمعرفة، لكنه كان يبتسم ويقول، إن ما يذهب لا يمكن أن يعود بسهولة، ثم يشرع بالكلام عن سهل الحولة والمناطق الساحرة للخيال في فلسطين، حيث قريته الوادعة تستقر هناك منذ أمد بعيد، من دون أن يتحقق حلمه بالعودة إليها.. ويقول: "لو تحدثت اليوم عن قصائد سميح القاسم، وقبر محمود درويش في "البروة"، لاعتقدني الناس مجنوناً".

وبحسبة اقتصادية بسيطة، يمكننا أن نتخيل موقف الزبون العابر، إذا ما علم أن سعر رواية "مئة عام من العزلة"، التي اشتريناها بـ30 ألف ليرة، يقابلها ثلاثة سراويل جينز أجنبية سعر الواحد 10 آلاف ليرة!. ويسألنا أبو مؤيد: "ماذا تتوقع أن يختار العابر؟".


"أولويات الناس اختفلت"
يبدو أن خير جليس، مضطر للإعلان عن تخفيضات ضخمة، لا تكفي عائداتها، لسد رمق المصرّين على التمسك بمهنة بيع الكتب المستعملة، ويحمّل أبو مؤيد، مسؤولية التردّي، إلى مواقع السوشيال ميديا، التي تكفلت بولادة أسراب من "البلوغرات" و"المؤثرين"، الذين حلوا مكان أصحاب الفكر والشعراء المصابين بلوثات غريبة من خيال الكلمات.

تكاد الكتب المعروضة على الجدار الشرقي للمتحف، خلف تمثال "أسد اللات" تماماً، تقول للعابرين: "خذوني"، لكن الأولويات عند الناس، اختلفت اليوم، وأصبح من الضروري، على خير جليسٍ، أن يبحث عن أنيسٍ جديد، يمكن أن يدفعه هاجس المعرفة للتضحية بالمال والشراء.

ننتقل إلى شارع الثورة، قرب الجسر الحديدي، الذي يربط منطقة المرجة، بسوق الخجا وساروجا.. هناك اختار البائع تقسيم الكتب لمجموعات، كَتَب أسعار كل منها على كرتونة كبيرة، فهناك مجموعة بـ1000 ليرة، وأخرى بـ2000، و5000 آلاف، لكن كتب الترجمات العالمية، لم تكن تقبل بهبوط السعر إلى أقل من 30 ألف، لأن صفقة البيع لاشك ستكون خاسرة، كما يؤكد الشاب اليافع الذي يعمل مع أبيه في هذه البسطة. ويقول: "رواية لباولو كويلهو بـ30 ألف ليرة، أي 3 علب سجائر يا رجل.. فهل هذا كثير؟".

هكذا يبدو خير جليس، مثل طفل تائهٍ، تنادي مكبرات الجوامع عمن يتعرف إليه، من دون جدوى، ليستقر به الأمر في أحد المخافر، ريثما يتم العثور على أهله الغافلين عنه في زحام شارع الثورة، حيث صراخ الباعة في أوكوزيونات البوكسترات الرخيصة والجرابات، يطغى على كل شيء!.
لن نستغرب، أن تعقد الكتب اتفاقية هدنة، مع الألبسة القديمة، وأدوات الخردة، في سوق الجمعة أو "الحرامية" كما درجت تسميته، ربما هي أسوأ الاتفاقيات التي يمكن أن يحصل عليها خير جليسٍ، في رحلته المضنية في أثناء البحث عن أنيسٍ ما، يمكن أن يأتي من "غامض علم الله"، كما يقول البائع، تلك كانت أسوأ الخيارات التي توصلت إليها الكتب، في أثناء ترحيلها وترحالها، بحثاً عن رصيفٍ ووليف!.

اللافت، أن مشهد حضور بسطات الكتب، إلى جانب الخرداوات والألبسة المستعملة، يتكرر اليوم في أكثر من سوق بدمشق، فبعد سوق "الحرامية" القريب من شارع الثورة، يتكرر الأمر نفسه، في سوق "كشكول" على المتحلق الجنوبي، لكن الزبائن الذين يمكن أن يشدهم عنوان ما، معدومون تقريباً، إلى درجة أن البائع قال إنه يعود بها كاملة إلى البيت آخر النهار، ويؤكد بأنه اضطر مرة إلى تركها في مكانها لليوم التالي، بسبب عدم تمكنه من حملها بسبب ثقل الأغراض الأخرى، وكانت المفاجأة أنه وجدها في اليوم التالي، كما هي، حتى إنها نجت من السرقة والعبث!.

الحديث عن حال خير جليس، وهو يستجدي الأنيس من القراء، الذين يسمونهم دود الكتب، يثير شجوناً معرفية كبرى في هذا الوقت، الذي تغلبت فيه كسوة الجسد على كسوة العقل.. لكن الإجابة على كل ذلك، لا تبدو عملية سهلة، هكذا نقول في أنفسنا، ونحن نحدق بمشهد المانيكانات المقطعة والعارية، المعروضة للبيع في سوق كشكول، وغير بعيد عنها بسطات من الكتب.. فلربما يقدم هذا المشهد، إجابات لكل الأسئلة!.


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق

 
 

سورس_كود



islamic_bank_1


Baraka16


Orient 2022



معرض حلب


ChamWings_Banner


الصفحة الرئيسية
مال و مصارف
صنع في سورية
أسواق
أعمال واستثمار
زراعـة
سيارات
سياحة
معارض
نفط و طاقة
سوريا والعالم
محليات
مجتمع و ثـقافة
آراء ودراسات
رياضة
خدمات
عملات
بورصات
الطقس