سيرياستيبس - الاخبار :
بين عامي 2015 و2018، وزّعت المصارف أنصبة أرباح على مالكي الأسهم العادية بما يفوق 3 مليارات دولار، أما مجموع «الأنصبة» التي وزّعتها بين 2011 و2018 فقد بلغ 7 مليارات و246 مليون دولار. هذه المبالغ ليست كامل الأرباح التي حققتها البنوك العاملة في لبنان، بل ما وزّعته على أصحابها ومالكي الأسهم فيها. وفيما كانت غالبية سكان البلاد تُشدّ نحو هاوية الفقر، كان عدد ضئيل جداً من اللبنانيين (أقل من 1 في المئة من السكان)، وهم أصحاب المصارف وشركاؤهم من حملة الأسهم التفضيلية، يحققون ثروة بهذه الضخامة، في وقت قياسي، ويرحّلون غالبيتها إلى الخارج. هذه أموال المُساهمين الرئيسيين وأصحاب المصارف، التي يرفضون أي مس بها، ولو لاستخدامها لإنقاذ الشركات التي يملكونها، عبر زيادة 20% على رأسمالها وإعادة تكوين حسابات خارجية، أو القيام بإعادة هيكلة حقيقية للقطاع. عِوض ذلك، اختارت المصارف أن تلعب دور «مُضاربٍ» في السوق السوداء بما يؤدّي إلى الضغط على سعر الصرف، وفرضت على مصرف لبنان التخفيف من الشروط المطلوبة لتتهرّب من إعادة الدولارات إلى القطاع المصرفي اللبناني
تُزاحم
المصارف للحصول على الدولارات «الحقيقية»، لأنّها أمام استحقاقات مصرفية
عدّة. المصرف المركزي فرض عليها زيادة 20% على رأسمالها، وإعادة تكوين
حساباتها لدى مصارف المراسلة (لكلّ بنك محلّي وكيل له في الخارج) وضخّ
الدولارات فيه بما لا يقلّ عن 3% من مجموع الأموال بالعملات الأجنبية
المودعة في المصارف اللبنانية (تنتهي المُهلة في 28 شباط). ورغم أنّ مصرف
لبنان مدّ الحبل لجميع المصارف حتى يسحبها من القعر، عبر إصدار تعاميم
بشروط «مُخفّفة»، إلا أنّ المصارف إما وقفت عاجزةً أمام الاستحقاقات، أو
اختارت الالتزام بها ولكن عبر تدفيع السكّان الثمن. فمع دخولها «السوق
السوداء» طالبةً الحصول على مئات آلاف الدولارات، ساهمت المصارف (مع عوامل
أخرى) في زيادة انهيار قيمة الليرة ورفع سعر الصرف الذي بات على عتبة الـ
9000 ليرة للدولار. فهل المصارف فعلاً مُفلسة و«مضطرة» إلى مدّ يدها إلى
مُلك غيرها لتُنقذ نفسها؟ أم أنّها ذلك البخيل الذي تفيض جيوبه بالمال
وبيته بالمأكل، ولكنّه يواظب على تناول الوجبات لدى الجيران لادّخار ما
يملك؟
في سنة 2018 وحدها، حقّقت المصارف أرباحاً صافية بقيمة 2 مليار
و205 ملايين دولار، ووزّعت منها ملياراً و148 مليون دولار كأنصبة أرباح على
مالكيها، حصل منها حملة الأسهم العادية على 897.5 مليون دولار. وشكّلت
أنصبة الأرباح الموزعة على مالكي الأسهم العادية لدى كلّ من «بنك عوده»
و«بنك لبنان والمهجر» وحدهما حوالى 51% (بلغت 49% في الـ 2017) من مجموع
أنصبة أرباح جميع المصارف في لبنان. مبالغ الـ 2018، معطوفةً على أنصبة
أرباح السنوات السابقة، تكفي المصارف لتزيد رأسمالها بنسبة 20%، وتُعيد
تكوين حسابات خارجية لدى المصارف المراسلة، من دون أن تلجأ إلى الألاعيب
للتفلّت من القيام بواجبها. ولكنّ مالكيها فضّلوا «تهريب» أرباحهم. لم
يُقرّر سلامة «لَجم» هذه اللعبة إلا في 4 تشرين الثاني 2019، مع إصدار
التعميم الوسيط 532، «يمنع» بموجبه المصارف من توزيع أرباحها عن السنتين
الماليتين 2019 و2020، وهو التعميم نفسه الذي تضّمن زيادة 20% على رأسمالها
كما هي بتاريخ 31/12/2018، «وذلك عن طريق مقدمات نقدية بالدولار
الأميركي». يومها، قُدّر مجموع الزيادة التي على كلّ المصارف إضافتها إلى
رساميلها بنحو 4 مليارات دولار، وكان الحاكم رياض سلامة مُدركاً لامتلاكها
هذا المبلغ... «وحبّة مسك». كيف؟
سنة 2018، حقّقت المصارف أرباحاً صافية بقيمة 2 مليار و205 ملايين دولار
ما
المُبرّر لهذه القفزة؟ «فتحت الهندسات المالية التي نفذها سلامة شهيّة
توزيع أنصبة الأرباح على مالكي المصارف. هذه الأرباح كانوا يحصلون عليها
بالليرة، ثمّ يشترون بها الدولار من مصرف لبنان، ليُحوّلوها إلى خارج
البلد»، يقول مسؤول سابق في السلطة النقدية. كلّ المعنيين كانوا على علمٍ
بتحقيق كبار المُساهمين أرباحاً خيالية يُسارعون إلى إخراجها من قطاعهم
المصرفي، لـ«حمايتها» في بلد آخر. لم «تُهرّب» كلّ أنصبة الأرباح خارج
الحدود، فبعض المساهمين (مالكو المصارف) «استخدموها لإطفاء ديون متراكمة
عليهم في مصارف أخرى». لم يستمع سلامة إلى «التحذيرات» في هذا الخصوص،
«وحجّته أنّ عدم توزيع أنصبة أرباح تحول دون استقدام مُساهمين جُدد إلى
القطاع»، علماً بأنّ المصارف «بعددها الأكبر، أبقت على دائرة مالكيها
ضيّقة، من دون أن تنفتح على جذب مساهمين كبار».
فتحت الهندسات المالية شهية توزيع أنصبة الأرباح على مالكي المصارف
توسّع
توزيع أنصبة الأرباح بين الـ 2015 والـ 2018، وتحقيق حملة الأسهم العادية
أكثر من 3 مليارات دولار، كان يُفترض به أن يؤدّي إلى زيادة «سلسة»
لرأسمالها وتكوين حساب خارجي. إلا أنّ المصارف تمرّدت، وأجبرت «المركزي» في
26 آب 2020 على إصدار التعميم الوسيط 567، المُتعلّق بتمديد فترة زيادة
الـ 20% إلى نهاية كانون الأول 2020 (كانت مُحدّدة بحزيران 2020)، والسماح
لها بأن تكون نصف زيادة الرساميل عن طريق عقارات (المادة السادسة مُكرّر من
التعميم الأساسي 44)، بعدما كانت كلّها «نقداً» وبالدولار. ترجمة هذا
الكلام النقدي والتقني، أنّ المصارف «تملك المال لزيادة 20% نقداً عبر
استخدام أموال أصحابها وكبار المُساهمين فيها، من دون اللجوء إلى زيادة
خادعة عبر العقارات أو ممارسة المزيد من الضغط على سعر الصرف. فهذه النسبة
هي أدنى المطلوب منها». ولكن يبدو أنّ أي التزام، مهما كان مُتساهلاً، لم
يعد نافعاً «إلا في حال خلق مصارف جديدة برأسمال جديد والإتيان بدولار
حقيقي». هو الحلّ الوحيد مع مصارف اكتفت بأن تكون «شركة تجارية عائلية»،
استفادت من بيئة محلية مُلائمة لمراكمة ثروات شخصية، من دون الاهتمام بأداء
دور في الاقتصاد الوطني، ووجدت «جنوداً» في «دولة المال» (بالتزامن مع
تعيينها مباشرةً في مناصب وزارية ونيابية) يُسهّلون لها مهمتها.
المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=126&id=186573