سيرياستيبس
أمام ما تعرضت له الطبيعة في سوريا هذه الأيام من حرائق للغابات، وتغير في الحالة المناخية، ناهيك بالتعديات التي حدثت، وما زالت تحدث على أيدي البشر، يعرفه “القاصي والداني” والتأثيرات السلبية التي أظهرتها، خلال المراحل السابقة، واليوم آخرها حرائق الساحل السوري، وغيرها من الحرائق على امتداد الجغرافية السورية، وانعكاسها السلبي على الحياة البشرية، والطبيعة الإنتاجية، لجميع مكونات الإنتاج الحيواني والنباتي، في مقدمتها “إنتاج العسل” الذي يعدُّ من أهم المواسم التي تتغنى بإنتاجيتها العالية، والتي تفردها على مساحات واسعة من الغطاء النباتي في سورية.. قرنفلة: التغييرات المناخية ساهمت بتراجع إنتاجية النحل حيث لم يتجاوز إنتاج الخلايا بمجملها 20% من متوسط ما يتم قطفه سنوياً من العسل..
تربية بالغة الأهمية حديث خاص لصحيفة “الحرية” أشار فيه المهندس عبد الرحمن قرنفلة الخبير في الإنتاج الحيواني، وعضو اتحاد النحالين العرب، إلى أن تربية النحل في المناطق الجافة وشبه الجافة تلعب دوراً مهماً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والحفاظ على التنوع الحيوي وتوازن توزع الأنواع النباتية، وتعتمد على الموارد الطبيعية المتاحة، وتعدُّ من المشاريع متناهية الصغر والمولدة للدخل، وتساهم في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين نوعيته، كما تدعم تربية النحل قطاع الثروة الحيوانية، بإخصاب نباتات المراعي الطبيعية، ولا تتنافس تربية النحل على الموارد الأخرى التي يحتاجها البشر أو تلك اللازمة للماشية وهي تربية صديقة للبيئة، لا تحتاج أراضي زراعية، لا تتطلب امتلاك الأرض، أو استئجار أرض، وبالتالي وخصوبة التربة ليست مسألة مهمة للنظر فيها، والأعلاف ليست مشكلة أيضاً لأنها تتغذى على موارد غير مستخدمة: “الرحيق وحبوب اللقاح” و تتناسب مع أنظمة المشاريع الصغيرة. قيمة اقتصادية وأوضح المهندس “قرنفلة” أنه وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يعتمد الأمن الغذائي والتغذية وصحة البيئة على التأبير”إخصاب الأزهار بواسطة النحل، عن طريق نقل حبوب اللقاح، من الأزهار المذكرة إلى مياسم الأزهار المؤنثة” حيث يساهم النحل وغيره من الملقحات في 35 بالمئة من إجمالي إنتاج المحاصيل في العالم، إذ يقومون بتلقيح 87 من أصل 115 محصولاً غذائياً رئيسياً في جميع أنحاء العالم، التلقيح مسؤول عن ما يقرب من 90 بالمئة من نباتات الزهور البرية، وزهور المراعي الطبيعية و75 بالمئة من المحاصيل الصالحة للأكل … دون ننسى أن النحل الذي يزور الأزهار، يوفر وظيفة بيئية مهمة لإنتاج المحصول العالمي، من خلال خدمات التلقيح الخاصة بهم، قدرت القيمة الاقتصادية الإجمالية لتلقيح المحاصيل في جميع أنحاء العالم بـ 153 مليار يورو سنويًا. التحدي الأكبر وحول تأثير التغيرات المناخية أشار قرنفلة إلى أن تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تشير إلى أن متوسط درجات حرارة سطح الأرض سيزداد زيادة تتراوح بين 1.1 درجة مئوية (سيناريو انبعاثات منخفضة) و 6.4 درجات مئوية (سيناريو انبعاثات عالية) خلال القرن الحادي والعشرين، وأن الزيادات في درجات الحرارة ستكون أكبر عند أعلى خطوط العرض، تعتمد التأثيرات البيولوجية لارتفاع درجات الحرارة على الحساسية الفسيولوجية للكائنات الحية لتغير درجة الحرارة، ومن المرجح أن تعاني النظم الأيكولوجية الزراعية المدارية من تناقص وانقراض أكبر في عدد النحل، لأن ارتفاع درجات الحرارة يقود إلى ارتفاع مستويات البحار وحدوث ظواهر مناخية شديدة وقاسية كالجفاف والفيضانات، والعواصف وغيرها، وأكدت اللجنة الدولية لتغير المناخ IPCC أن هذه التغيرات تقود إلى تغيرات في الزراعة حيثما وقعت هذه التغيرات حول العالم..
الأهم الصقيع والجفاف ..! وحول التنبؤات بإنتاج العسل لهذا العام قال المهندس عبد الرحمن قرنفلة: إن تغير المناخ يؤثر على العلاقة بين النحل والنباتات التي يقوم بتلقيحها، سيختلف نشاط النحل الفعلي باختلاف العوامل الخاصة بالموقع، والخاصة بالتاريخ مثل كثافة الزهرة، وتدفق الرحيق والطقس الحديث، ونحل العسل المحلي، والكثافة السكانية للنحل، لقد اثبتت ثلاث دراسات أن زيادة درجات الحرارة، تساهم في إيجاد عدم تطابق زمني بين النباتات البرية وملقحاتها. وسيكون تغير المناخ في المنطقة العربية أمراً بالغ الأهمية والإضرار بتربية نحل العسل، مما يسبب في خسائر في الإنتاج في كل من منتجات نحل العسل، وخدمات التلقيح، وكذلك القضاء الفعلي على مستعمرات نحل العسل البري، والتي حالياً تقدم خدمة التلقيح المجانية، لمجموعة واسعة من المحاصيل الزراعية والبستانية، تتسبب حتى تغيرات المناخ الطفيفة، وأضرار اقتصادية واجتماعية كبيرة للنحل.
ظواهر مناخية وهنا أضاف قرنفلة: سورية شهدت هذا العام ظواهر مناخية مضطربة، حيث شهد موسم ازهار الحمضيات، موجة صقيع أخرجت النحالين بكميات متواضعة جدا من عسل الحمضيات لا تتجاوز 10% من معدل الانتاج السنوي، ثم تابعت موجات الجفاف الشديدة حيث انخفض متوسط الهطول المطري الى 30% من المعدل السنوي في مختلف المناطق، وانعكس هذا الجفاف على نشاط النحل بشكل مباشر نتيجة تراجع المساحات البعلية المزروعة بالمحاصيل الرحيقية، وكذلك المساحات المروية / يانسون – حبة بركة – دوار الشمس …./ كما ساهم بخفض انبات النباتات المزهرة والأشواك البرية / القبار – قرصعنة …/ التي يعتمد عليها النحل في جمع الرحيق وحبوب الطلع، فضلا عن انخفاض عدد الازهار في الاشجار المثمرة الباقية التي تعتبر مصدراً لتوفير الرحيق وحبوب لقاح النبات .
تكاثر ضعيف..! هذا الواقع أدى إلى تراجع كبير في نشاط تكاثر النحل، وأضعف مناعته، وساهم بانتشار أمراض النحل، وفقدان نسبة معنوية من قفران النحل، كما خفض قدرة النحل على جمع الرحيق لإنتاج العسل، حيث لم يتجاوز إنتاج الخلايا بالمجمل 20% من متوسط ما يتم قطفه سنوياً من العسل، وساهم انتشار طيور “الوروار” بإلحاق أضرار بعدد كبير من المناحل، كما تزامن ذلك بانتشار الدبابير التي تشكل عدواً شرساً للنحل، يساهم بالحد من طيران النحل، ومن جانب آخر ساهمت محاولات النحالين في تتبع المساحات المزهرة بدفع تكاليف مرتفعة، “أجور نقل خلايا النحل بين المحافظات” إضافة إلى أجور العمالة والحراسة، والأجور التي يدفعها النحال لأصحاب الأراضي لقاء وضع النحل في أراضيهم وقيمة شمع الأساس، والأودية والعلاجات الوقائية للنحل، وتكاليف فرز العسل وقيمة عبوات الحفظ .
تكلفة مرتفعة في ظل هذا الواقع ارتفعت تكاليف انتاج كيلو العسل ضمن الخلية إلى حدود مائتي ألف ليرة سورية بالمتوسط، وربما تتجاوز عتبة الثلاثمائة ألف ليرة لدى النحالين الأكثر تنقلاً، هذا دون احتساب قيمة عبوات التعبئة ولصاقات التعريف وأجور التعبئة، والنقل وتكاليف التسويق وأرباح العاملين بالسلاسل التسويقية.
الحرية
|