الدكتور دريددرغام يكتب :
في الماضي كان النمو الاقتصادي ضرورة. في الحاضر هو أصل شرور العالم!



لا يتوفر وصف للصورة.

(الجزء الأول)
 
سيرياستيبس
كتب الدكتور دريد درغام -حاكم مصرف سورية المركزي السابق :
في الماضي كان الملوك يهتمون بتجميع ما يكفي من الذهب لتسيير الدولة أو لتمويل الغزو "أو الفتح" لتعويض النقص الغذاء أو الكلأ أو بحثاً عن أمجاد زائلة "حكماً". وكانت نوعية وكمية الإنتاج تكفي للرفاه وبذخ الملوك وأصحاب النفوذ وإنشاء صروح هائلة للقصور وبيوت العبادة على حساب بؤس العامة القاطنين في أكواخ متداعية.
مع زوال الإقطاع وظهور الرأسمالية وأنظمة الإنتاج المكثف عبر المكننة بدأت الحاجة لإقناع الشعب بأن الترف والتبذير متاح للجميع ولو كان الأمر على حساب الطبيعة أو الدول الخارجية أو الأجيال القادمة. فبدأ العمل على الخلق النقدي (اقتراض غير مبرر) وإقناع الناس بحاجتهم إلى استهلاك مستمر يناسب "الموضة" مع أنه لا علاقة له بحاجاتهم الفعلية. وقد استفادت الدول المتقدمة من محدودية التكاثر السكاني في معظمها وسعت لزيادة القدرة الشرائية لسكانها إلى مستويات غير مبررة إنسانياً (بمختلف تلوينات الاستعمار واستحواذ أفراد على ثروات تعادل موازنة دول) وغير مبررة اقتصادياً (قروض استهلاكية غير مسبوقة لمستهلكين لا يمكنهم تسديد أقساطها: أزمة 2008 أكبر مثال). أما باقي الدول فقد استوردت نسخاً مشوهة من منظومات التعليم والتدريب من الغرب واعتمدت ثقافته الاستهلاكية وكانت النتيجة ما يلي:
1. تُنفّر الاستثمارات الإنتاجية المهلهلة معظم الخريجين الجيدين فتكون النتيجة هجرة قسرية لهم إلى الغرب أو اغتراب في أوطانهم.
2. في ظل التعليم الإلزامي الطويل انخفض عدد الراغبين أو القادرين على العمل في الزراعة والبناء ومختلف المهن. ومن تعلم منهم أو تكونت لديه الخبرة اللازمة كان عليه الخيار بين الهجرة والعمل في غرب منضبط أو العمل في داخل منفلت.
3. أدت زيادة العاطلين عن العمل إلى إدمانهم على المقاهي والتلفزيون سابقاً وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حالياً مما زاد في ترسيخ ثقافة الغرب المرتبطة بمزيد من الاستهلاك.
4. أدت هذه الأمور إلى مزيد من التقهقر في البنى الإنتاجية وصعوبات في التصدير وزاد الاعتماد على القروض والمساعدات وإرساليات المهاجرين.
في القرون الحديثة تم إقناع جميع الشعوب بأن النمو الاقتصادي "حقيقة أزلية" لا يجوز الحياد عنها. فنتج عن ذلك سباق محموم لتجميع الثروات على الصعيد الفردي وعلى الصعيد الحكومي. ولجأت الدول في سبيل ذلك لمختلف أنواع السلوك غير الإنساني بما فيه البحث عن عبيد للعمل في المهن الشاقة أو استغلال قوة عملهم في إنتاج أكبر. واقتنع الجميع بأن النمو السكاني يتطلب نمواً اقتصادياً أكبر مهما كانت الكوارث البيئية أو سوء توزيع الثروات. ولذلك يمكن تقسيم الدول إلى متقدمة استطاعت بسلوكيات مريبة مراكمة ثروات طائلة ونفوذ غير مسبوق. أما باقي الدول فتتوزع إلى نامية (ومنها من أصبح في مصاف الدول المتقدمة كالصين) وفي طور النمو (تبحث عن هوية أوضح لمستقبلها) و"طفيلية" (تستقطب السواح الباحثين عن مختلف أنواع المتعة أو تعيش على ما يهبه الله لها من ثروات طبيعية أو قروض أو مساعدات دول "نافذة").
مع تحسن شروط العيش والطبابة انخفضت وفيات الأطفال وزاد وسطي الأعمار على المستوى الدولي. ومع التقدم التقني استغنت الدول المتقدمة عن معظم المهن التقليدية وبقيت أعمال "مضنية" يترفع الغربيون عنها فتهافت عليها المهاجرون القادمون من فقر بعيد.
في فترة 1950 حتى 2020 كانت زيادة وسطي دخل الفرد عالمياً بنسبة 500% أكبر من نسبة زيادة السكان (320%) ولكن العالم المتقدم هو من استحوذ على الثروات: في أوروبا 40% فقط زيادة السكان مقابل زيادة حصة الأوروبي من 7 آلاف دولار سنويا إلى 40 ألف وفي أمريكا الشمالية 156% زيادة السكان (كونها بلاد هجرة) بينما زيادة حصة الأمريكي من 15 ألف إلى أكثر من 60 ألف دولار. أما في أفريقيا فكانت زيادة السكان مهولة 5 مرات تقريباً مقابل زيادة حصة الفرد من ألف إلى 3 آلاف فقط (انظر الشكل المرفق) وهي زيادة لا معنى لها أمام نسب التضخم عبر العقود الماضية مما يسبب يمهد الطريق لخلل عالمي مخيف وهذا ما يدفع الغرب لأساليب وقاية متنوعة



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=131&id=191718

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc