سوريا تواجه تراجع زراعة القمح بالقروض الحسنة
72 مليون دولار قروض عينية بلا فوائد تشمل الأسمدة والبذور.. نحو تعزيز الأمن الغذائي للبلاد



 

 تصل حاجات سوريا السنوية من القمح إلى 2.5 مليون طن من القمح 


سيرياستيبس :

في محاولة لوقف التدهور أطلقت الحكومة السورية برنامج "القرض الحسن" المخصص لدعم الفلاحين بتمويل عيني من دون فوائد، يشمل توفير البذور والأسمدة اللازمة لبدء الموسم الجديد.

تواجه سوريا واحداً من أكثر المواسم الزراعية تعقيداً خلال الأعوام الأخيرة، مع تراجع إنتاج القمح إلى مستويات تُوصف رسمياً بأنها وصلت إلى حد الشح، وهو ما دفع الحكومة إلى تكثيف تحركاتها لتقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك في ظل حاجة سنوية تتجاوز الـ 2.5 مليون طن.

وفي محاولة لوقف التدهور أطلقت الحكومة السورية برنامج "القرض الحسن" المخصص لدعم الفلاحين بتمويل عيني من دون فوائد، يشمل توفير البذور والأسمدة اللازمة لبدء الموسم الجديد، وتأتي هذه الخطوة في وقت تستمر البلاد بالاعتماد المتزايد على الاستيراد لتأمين القمح اللازم لإنتاج الخبز الذي يعد الغذاء الرئيس للمواطنين.

وأخيراً وصلت خمس بواخر إلى مرفأي طرطوس واللاذقية من روسيا وأوكرانيا تحمل أكثر من 134 ألف طن من القمح في ظل تراجع إنتاج القمح محلياً، ولم تتجاوز الكميات التي اشترتها الحكومة من المزارعين هذا العام الـ 320 ألف طن، تمثل نصف الكميات التي اشترتها العام الماضي، مما دفع الحكومة إلى رفع سعر ربطة الخبز من 400 ليرة (3.6 سنت) إلى 4 آلاف ليرة (36.3 سنت) لمواجهة ارتفاع كلف الاستيراد والعجز الناجم عن دعم الخبز.

وفي موازاة ذلك تحاول الحكومة السورية زيادة إنتاج البلاد من القمح خلال العام المقبل إلى أكثر من مليون طن عبر معالجة المشكلات التي تواجه زراعة القمح، بما يساعد على تقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك وتخفيف فاتورة الاستيراد قدر الإمكان، خصوصاً أن البلاد تحتاج إلى 2.5 مليون طن سنوياً.

وفي هذا السياق أعلنت الحكومة السورية للمرة الأولى إطلاق برنامج "القرض الحسن"، وهو قرض عيني يحصل عليه المزارعون من دون فوائد، وبحسب وزير الزراعة السوري أمجد بدر فإنه يأتي دعماً لمحصول القمح وضماناً لإنتاجيته في الموسم المقبل، ويشمل البذار والأسمدة المطلوبة لعملية الزراعة.

ويتيح "القرض الحسن" للمزارعين تأمين مستلزمات الإنتاج الأساس بصورة عينية لا نقدية، على أن يُسدد ثمنها بعد انتهاء موسم الحصاد، وبحسب وزارة الزراعة تصل القيمة الإجمالية للبرنامج إلى 75 مليون دولار، يُنفذ بالتعاون مع المصرف الزراعي الحكومي الذي تولى لأعوام طويلة تمويل المزارعين.

ويستهدف "القرض الحسن" مناطق زراعة القمح في مختلف أنحاء البلاد وفق معايير محددة تشمل توافر مصادر الري ومناطق الاستقرار المطري، ويشمل مواد عينية توزع بحسب حجم المساحة المزروعة، مع الإشارة إلى أن المساحة المخصصة لزراعة القمح والقيد تنفيذها تبلغ 300 ألف هكتار (الهكتار يساوي 10000 متر مربع)، ومن المتوقع أن يتجاوز إنتاج البلاد مليون طن في العام المقبل، مما يساهم في تأمين جزء مهم من الحاجات.

وتعاني دمشق، وفقاً لتقارير "منظمة الأغذية والزراعة" التابعة للأمم المتحدة (فاو) أسوأ موسم زراعي منذ ستة عقود، في  ظل جفاف غير مسبوق يهدد الأمن الغذائي لأكثر من 16 مليون شخص في البلاد، إذ أشار التقرير إلى تضرر مساحات شاسعة من الأراضي المزروعة قمحاً، مما دفع سوريا إلى دق ناقوس الخطر في شأن تراجع الإنتاج المحلي واللجوء مجدداً إلى الاستيراد.
ولفت تقرير "فاو" إلى أن نحو 2.5 مليون هكتار من الأراضي المنزرعة بالقمح تضررت نتيجة للظروف المناخية القاسية التي وُصفت بأنها الأسوأ منذ نحو 60 عاماً، وتتوقع المنظمة الأممية أن تكون حاجات استيراد القمح للعام التسويقي 2024 - 2025 أعلى بقليل من متوسط الأعوام الخمسة الماضية، نظراً إلى انخفاض إنتاج القمح عام 2024 ، ومع ذلك فإن حال عدم اليقين الاقتصادي وتقلبات العملة الوطنية والاضطرابات الداخلية، تشكل تحديات أمام البلاد لتأمين واردات القمح عام 2025.

وتعليقاً على ذلك قالت مساعدة ممثل المنظمة في سوريا هيا أبو عساف في تصريحات صحافية إن "هذه الظروف أثرت في نحو  75 في المئة من الأراضي المزروعة والمراعي الطبيعية المستخدمة في الإنتاج الحيواني، وكذلك تعرض القمح البعل للتلف بنسبة تصل إلى95  في المئة، في حين من المتوقع أن يسجل القمح المروي انخفاضاً في الإنتاج يتراوح ما بين 30 و40 في المئة مقارنة بالمواسم الاعتيادية".

استراتيجيات تستهدف تحفيز الفلاحين على الزراعة

ومنذ سقوط النظام السابق تحاول الحكومة السورية التعامل مع مشكلة انخفاض إنتاج البلاد من القمح معتمدة على استراتيجيات تستهدف تحفيز الفلاحين على الزراعة من خلال اتباع سياسات تسعير لا تخضع لتذبذبات سعر الصرف، وتوفير مستلزمات الإنتاج ضمن حال من التنافسية بعد القضاء على احتكار قلة من التجار لها طوال الأعوام الماضية، واليوم مع تطبيق القرض الحسن فإنها تخطو خطوة مهمة باتجاه مد جسور الثقة مع الفلاحين عبر مساعدتهم على تمويل عملية الزراعة. 

من جانبه قال المحلل التنموي إبراهيم عيد إن "إطلاق مشروع القرض الحسن يأتي في وقت يبدو فيه وكأنه عملية إنقاذ مستعجلة  لزراعة القمح في البلاد، خصوصاً أن المزارعين يعانون ضعفاً يصل حد العجز عن تأمين مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومازوت ومبيدات وحتى مياه، إذ كان من الممكن أن نشهد عزوف كثير من الفلاحين عن زراعة القمح هذا العام وحتى مواسم أخرى مقبلة، بسبب عدم اليقين بالظروف الاقتصادية وإمكان تأمين مستلزمات الانتاج بكلف مناسبة، إضافة إلى حال الجفاف والتراجع الحاد في الهطول المطري بصورة عامة، مما يجعل الإقدام على زراعة القمح نوعاً من المغامرة، وقد تكون غير محسوبة النتائج بنسبة كبيرة".

وأضاف عيد أنه "حتى ولو كان الاستيراد متاحاً وأرخص من الإنتاج المحلي فإنه يجب إعطاء أهمية وأولوية لزراعة القمح وسلة الحبوب بصورة عامة، باعتبارها تشكل جوهر السلة الغذائية للسكان وتتمتع بإحاطة مهمة بالأمن الغذائي الذي يُمكن البلاد من مواجهة أية تقلبات محتملة، بما في ذلك تعثر استيراد القمح بصورة أو أخرى"، مؤكداً أن تبني الحكومة لبرنامج القروض الحسنة خلق حالاً من الارتياح لدى  الفلاحين، متمنياً أن تنجح التجربة وألا تحدث أية تقلبات تؤثر في الفلاحين وإنتاجهم، ومشدداً على ضرورة دعم الزراعة في البلاد بصورة عامة، إذ إنها تشكل الغطاء الحقيقي للسيادة والاستقرار.

وبيّن المحلل التنموي في حديثه أن نجاح الحكومة السورية في منح القروض الحسنة وفق شروط وأسس مريحة وعادلة يعني حكماً زيادة الأراضي المنزرعة بالقمح اعتباراً من هذا العام، وقد يشكل بداية لاستعادة سوريا مكانتها في إنتاج غذاء سكانها الرئيس.

 يذكر أن متوسط إنتاج المحصول في سوريا بين عامي 1990 و2010 بلغ 4 ملايين طن سنوياً، بينما سجلت البلاد في 2006 أعلى رقم في إنتاج القمح بمقدار 4.9 مليون طن، في ظل متوسط استهلاك محلي بلغ 2.5 مليون طن، إذ كانت سوريا تملك فائضاً للتصدير يتراوح ما بين 1.2 و1.5 مليون طن، وفقاً لبيانات "المكتب المركزي للإحصاء".

وجزم المتخصص السوري أن العودة لمستويات إنتاج القمح قبل عام 2011 يبدو متاحة، ويحتاج الأمر إلى خطط زراعية مدروسة بصورة جيدة يجري خلالها تقييم المساحات القابلة للزراعة والواقع المائي المتاح، مشدداً على أن ما تحتاجه زراعة القمح وباقي المحاصيل هو تأمين سلاسل الإنتاج في الوقت المحدد، وتعزيز الثقة ما بين الدولة والمزارعين من خلال اتباع سياسات مشجعة وضامنة للفلاح وللإنتاج الزراعي ، مؤكداً أن الزراعة هي طوق حقيقي للبلاد ويجب تنميتها ورفع مستواها، ولذلك فإن تبني برنامج "القروض الحسنة" لا يبدو كدعم موسمي في ظل ظروف استثنائية، بل هو حال مستدامة من شأنها إعادة الاعتبار للريف السوري، ووقف الهجرة منه ورفع مستوى الحياة والخدمات فيه، موضحاً أنه "حان الوقت لينتقل الفلاح السوري من موقع الطالب والمتلقي للدعم إلى شريك في التنمية وبناء الاقتصاد الوطني، وهو الأمر الذي يمكن أن يفتح آفاقاً رحبة باتجاه استعادة الاكتفاء الذاتي الذي تمتعت به سوريا لعقود، وفي الوقت نفسه تحقيق الاستقرار الذي يشكل عنصراً مهماً في ازدهار القطاع الزراعي وتطوره"، وزاد "اليوم سوريا دولة منفتحة وبالإمكان إدخال أساليب الزراعة والري الحديثة ومواكبة التطورات في القطاع الزراعي في مختلف الدول".

تراجع نسبة العاملين بالزراعة في سوريا

وبحسب "بيانات البنك الدولي" فقد تراجعت نسبة العاملين بالزراعة في سوريا من 33 في المئة عام 2000 إلى 15.5 في المئة عام 2022 نتيجة سياسات الحكومات في عهد النظام السابق التي ركزت على الاقتصاد الريعي وتراجعت عن دعم الزراعة، إضافة إلى الجفاف والحرب وتضرر الأراضي وخروج مساحات واسعة عن الخدمة.

يشار إلى أن سوريا لجأت خلال الأعوام الماضية ومع تراجع الانتاج بصورة حادة لتأمين القمح من روسيا بطرق وأساليب عدة عبر اتفاقات ثنائية غير معلنة أو مناقصات تطرحها المؤسسة العامة للحبوب لشراء القمح، إضافة إلى ما كانت ترسله موسكو من كميات في إطار المساعدات، وتشير المعلومات إلى أن فاتورة استيراد القمح خلال الأعوام الماضية كانت تتراوح ما بين 500 و550 مليون دولار.

من جانبه قال المتخصص الزراعي مهند أصفر إن "القرض الحسن خطوة مهمة في طريق استعادة الألق لزراعة القمح، إن لم يكن هذا العام فخلال الأعوام المقبلة، خصوصاً إذا جرى اعتماد برامج داعمة ضمن إستراتيجية أشمل تستهدف القطاع الزراعي بصورة عامة"، مشيراً إلى أن النهوض بزراعة القمح يحتاج إلى دعم الزراعة وكل ما يتعلق بها بصورة مباشرة، ومنها الإقراض السهل، على أن الإطار الأوسع يشمل توفير مستلزمات ومدخلات الإنتاج وتقليل الحلقات الوسيطة قدر الإمكان، والاعتماد على مراكز البحوث لتحسين البذار ومراقبة الأسمدة والمبيدات المستخدمة بصورة لصيقة، لمنع دخول مواد منتهية الصلاحية أو ذات جودة متدنية، مما يؤثر في الفلاح وأرضه معاً.

ودعا أصفر إلى ضرورة إيلاء موضوع الري بالأساليب الحديثة اهتماماً كبيراً وإتباع إستراتيجية مائية تضمن استخداماً أمثل للمياه، خصوصاً أن سوريا تواجه ظروفاً مناخية قاسية، مشدداً على الاستثمار في صيانة وإعادة تأهيل شبكات الري والتعامل مع قضية الجفاف بمسؤولية عالية، وتأمين الميكنة والآلات الحديثة وإتاحتها للفلاحين بالتقسيط مما يساعدهم في استخدامها من دون عقبات. ولفت أصفر إلى أهمية تأمين حلقات تسويق غير مجحفة سواء للفلاح أو المستهلك، ووضع روزنامات زراعية دقيقة ومدروسة بعناية تتيح الاستيراد والتصدير من دون آثار سلبية في المنتجات الزراعية المحلية، مع التركيز على التنوع في الزراعات وتعددها.

اندبندنت عربية



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=132&id=203696

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc