سيرياستيبس :
في خطوة نقدية يمكن وصفها بأنها “إعادة تسمية” للهوية المالية، تدخل الليرة السورية الجديدة مرحلة حذف الصفرين، وهو إجراء تقني يهدف إلى تبسيط لغة الأرقام في الجيوب والسجلات المحاسبية على حد سواء. ورغم أن هذا المسار لا يمس جوهر القيمة الشرائية، إلا أنه يضع “الثقة العامة” والرقابة الحكومية في اختبار حقيقي لمنع تحول “التقريب الحسابي” إلى “تضخم مستتر” يثقل كاهل المواطن.
الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي لفت إلى أن مصرف سورية المركزي أعلن عن آلية جديدة لاستبدال العملة، تتضمن حذف صفرين من الليرة السورية، بحيث يصبح معامل التحويل (1 ليرة جديدة = 100 ليرة قديمة)، مع الإبقاء على الرمز الدولي (SYP). ورغم أن هذا الإجراء يُصنّف تقنياً ضمن “إعادة التسمية” وليس “إعادة التقييم”، إلا أن نجاحه يعتمد على دقة التنفيذ وثقة الجمهور.
خطوة تقنية محفوفة بالرمزية
ويرى قوشجي أن الخطوة تعكس محاولة لتبسيط التعاملات النقدية، وتخفيف الأعباء المحاسبية، وإعادة الاعتبار الشكلي للعملة الوطنية. لكنها لا تعني تحسناً فورياً في القوة الشرائية أو تراجعاً في الأسعار، ما لم تُرفق بإصلاحات اقتصادية أعمق. التحدي الأكبر يكمن في ضبط التوقعات ومنع التلاعب.
خطر “التقريب” ورفع الأسعار
ولفت أستاذ الاقتصاد إلى أنه وفي ظل ضعف الرقابة، قد يلجأ بعض التجار إلى تقريب الأسعار صعوداً عند تحويلها إلى الليرة الجديدة، خاصة في السلع الصغيرة (كالخبز، النقل، الخضار). ولتفادي ذلك، يرى ضرورة إصدار لوائح تسعير مزدوجة (قديمة وجديدة) لفترة انتقالية، وفرض عقوبات على من يرفع الأسعار من دون مبرر، إلى جانب إطلاق حملات توعية تشرح أن “التقريب” ليس حقاً تلقائياً بل خاضع للرقابة.
حذف الصفرين والمواطن البسيط
أكد قوشجي ضرورة تبسيط المفهوم للمواطن البسيط عبر أمثلة ملموسة، مثل: إذا كان لديك 1,000,000 ليرة قديمة، فهي تساوي 10,000 ليرة جديدة. أنت لم تخسر شيئاً، فقط تم حذف صفرين لتسهيل الحساب. كما أن سعر بيتك أو ذهبك أو راتبك حتى أسعار المنتجات الخضار والفواكه واللحوم وايجارات وسعر صرف الدولار الأمريكي كل شيء سيُعاد تسميته بالنسبة نفسها، من دون أن يتغير جوهر قيمته.
والرسالة الأساسية التي يجب التأكيد عليها: “الرقم تغيّر، لكن القيمة بقيت كما هي.”
الإبقاء على الرمز (SYP) – سلاح ذو حدين
يرى قوشجي أن الإبقاء على الرمز الدولي نفسه قد يبعث برسالة استقرار واستمرارية قانونية للمؤسسات الدولية، ويجنب تعقيدات التحديث في الأنظمة المصرفية العالمية. لكنه قد يربك المواطن العادي، ويضعف الأثر النفسي الإيجابي للعملة الجديدة.
معالجة الكسور المصرفية
وحول موضوع معالجة الكسور قال أستاذ المصارف: بما أن بعض الأرصدة أو الفوائد أو الأقساط قد لا تقبل القسمة على 100، يجب على المصارف اعتماد آلية “التقريب العادل” (Rounding Rules) تضمن عدم تحميل العميل خسائر، وتحويل الكسور إلى أرصدة مؤجلة أو تجميعها في حسابات فرعية، وإصدار تعليمات واضحة للمحاسبين والمراجعين لتوحيد المعايير.
وختم قوشجي بالقول: نجاح عملية استبدال العملة لا يتوقف على حذف صفرين فحسب، بل على ما يُضاف بعدها: شفافية، رقابة، توعية، وعدالة في التطبيق. فالثقة لا تُطبع على الورق، بل تُبنى في العقول والجيوب معاً.
محمد راكان مصطفى
