سورية: رفع العقوبات الأميركية يغير قواعد اللعبة
08/12/2025





سيرياستيبس :

بعد عام على التحرير السياسي الذي أنهى حكم بشار الأسد وأعاد توحيد مؤسسات الدولة، دخلت سورية مرحلة اقتصادية جديدة أنهت عقداً من الانكماش والحصار. فقد مثل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، مايو/ أيار الماضي، رفع العقوبات الأميركية بالكامل، نقطة تحول سياسية واقتصادية فتحت الباب أمام أولى مؤشرات التعافي، من تحسن سعر صرف الليرة، إلى عودة الحركة التجارية وبدء نقاشات حكومية حول مشاريع كبرى في الطاقة والبنية التحتية. وعلى مدى السنوات الماضية، شكلت العقوبات منظومة ضغط شلت الاقتصاد السوري، إذ تجاوزت 2800 عقوبة طاولت قطاعات النفط والطاقة والمصارف والتجارة، وتسببت بانهيار الإنتاج النفطي من 380 ألف برميل يومياً إلى أقل من 30 ألفاً، وبسقوط الليرة وتوقف آلاف المصانع وارتفاع معدلات التضخم. ومع خسائر اقتصادية تقدر بنحو 530 مليار دولار وفق "إسكوا" والبنك الدولي، بدا رفع العقوبات أول فرصة لفتح نافذة اقتصادية جديدة تعيد لسورية قدرتها على التقاط أنفاسها بعد عقد من الاختناق.

قرار يبدل قواعد اللعبة
ويرى الخبير الاقتصادي عمار اليوسف، أن رفع العقوبات يشكل تحولاً رمزياً يعيد الثقة لاقتصاد أنهكته الحرب، ويفتح نافذة لتنشيط الاستثمارات العربية في قطاعات حيوية. ويؤكد أن التعافي لن يكون سريعاً، لكنه ممكن مع الإرادة السياسية والإصلاحات التي تعيد ترتيب بيئة الأعمال، مستفيداً من المقومات البشرية والجغرافية التي تمتلكها سورية. ويوضح الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر، أن تجميد العقوبات كسر العزلة المالية وفتح قنوات التحويلات والتمويل، ما سمح باستعادة جزء من الأصول المجمدة، وانعكس مباشرة على المؤشرات النقدية، حيث تحسنت الليرة بنحو 16% وتزايدت التدفقات المالية، ما عزز الثقة بالسوق.

وفي السياق نفسه، يشير عميد كلية الاقتصاد، علي كنعان، إلى أن رفع العقوبات يمهد لإعادة دمج البنوك السورية في النظام المالي العالمي عبر فتح نظام سويفت، متوقعاً تدفق نحو 10 مليارات دولار، بينها أموال البنك المركزي المجمدة، وهو ما سيكون له أثر حاسم على استقرار سعر الصرف وتمويل مشاريع إعادة الإعمار. ويصف أستاذ الاقتصاد زياد عربش، رفع العقوبات بأنه فرصة تاريخية قد لا تتكرر، مؤكداً ضرورة استثمارها سريعاً لإحياء طاقات اقتصادية معطلة تتجاوز 80%. ويدعو إلى خطة عاجلة لإعادة تشغيل المنشآت وجذب تحويلات المغتربين واستثمارات عربية ودولية، عبر شراكات استراتيجية ومناطق صناعية وتجارية خاصة تخلق قيمة مضافة وتوسع قدرة التصدير. ويقدر باحثون أن تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد يراوح بين 8 و12 مليار دولار خلال عامين، إذا توفرت بيئة أعمال مستقرة وإرادة إصلاحية واضحة.

تحولات سياسية ودبلوماسية
يشكل التقارب السياسي والدبلوماسي المحيط بسورية، وعلى رأسه لقاء ترامب بالرئيس أحمد الشرع في الرياض، ثم لقاء في واشنطن، مؤشراً على إعادة صياغة العلاقات الأميركية - السورية بعد سنوات من القطيعة. هذا التحول تزامن مع حراك سعودي وقطري وتركي هدفه دعم مسار تسوية سياسية اقتصادية أوسع، ومع أصوات أوروبية بدأت تطالب بمراجعة أنظمة العقوبات لما تسببت به من تعقيد للأزمة الإنسانية وإعاقة لجهود الإعمار. ويرجع الخبير الاقتصادي أيمن الديوب هذا الانفتاح إلى اقتناع دولي بأن العقوبات عمقت الانقسام والفقر والهجرة، وقوضت مسار بناء الدولة، معتبراً أن رفع القيود يمنح الحكومة أدوات للتواصل مع المناطق الخارجة عن سيطرتها عبر حلول اقتصادية مباشرة.

ويشير الديوب إلى أن تحسن المؤشرات المعيشية يرتبط مباشرة بانخفاض الجريمة وتهدئة التوترات، إذ يؤدي تحسن العملة وخلق الوظائف إلى تخفيف دوافع الهجرة والاقتصاد الموازي. كذلك يساعد التعافي الاقتصادي، برأيه، على إعادة هيكلة الأجهزة الإدارية والأمنية وفق مقاربات تركز على حماية المدنيين والاستقرار الاجتماعي. ومع بدء مرحلة ما بعد العقوبات، تستعيد سورية موقعها الجيوسياسي، لكونها عقدة ربط بين أسواق تركيا والعراق والأردن ولبنان والخليج، ما يعزز قيمتها الاستراتيجية ويفتح المجال لشراكات إقليمية جديدة. ويتوقع الديوب أن تشهد الفترة المقبلة عودة تدريجية لملايين اللاجئين مع تحسن الظروف الداخلية، الأمر الذي يخفف الضغط عن الدول المضيفة ويعيد التوازن الديمغرافي في الداخل، ويمهّد لتعاون أوسع في مجالات الطاقة والنقل والإعمار.

تدفق تمويلات دولية
وأعاد رفع العقوبات فتح الباب أمام تدفق تمويلات دولية ضخمة لإعادة الإعمار تقدر بين 250 و400 مليار دولار، ستتجه إلى قطاعات إنتاجية وخدمية تمتد من الطاقة والاتصالات إلى البنية التحتية والمرافئ والمناطق الصناعية. ويرى خبراء أن دخول التكنولوجيا الحديثة، من الطاقة المتجددة إلى أنظمة النقل والاتصالات المتطورة، يشكل أحد التحولات الحاسمة في إعادة دمج سورية بالاقتصاد العالمي. لكن هذا المسار، كما يحذر اقتصاديون، لا يمكن أن ينجح دون شفافية عالية وإدارة رشيدة ومكافحة فعالة للفساد، وهي متطلبات ما زالت مرتبطة بإرث ثقيل من سنوات الحرب. ويمثل رفع العقوبات نقطة تحول تتجاوز الاقتصاد إلى إعادة صياغة علاقة الدولة بمواطنيها والعالم. ورغم التحديات الهائلة، فإن التدفقات الاستثمارية وعودة القنوات الدبلوماسية وانطلاق مشاريع البنية التحتية ترسم ملامح مرحلة جديدة تتجه فيها سورية نحو نموذج اقتصادي أكثر انفتاحاً واستقراراً، في انتقال لن يقاس بالأسابيع، بل بمؤشرات واضحة تشير إلى انتهاء زمن الحصار وبداية فصل بناء لا يقل أهمية عن التحرير نفسه.

العربي الجديد 



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=127&id=203888

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc