ما خيارات الحكومة السورية تجاه قسد في حال انتهاء مهلة اتفاق 10 آذار بلا تنفيذ؟
06/12/2025
سيرياستيبس
مع اقتراب انتهاء مهلة تنفيذ اتفاق 10 آذار بين الحكومة السورية وقسد، تجد دمشق نفسها أمام واحد من أعقد الملفات الداخلية
وأكثرها تشابكاً مع الحسابات الإقليمية والدولية. فالاتفاق الذي وُضع لدمج قوات قسد وهياكلها الإدارية ضمن مؤسسات الدولة السورية، لم يحقق أي تقدم ملموس حتى الآن، في حين تتصاعد المخاوف من أن يكون مصيره على وشك الانهيار مع نفاد الوقت من دون تنفيذ بنوده الأساسية.
تعقيد المشهد لا يرتبط فقط بحساسية العلاقة بين دمشق وقسد، بل بطبيعة المناطق التي تسيطر عليها الأخيرة، وهي مناطق ذات غالبية عربية وثقل جغرافي واقتصادي مهم، ما يجعل أي إخفاق في تنفيذ الاتفاق ينعكس سلباً استقرار سوريا بشكل عام.
وفي ظل ارتباط قسد بالوجود العسكري الأميركي في تلك المناطق، وانفتاح سياسي كبير بين دمشق والولايات المتحدة، وما شهدته الأسابيع الأخيرة من تصعيد إعلامي من جانب قيادات في قسد من جهة أخرى، تجد الحكومة السورية نفسها في نقطة تحول قد تدفع دمشق على إعادة تقييم العلاقة برمتها مع قسد، والانتقال إلى خطوات تصعيدية على المستوى السياسي والعسكري.
قسد وشراء الوقت
يبدو واضحاً من خلال مراقبة سلوك قسد منذ توقيعها اتفاق العاشر من آذار أنها تتبع سياسة "إدارة الوقت" أكثر من سعيها إلى تنفيذ بنود الاتفاق، مستغلة تعقيدات سياسية وميدانية واجهتها الحكومة السورية.
ولطالما كررت الحكومة السورية في عدة مناسبات دعوتها قسد لتطبيق الاتفاق، وعدم المماطلة فيه، وفي هذا السياق قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في مؤتمر صحفي مع نظيره التركي هاكان فيدان في السادس من آب الماضي إن "قسد بطيئة في اتخاذ الخطوات اللازمة، واتفاق 10 مارس لا يزال حبراً على ورق".
ودعا الشيباني قيادة قسد إلى الالتزام بالاتفاق، مؤكداً أن تباطؤها في تنفيذ بنوده "يعرقل مصالح شعبنا ويعوق مكافحة الإرهاب".
وفي هذا السياق يرى الباحث المختص بشؤون قسد في مركز الحوار السوري عامر العبدالله أن قسد لا تزال تلعب على عامل الوقت، مستغلة انشغال الحكومة السورية بملفات حساسة كالوضع في السويداء والتدخلات الإسرائيلية في الجنوب.
ويضيف العبدالله لموقع تلفزيون سوريا أن العامل الأكثر تأثيراً هو تعويل قسد على الدعم الأمريكي للحصول على مكاسب سياسية قبل الدخول في عملية الاندماج، مثل اللامركزية السياسية الموسعة أو الاحتفاظ بهيكلية مستقلة داخل الجيش بعد الدمج، بحيث يكون الاندماج "شكلياً" فقط، عبر رفع العلم السوري في مناطقها مع بقاء إدارتها المدنية والعسكرية على حالها.
هذا السلوك بحسب العبدالله، يشير إلى أن قسد تسعى لإطالة أمد التفاوض ريثما تتضح مواقف واشنطن بشكل كامل، الأمر الذي يفسر تباطؤ تنفيذ الاتفاق رغم اقتراب المهلة من نهايتها.
الخيار العسكري
تزداد المؤشرات التي تدفع نحو طرح الخيار العسكري كأحد السيناريوهات المرجحة في تعامل دمشق مع قسد. فغياب الالتزام ببنود الاتفاق، وازدياد التحركات العسكرية على جانبي خطوط التماس، وإصرار قسد على التمسك بمبدأ اللامركزية السياسية كلها عوامل جعلت خيار القوة يعود إلى الواجهة بقوة.
وفي وقت سابق حذّر القائد في صفوف قسد سيبان حمو من أن خطر اندلاع الصراع ما زال قائماً، مشيراً إلى أن المفاوضات مع الحكومة السورية تمرّ بمرحلة حساسة.
وقال حمو في مقابلة مع موقع (المونيتور): إن سوريا تمرّ بمرحلة "شديدة الحساسية"، موضحاً أن الوضع يتضح يوماً بعد يوم، لكن لا توجد خطوات جدية يمكن الحديث عنها.
من ناحيته يعتقد الباحث في الشأن الكردي علي تمي أن كل المؤشرات الحالية فيما يخص المفاوضات بين دمشق وقسد تشير إلى أننا ذاهبون للحسم العسكري.
ويوضح تمي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن تهرب قسد من تنفيذ بنود الاتفاق، واستغلال التوترات في الساحل والسويداء، ومحاولة اللعب على وتر الأقليات، إضافة إلى تجييش عناصر وضباط النظام المخلوع كلها عوامل تجعل الخيار العسكري أكثر ترجيحاً في تعامل الحكومة السورية مع قسد.
وفي دراسة سابقة للمركز العربي للدراسات السورية حول مستقبل العلاقة بين الحكومة السورية ودمشق أكدت أن الحل العسكري يُعَد الأكثر خطورة، لكونه يتمثّل في انزلاق الوضع إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق بين الطرفين، إذا ما استمرّت وتيرة التصعيد الحالية، وفشلت الجهود الدبلوماسية في احتوائها؛ حيث تشير المعطيات الميدانية إلى احتمال حدوث تصعيد خطر.
وأضافت الدراسة قد نشهد عملية عسكرية مشتركة بين الجيش السوري وتركيا، تستهدف مناطق سيطرة قسد، تبدأ بضربات جوية مركّزة تركية على مقار القيادة والمخازن الاستراتيجية، يتبعها هجوم بري متعدد المحاور من قبل القوات السورية.
وتوضح الدراسة أنه على الرغم من امتلاك قسد خبرة ميدانية وقدرات دفاعية، فإن موازين القوة (الجوية واللوجستية)، وموقف المجتمع المحلي، تميل بوضوح لصالح الحكومة السورية، ما يجعل خسارة قسد مساحات جغرافية واسعة واردًا، في حال اندلاع مواجهة شاملة.
دمشق تفضل الحل السياسي
رغم تصاعد التوتر واقتراب انتهاء مهلة اتفاق 10 آذار، لا تزال دمشق تُظهر ميلاً واضحاً إلى معالجة ملف قسد سياسياً، بعيداً عن الانزلاق نحو مواجهة عسكرية واسعة، فالحكومة السورية تدرك حساسية هذا الملف وتداخله مع الحسابات الأميركية والتركية.
من جهته يرى الباحث السياسي بسام السليمان أن دمشق رغم قدرتها العسكرية، لا تبدو متعجلة لحسم الملف بالقوة، ويقول لموقع تلفزيون سوريا :الحكومة السورية لا تميل إلى حل كل مشكلاتها في سنة واحدة. الحسم العسكري ليس صعباً عليها، لكنها تبدو أقرب إلى إنهاء الملف سياسياً، وكسب الولايات المتحدة بالكامل إلى جانبها بما يسهل الوصول إلى تسوية نهائية".
ويضيف السليمان أن دمشق لا ترغب في الانجرار إلى معركة جديدة في المدى القريب، مستشهداً بما حدث في الساحل والسويداء عندما جُرّت الحكومة إلى مواجهات غير مرغوبة. ويوضح أن أي مواجهة مع قسد مرتبطة بسياقات إقليمية ودولية، وبالتالي فإن قرار الحرب لا يمكن اتخاذه بشكل سريع أو منفرد.
هذا التقدير يتقاطع مع رؤية الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش الذي يرى أن الرئيس أحمد الشرع ما يزال يعطي الأولوية للمسار السياسي في التعامل مع ملف قسد. ويقول علوش لموقع تلفزيون سوريا: إن فرص التسوية السياسية لا تزال موجودة، وانتهاء المهلة لا يعني سقوط خيار الحل السياسي.
ويشير إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد حراكاً سياسياً ودبلوماسياً على خطوط دمشق–أنقرة–واشنطن بهدف صياغة آلية واضحة، بجدول زمني قصير، لتنفيذ اتفاقية الاندماج.
ويضيف :إذا تم التوصل إلى مثل هذه الآلية، ستتسامح دمشق وأنقرة مع انتهاء المهلة، وربما تمنحان مهلة إضافية قصيرة. أما في حال تعذر تحقيق ذلك، فمن المرجح أن يسلك ملف قسد مساراً تصعيدياً.
وكان الرئيس أحمد الشرع أكد خلال جلسة حوارية مع شخصيات بارزة من محافظة إدلب حضرها وزراء وسياسيون أن معركة توحيد سوريا بعد إسقاط النظام "يجب ألا تكون بالدماء أو القوة العسكرية"، مؤكدا رفضه أي مشروع لتقسيم البلاد، ومتهما إسرائيل بـ"التدخل المباشر" في الجنوب.
وأضاف الشرع أسقطنا النظام في معركة تحرير سوريا ولا تزال أمامنا معركة أخرى لتوحيد سوريا، ويجب ألا تكون بالدماء والقوة العسكرية، مؤكدا إيجاد آلية للتفاهم بعد سنوات منهكة من الحرب.
المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=110&id=203868