الطاقة تدير دفة العالم نهاية عصر النفط
11/12/2025





 
سيرياستيبس
كتب الخبير في الاقتصاد السياسي عبد الحميد القتلان 

 قامت المملكة العربية السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم في أيار الماضي بإقالة وزير النفط علي النعيمي (بقي في منصبه عشرين عاماً) كما قامت بإعادة تسمية وزارة النفط ليصبح اسمها وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية!
في الواقع لم تكن هذه الخطوة اعتباطية، وإنما كانت نتيجة لترنح عصر النفط الذي بدأت شمسه تغيب في الأفق منذ بداية هذا القرن، حيث ساهمت مجموعة من العوامل المتراكبة في انخفاض معدل ازدياد الطلب على النفط وانخفاض قيمة الاستثمارات النفطية بالنتيجة.
*لماذا يترنح عصر النفط؟
 ساهم ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 40 دولار منذ عام 2004 (لأول مرة في التاريخ) إلى تحفيز تطوير تقنيات الطاقة المتجددة، فقد انخفضت تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة خلال الفترة 2008-2013 بمقدار 50%، كما وصل المعدل السنوي لازدياد إنتاج الطاقة الشمسية إلى 42% في عام 2015.
كما ساهمت ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض في تعالي الأصوات لتخفيض استهلاك النفط (المصدر الرئيسي للتلوث)، حيث بدأت الدول الأوربية في وضع استثمارات كبيرة لاستثمار الطاقات المتجددة من جهة والتحول التدريجي إلى استهلاك الغاز (يسبب تلوث أقل من النفط)، حيث وصل حجم استثمار الطاقات المتجددة على مستوى العالم إلى 270 مليار دولار لعام 2015 في مقابل حوالي 130 مليار للنفط.
كما تكللت جهود حماة البيئة باتفاقية باريس لمكافحة التغير المناخي التي وقعت عام 2015 وتشمل 129 دولة حتى الآن ومن ضمنها عملاقي التلوث الصين والولايات المتحدة.
لعل العامل الحاسم الذي سيساهم في انحسار عصر النفط هو نفس العامل الذي ساهم في ظهوره، إنها وسائل النقل، فقد وصل عدد السيارات العاملة على الغاز في العالم إلى حوالي 25 مليون سيارة عام 2015 ومن جهة أخرى ازدادت مبيعات السيارات الكهربائية بشكل مطرد عالمياً، من حوالي 50 ألف سيارة عام 2011 إلى 750 ألف عام 2016.
على الرغم من ان هذه الأرقام ماتزال متواضعة بالنسبة لإجمالي عدد السيارات الخفيفة العاملة على المشتقات النفطية في العالم (1.2 مليار سيارة) إلى أن معدل ازدياد نسبة السيارات الغير عاملة على مشتقات النفط يقدم مؤشراً لا يمكن تجاهله.
 
*أزمة شركات الطاقة:
تتميز كبرى شركات الطاقة بأن لديها حجم موجودات وتجهيزات ضخمة وتكاليف تشغيلية عالية وبالتالي تحتاج لعائدات كبيرة لتستمر في البقاء، كما أن هذه الشركات نشأت وترعرعت في ظل إيرادات مالية كبيرة وهوامش ربحية عالية، مما جعلها أكثر تسامحاً مع سوء إدارة التكاليف ومع انخفاض الشفافية والرقابة، فطالما أن هناك مال وأرباح فلن يكون من مصلحة أحد البحث في هذه الأمور، لكن انخفاض الاستثمارات عالمياً في مجال النفط جعل هذه الشركات تمر بأزمات مالية حادة، حيث بدأت هذه الشركات تعمل في استثمارات ذات معدل عائد منخفض مثل إنشاء محطات طاقة الرياح المشيدة في البحار، أو تخزين ثاني أكسيد الكربون تحت مياه البحر.
إن هذا الواقع الصعب انعكس بشكل مباشر على إيرادات هذه الشركات، فقد انخفضت قيمة الضرائب التي يدفعها كل من عملاقي الطاقة الأمريكيين شيفرون وإكسون موبيل من 51 مليار دولار عام 2013 إلى 7 مليارات عام 2015, الأمر الذي يسلط الضوء على حجم معاناة هذه الشركات.
إن الحل الوحيد لهذه الأزمة هو إعادة هيكلة شركات الطاقة بشكل جزري، بحيث يتم وضع أنظمة جديدة أكثر كفاءة وشفافية وأقل كلفة، والأهم من ذلك أن هذه الهيكلة سينتج عنها خروج جناح كبير من أصحاب النفوذ في هذه الشركات، الأمر الذي يعني بالطبع أن هناك بداية لصراع كبير بين أصحاب النفوذ والتكتلات ضمن هذه الشركات العملاقة.
*ماذا تريد شركات الطاقة؟
على الرغم من أن كبرى شركات الطاقة قد بدأت منذ مدة بتحويل استثماراتها باتجاه الغاز، إلى أن هذه الشركات تمتلك بنى تحتية عملاقة وخبرة ضخمة وتجهيزات مخصصة لإنتاج النفط وهي تتوق لاستخدامها وتوظيفها ولو للمرة الأخيرة قبل انتهاء وانحسار عصر النفط نهائياً.
كما أن انتهاء عصر النفط يعني حكماً إعادة الهيكلة (كما أسلفنا سابقاً) وما يترتب عن ذلك من صراع على البقاء بين الأجنحة المسيطرة على هذه الشركات.
قد يكون أفضل لهذه الأزمة هو تأجيلها إلى حين، وذلك من خلال استحداث طفرة في أسعار النفط ولو للمرة الأخيرة!
لكن هذه الفكرة تحتاج إلى جهود كبيرة لأن هناك فائض في إنتاج الطاقة عالمياً، وهناك أيضا قدرة على زيادة الإنتاج بسرعة كبيرة لدى الدول النفطية، أي أن ارتفاع أسعار النفط قد يترافق بعامل تصحيح قوي من خلال زيادة سريعة في الإنتاج ودخول شركات النفط الصخري بشكل قوي إلى السوق، الأمر الذي يعني أن عودة أسعار النفط إلى سابق عهدها يحتاج إلى حدوث انخفاض مفاجئ وكبير في إنتاج النفط، بحيث يتعذر ارتفاع أسعار النفط بسرعة، الأمر الذي يجعل هذا الهدف لدى شركات الطاقة يتطلب منها استغلال كامل لقدرتها وقواتها الناعمة والخشنة، فهل ستستطيع هذه الشركات استغلال وصول ممثلها إلى البيت الأبيض لتحقيق هذا الهدف وما هي مدى قدرته على السباحة في بحر طموحاتها؟؟



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=136&id=203912

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc