سيرياستيبس
أول انعكاسات تصويت مجلس النواب الأميركي بالأغلبية لمصلحة إلغاء “قانون قيصر”، ظهر من خلال تحسن سعر صرف الليرة السورية في السوق الموازية، ليقترب مجدداً من السعر الرسمي وسطياً 11 ألف ليرة للدولار.
ويعكس هذا التحرك أثر القرار في الاقتصاد المحلي، ويشكل مؤشراً أولياً لتحسن الثقة في الأسواق، رغم أن الواقع الاقتصادي لايزال يواجه تحديات.
وبعد التصويت على إلغاء “قانون قيصر”، شهدت السوق الموازية انخفاضاً سريعاً في سعر الدولار، الخميس، من نحو 12 ألف ليرة إلى أقل من 11 ألف ليرة، ما دفع معظم شركات الصرافة إلى تعليق عمليات البيع والشراء مؤقتاً، وفق مصادر عاملة في قطاع الصرافة والحوالات.
وترى الخبيرة الاقتصادية والتنموية الدكتورة زبيدة القبلان، أن إلغاء “قيصر” يسهم في تقليل المخاطر المستقبلية، موضحة أن موافقة مجلس النواب تنقل رسالة إلى السوق تفيد بوجود احتمال حقيقي لرفع العقوبات الأميركية نهائياً خلال الأسابيع القليلة القادمة، ما يقلّل من المخاطر على الاقتصاد السوري في المستقبل القريب، وقد يجذب طلباً أقل على الدولار، وبالتالي تراجع سعره.
وتشير القبلان في حديثها لصحيفة “الثورة السورية” إلى توقعات بتحسن التجارة والاستثمار، فرفع العقوبات، إذا أُقر نهائياً بعد موافقة مجلس الشيوخ وتوقيعه من الرئيس الأميركي، قد يفتح الأبواب أمام عودة الاستثمار الأجنبي وتحسن دخول العملة الصعبة للاقتصاد، وبالتالي دعم الليرة. تأثير نفسي
يفسر الاقتصاديون والمحللون الماليون عادة أن تحسن سعر الصرف على خلفية مثل هذه الأخبار يكون انعكاساً نفسياً في المدى القصير، قد يتبعه استقرار نسبي في المدى المتوسط إذا تأكدت إمكانية رفع العقوبات وترسخت الإشارات السياسية الإيجابية، بينما قد يعود إلى التذبذب أو يرتد مجدداً إذا تباطأت الخطوات التشريعية في الولايات المتحدة أو ظهرت شروط جديدة لرفع العقوبات.
ويوضح أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة لصحيفة “الثورة السورية” أن أي متغير سياسي، إقليمياً أو دولياً، يترك أثراً مباشراً على السوق المحلية، مشيراً إلى أن مجرد تداول خبر إلغاء القانون انعكس فوراً على سعر الصرف.
ويقول حبزة: إن الانخفاض السريع في سعر الدولار الذي شهدته الأسواق مؤخراً لا يمكن اعتباره حقيقياً أو مستداماً، لأنه لم يطرأ أي تغيير اقتصادي فعلي على بنية الإنتاج المحلي، فلا معامل جديدة دخلت في دورة الإنتاج، ولا تحسن ملموس في الإنتاج الزراعي، ولا مؤشرات اقتصادية قادرة على خلق أثر إيجابي طويل الأمد على الليرة.
ويؤكد حبزة أن ما حدث كان نتيجة تأثير نفسي ومعنوي أكثر منه اقتصادياً، ترافق مع موجة مضاربات واسعة في السوق، لافتاً إلى أن الصورة لن تتضح قبل مرور أسابيع وربما أشهر.
ويرجح عودة سعر الدولار للارتفاع مجدداً، نظراً لغياب أي محفزات إنتاجية حقيقية يمكن أن تدعم استقرار الليرة، إلا في حال حصول البلاد على دعم خارجي استثنائي، وهو سيناريو غير مضمون في ظل الظروف الحالية.
ويشير إلى أن الميزان التجاري ما زال يميل بوضوح نحو الاستيراد، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي على حد سواء، الأمر الذي يزيد الضغط على سعر الصرف.
واعتبر حبزة أن الحكومة لم تستطع حتى الآن ضبط سعر الدولار في السوق الموازية، رغم انخفاضه إعلامياً، في حين يبقى سعر الصرف المتداول فعلياً بحدود 12 ألف ليرة، ما يجعل المرحلة المقبلة بحاجة إلى إدارة اقتصادية أكثر حذراً واستقراراً. نتائج قريبة وبعيدة
ترى الخبيرة القبلان أن ظهور نتائج إلغاء “قيصر” في الأسواق يعتمد على عاملين: الأول استكمال المسار التشريعي الأميركي، والثاني الإجراءات الاقتصادية داخل سوريا.
وتتوقع أن النتائج على المدى القريب (من أيام إلى أسابيع) قد تتمثل في استمرار تراجع الدولار أو استقراره عند مستويات أقل من السابق إذا بقي المزاج النفسي إيجابياً، مع انخفاض طفيف في أسعار بعض السلع التي تعتمد على التمويل الخارجي أو المستوردات السريعة التداول، وزيادة العرض من الدولار في السوق بسبب تراجع المخاوف.
وعلى المدى المتوسط (من 3 إلى 6 أشهر بعد الإلغاء النهائي)، تتوقع القبلان أن السوق سيبدأ بلمس نتائج ملموسة فقط إذا أصبح القانون ملغياً بشكل كامل وتشكلت بيئة جديدة للتعاملات الخارجية، وهذا يمكن أن ينعكس في انخفاض تكاليف التحويلات المالية وزيادتها رسمياً وقانونياً، وتحسن قدرة المستوردين على التوريد، ما ينعكس على أسعار السلع، وزيادة حجم حركة رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة، وتحسن تدريجي في توفر المواد، وبالتالي تراجع بعض مستويات التضخم.
أما على المدى البعيد (عام وأكثر)، تشير القبلان إلى أن خلال هذه المدّة تظهر النتائج الأكثر استدامة، مثل إمكانية دخول استثمارات أجنبية أو إقليمية، خصوصاً في الطاقة والبنية التحتية، وتحسن إيرادات الدولة بالعملة الصعبة، واستقرار أكبر في سعر الصرف وتراجع التذبذبات الحادة. تحسين البيئة الاقتصادية
يعتبر نقيب الاقتصاديين محمد البكور، أن تصويت مجلس النواب الأميركي على رفع “قانون قيصر” يشكّل خطوة بالغة الأهمية في مسار إعادة تموضع الاقتصاد السوري على أسس صحيحة ومستدامة، لما يحمله من آثار إيجابية مباشرة على حياة المواطن وعلى الاقتصاد الوطني عموماً، فضلاً عن انعكاساته على المستوى الإقليمي.
وأوضح البكور لصحيفة “الثورة السورية” أن هذه الخطوة تسهم في تحسين البيئة الاقتصادية وتحويلها إلى عامل جذب للاستثمارات ودخول رجال الأعمال، ما يفتح الباب أمام إطلاق مشاريع إنتاجية وتنموية تحتاج إلى أعداد كبيرة من اليد العاملة، الأمر الذي ينعكس تحسناً في مستويات الدخل وتعزيزاً للواقع المعيشي.
كما أشار إلى أن رفع القيود ينعكس على تكاليف وقيم استيراد العديد من المواد، بما يؤدي إلى انخفاض أسعار عدد واسع من السلع والخدمات، إضافة إلى إتاحة إمكانية استيراد المعامل الحديثة والتقنيات المتطورة التي كانت ممنوعة سابقاً، وهو ما يساهم في رفع كفاءة الإنتاج وتحسين جودة الحياة للمواطن.
وأضاف البكور أن استمرار تحسن سعر صرف الليرة يشكّل عاملاً داعماً ومكملاً لهذه التحولات الإيجابية، لما له من أثر مباشر في تعزيز الثقة بالاقتصاد الوطني وتخفيف الضغوط التضخمية.
ولفت إلى أن استقرار الليرة ينعكس انخفاضاً في تكاليف الاستيراد وأسعار السلع الأساسية، ويحدّ من تقلبات السوق، ما يسهم في تحسين القدرة الشرائية للمواطن وتوفير بيئة أكثر استقراراً وتشجيعاً للاستثمار والإنتاج.
وشدد البكور على ضرورة الاستعانة بالخبرات والكفاءات الاختصاصية من خريجي كليات الاقتصاد والعاملين في هذا المجال لإنجاح المرحلة المقبلة، مؤكداً أن العمل الاقتصادي المتميز يحتاج إلى أبناء الاختصاص، لافتاً إلى أن معظم العاملين حالياً في ملفات الاقتصاد هم من اختصاصات أخرى، كما دعا إلى إحداث جهة ناظمة تتولى الربط بين الجهات المعنية وتنسيق وتوحيد الجهود، بما يسهم في تسهيل الإجراءات وخلق بيئة أكثر مرونة وجاذبية للمستثمرين. جذب الاستثمارات
يقول الخبير المالي والمصرفي الدكتور عبد الله قزاز، لصحيفة “الثورة السورية”: إن إلغاء “قانون قيصر” قد يسهم في تعزيز استقرار الأسعار وكبح جماح التضخم ورفع قيمة الليرة السورية، التي سيزداد الطلب عليها مع بدء دخول المستثمرين، لكن كلّ ذلك مرتبط باتخاذ إجراءات نقدية ومالية مناسبة لضمان تحوّل هذا الإلغاء إلى مكاسب حقيقية للمواطن والأسواق، كالعمل على تعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق استقرار الأسعار وتفعيل السياسات النقدية الفعّالة.
وتوقع قزاز أن يشهد الاقتصاد السوري بعد إلغاء “قانون قيصر” تغيرات جذرية قد تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي والمالي في سوريا.
واعتبر أن الانعكاسات المباشرة لهذا الإلغاء محورية، خاصة فيما يتعلق بزيادة تدفق السلع الأساسية، مما يحسن من توفرها في الأسواق ويخفض تكاليف الاستيراد، ويمكن أن يساهم ذلك أيضاً في إعادة تنشيط العلاقات التجارية مع دول الجوار والدول الحليفة والصديقة لسوريا، مما يعزز قدرة الاقتصاد السوري على الاستفادة من الموارد الإقليمية.
ورأى أن تحقق ذلك يعني أن عام 2026 قد يكون عام التنمية فعلياً وتحقيق معدلات نمو فوق المتوقع، ويمكن أن يصل معدّل النمو الاقتصادي إلى 2 بالمئة.
وفيما يتعلق بالقطاع المالي والمصرفي، يلفت إلى أنه قد يشهد انفراجاً ملحوظاً فيما يتعلق بالتحويلات المالية وفتح القنوات المصرفية وتوفر السيولة المصرفية وتبادل الخبرات والاستشارات المالية والمصرفية.
وحول تأثير إلغاء “قيصر” على جذب الاستثمارات الخارجية والمحلية، يبين قزاز أن ذلك يتطلب توفر مجموعة من الشروط، مثل تحسين بيئة الأعمال وتطبيق إصلاحات هيكلية (كتخفيض الضرائب والرسوم وتخفيف الإجراءات الروتينية والبيروقراطية المتعلقة بتأسيس الشركات) وضمان الشفافية في المعاملات المالية، مبيناً أن هذه الإجراءات تعزز ثقة المستثمرين في السوق السوري وتزيد من فرص النمو.
|