سيرياستيبس :
آثار انقلاب الروس على نظام بشار الأسد ستكون أقل بكثير من الآثار التي ستتلقاها روسيا بعد اللقاء التمهيدي لشركة "شيفرون" الأميركية مع نظيرتها السورية للبترول، لمناقشة الفرص المتاحة للتعاون في مشاريع الاستكشاف البحري على السواحل السورية.
بينما حالت العقوبات الاقتصادية الواسعة على سوريا من دون تمكن روسيا طوال السنوات الماضية من المضي قدماً في التنقيب عن النفط والغاز في السواحل السورية، يزداد التفاؤل اليوم بقدوم شركات أميركية للاستثمار في نفط وغاز الساحل السوري المأمول، خصوصاً مع إزالة العقوبات وانتعاش الآمال مع إلغاء "قانون قيصر" وليس تعليقه فحسب.
وتعكس زيارة وفد رفيع المستوى من "شيفرون" الأميركية إلى دمشق عن آفاق مهمة لاستثمارات أميركية في سوريا، وفي الوقت نفسه تؤكد أن قطاع النفط ينتظره كثير من التطور في ظل توجه سوري معلن لتعزيز الاستثمار مع شركات الطاقة العالمية في قطاعها البحري الغني الذي يحوي على 5 بلوكات كبيرة تتراوح مساحة الواحد منها ما بين 1000 و3000 كيلو متر مربع.
وبحسب وكالة الأنباء السورية "سانا"، أجرى وفد رفيع المستوى من" شيفرون" محادثات متقدمة وعالية المستوى مع مسؤولي قطاع الطاقة في دمشق، وشارك الرئيس السوري أحمد الشرع بحضور المبعوث الأميركي توم باراك أول من أمس الثلاثاء.
وبحث الطرفان في الاجتماع التمهيدي مجالات التعاون في مجال استكشاف النفط والغاز قبالة السواحل السورية ومناقشة فرص الشراكة والاستثمار في مشاريع التنقيب البحرية، انسجاماً مع توجه الحكومة السورية لفتح قطاع الطاقة أمام الشركات الدولية بعد التغييرات السياسية التي شهدتها البلاد العام الماضي.
من جهته، قال المدير التنفيذي للشركة السورية للبترول يوسف قبلاوي، في منشور على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن الاجتماع مع وفد "شيفرون" الأميركية ناقش الفرص المتاحة للتعاون في مشاريع الاستكشاف البحري على السواحل السورية، إضافة إلى تقييم الإمكانات الجيولوجية وتبادل الخبرات الفنية، بما يسهم في دعم قطاع الطاقة ورفع كفاءته خلال المرحلة المقبلة"، مضيفاً أن اللقاء جاء ضمن إطار جهود الشركة السورية للبترول لتعزيز الشراكات الدولية والانفتاح على الاستثمارات العالمية، بما يخدم التنمية الاقتصادية ويدعم استقرار قطاع النفط والغاز في سوريا.
في وقت سابق قال قبلاوي إن "سوريا ستكون مركزاً مهماً لتوزيع الغاز في أوروبا".
الاستثمارات الأميركية تحسن الأمن الطاقوي
"شيفرون" الأميركية هي واحدة من أكبر شركات الطاقة في العالم، إذ تحتل موقعاً مركزياً بين "العمالقة الخمسة" في صناعة النفط عالمياً، إلى جانب "إكسون موبيل" و"شل" و"بي بي" و"توتال إنرجي".
وتدير الشركة شبكة واسعة من عمليات استخراج النفط والغاز وتكريرهما، إلى جانب تصنيع المنتجات البترولية والبتروكيماويات، فيما توسعت أعمالها خلال السنوات الأخيرة نحو مشاريع الطاقة المتجددة في إطار سياسة تنويع مصادر الطاقة.
من جانبه، قال الباحث السوري في شؤون الطاقة زياد عربش لـ"اندبندنت عربية"، "تعكس زيارة وفد منى الشركة الأميركية العملاقة إلى دمشق كشركة تحتل المرتبة الثانية أميركياً والثامنة عالمياً"، مشيراً إلى أن استقبال الرئيس السوري أحمد الشرع للوفد كان له أهمية بالغة كونها تشير إلى بداية تعاون محتمل في استكشاف النفط والغاز على الساحل السوري المطل على البحر المتوسط".
وأضاف "تأتي هذه الزيارة في سياق تخفيف
جزئي للعقوبات الأميركية، مما يعكس اهتماماً أميركياً متزايداً بإعادة بناء
قطاع الطاقة السوري الذي دمر جراء الحرب، كما أن حضور المبعوث الأميركي
توماس باراك اللقاء يعزز من الأهمية الجيوسياسية للحدث، خصوصاً مع المنافسة
الإقليمية في حوض الشام".
وأشار إلى أن إمكانية استثمار الشركات الأميركية في الساحل فعلية، إذ من
المحتمل أن تحصل الشركات الأميركية مثل "شيفرون" على عقود استثمار في نفط
وغاز الساحل إذا رفعت العقوبات، إذ حددت سوريا خمس مناطق جديدة للتنقيب عن
الغاز الطبيعي على الساحل، ووقعت مذكرة تفاهم مع "كونوكو فيليبس" الأميركية
أخيراً لتطوير الغاز، مما يدعم هذا الاحتمال، ومع ذلك، تواجه الاستثمارات
تحديات مثل النزاعات البحرية مع تركيا وقبرص، والحاجة إلى مسوحات زلزالية
إضافية .
وعن الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها سوريا من دخول شركات مثل
"شيفرون" للاستثمار في قطاع النفط والغاز، قال المختص السوري إن "ذلك سيوفر
تكنولوجيا متقدمة للاستكشاف والإنتاج، مما يزيد من إنتاج الغاز الذي سيحسن
الأمن الطاقوي، وسيعزز الإيرادات الحكومية التي كانت تعتمد سابقاً بنسبة
25 في المئة على الطاقة، إلى جانب خلق فرص عمل، كما في اتفاقات سابقة بـ7
مليارات دولار مع شركات أميركية وقطرية لمحطات غاز وشمسية، كذلك سيقلل
الاعتماد على الاستيراد ويسهم في إعادة الإعمار".
عربش أوضح أن دخول "شيفرون" لا يعني إلغاء قانون قيصر نهائياً، لكن من
المتوقع في الأيام المقبلة، أن يكون هناك دعم أوسع لإلغائه وإن بنهج مشروط
مما يسمح بتعاون أوسع، مشيراً إلى أن حجم ثروات النفط والغاز في الساحل
السوري غير مؤكدة، "بل محتملة"، وتحتاج إلى أعمال "سايزمية" واستكشاف وحفر،
لافتاً إلى أن إعطاء أي أرقام أو مؤشرات الآن يبقى غير مسند علمياً.
الاستكشاف في مواقع جديدة بتقنيات متطورة
الكاتب في مجال النفط معد عيسى رأى
أن آثار انقلاب الروس على نظام بشار الأسد ستكون أقل بكثير من الآثار التي
ستتلقاها روسيا، بعد اللقاء التمهيدي لـ"شيفرون" مع الشركة السورية.
موضحاً لـ"اندبندنت عربية" أنه يمكن قراءة اللقاء التمهيدي بين وفد الشركة
الأميركية والمسؤولين السوريين في السياسة بأكثر من اتجاه، فهو بمثابة
انتهاء عقوبات "قانون قيصر" على سوريا من جهة، ومن جهة أخرى سيكون بداية
لعودة إطلاق مشاريع عبور الغاز والنفط العراقي والخليجي إلى أوروبا، لفك
أزمتها وتشديد العقوبات على قطاع النفط والغاز الروسي، ومن جهة ثالثة فقد
يشكل الغاز المنتج من المتوسط جزءاً مهماً من تغطية الاحتياج الأوروبي، بما
يحل مشكلة تصريف الغاز الإسرائيلي الفائض.
أما في الداخل السوري، فقال الكاتب السوري "وجود الشركة الأميركة قد يشير
إلى حسم طبيعة الوضع في سوريا في شكل الدولة السورية سواء كانت دولة موحدة
أم على شكل فيدراليات أو لامركزية .
عيسى رأى أيضاً أن الأثر الاقتصادي للتعاون مع الشركات الأميركية يبدو في
غاية الأهمية، لأن قطاع النفط السوري لن ينهض من دون إشارة أميركية،
والشركات التي عملت في سوريا سابقاً لن تعود من دون هذا الضوء الأميركي
المتجسد اليوم بقدوم "شيفرون"، ولكن الأهمية في وجود الشركة الأميركية هو
الاستكشاف في مواقع جديدة بتقنيات متطورة وإمكانات تمويل عالية .
وأضاف "اللقاء بين الشركتين الأميركية والسورية ربما يكون بمثابة
إعلان متقدم لإنهاء دور روسيا بصورة كاملة في سوريا، وإخضاعها لمرحلة جديدة
من الضغط الأميركي الأوروبي".
أما بالنسبة إلى السوريين، فقال "قد يكون بداية مرحلة من الاستقرار وانتهاء صراع المصالح على الأرض السورية بتوافق مصالح الجميع"، مشيراً إلى أن دمشق ووفقاً للمعلومات تشترك مع دول شرق المتوسط في حوض "ليفانت"، الذي يضم احتياطات تقدر بـ122 تريليون قدم مكعبة من الغاز، مع إشارات أولية لوجود اكتشاف 40 تريليون قدم مكعبة من الغاز قبالة الشواطئ السورية وحدها، مما يعزز من الفرص التي تمتلكها سوريا ويجعلها محط اهتمام وتنافس الشركات العالمية، وفي مقدمتها الشركات الأميركية، مؤكداً في هذا السياق أن فتح المنطقة البحرية المأمولة التي تمتد على مساحة لا تقل عن 10 آلاف كيلومتر مربع أمام الشركات العالمية مرهون بتوفر بيئة استثمارية ملائمة ورفع العقوبات، وهو أمر لم يعد بعيداً تحققه.
اندبندنت عربية
