سيرياستيبس :
في دمشق، يقف خليل التلاوي، صاحب مشروع لصناعة البلاستيك، أمام أوراق البنك وهو يحاول حساب ما تبقى له من ديونه. قبل الحرب كان بإمكانه سداد قروضه الشهرية بسهولة، أما اليوم، فقد أصبحت التزامات القروض المتراكمة تثقل كاهله، فيما تتراجع المبيعات يوماً بعد يوم. يقول الخمسيني : "لم أعد أعرف من أين أبدأ، كل محاولة لسداد القرض تؤخر دفع أجور العاملين أو شراء المواد اللازمة لمعملي".
مشهد يعكس ما يواجهه آلاف السوريين الذين أصبحوا عالقين بين الديون والواقع الاقتصادي المتدهور. في ظل هذه الأزمة، أعلن وزير المالية محمد يسر برنية تشكيل لجنة استشارية متخصصة لدراسة القروض المتعثرة لدى البنوك الحكومية بشكل شامل. وكتب الوزير على صفحته الرسمية في "فيسبوك": "تأتي هذه المبادرة ضمن مساعي الدولة السورية لتكريس الإنصاف والعدالة، وتنشيط الاقتصاد الوطني، من خلال اقتراح حلول قانونية وعملية تضمن استرداد المال العام وتخفيف الأعباء عن المقترضين، عبر برامج تحفيزية وإعفاءات تشجيعية".
اللجنة تضم قاضياً مختصاً، وخبراء مصرفيين، ورجال أعمال، وقانونيين، إضافة إلى ممثلين عن وزارة المالية، ومصرف سورية المركزي، والجهاز المركزي للرقابة المالية، وتركز على إيجاد تسويات عادلة تمكن المقترضين من استئناف نشاطهم الاقتصادي، مع رفع الحجوزات عنهم وعن أسرهم، بما يسهم في استرداد موارد البنوك وتحسين مؤشرات الاستقرار المالي ومعالجة أزمة السيولة والحد من المخاطر المستقبلية.
تشير البيانات الرسمية إلى أن نسبة القروض المتعثرة في البنوك الحكومية ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، من 4% عام 2010 إلى 35% عام 2013، ثم إلى 42% في نهاية 2023. ويربط خبراء هذه الزيادة بتدهور البنية الاقتصادية، وتدمير المنشآت الإنتاجية، وتسريح آلاف العاملين، بالإضافة إلى التضخم وانخفاض القدرة الشرائية.
ويقول سامر، صاحب محل صغير، إن كل يوم يمر يزيد من شعوره بالضغط النفسي، وهو ما يلاحظه الخبراء أيضًا على نطاق واسع: القروض المتعثرة مرتبطة بارتفاع مستويات التوتر والاكتئاب بين أصحاب المشاريع والأسر. ويقول الخبير المصرفي الدكتور فادي العياش لـ "العربي الجديد" إن "القروض المتعثرة ليست مجرد أرقام على الورق، بل انعكاس حقيقي للواقع الاقتصادي والاجتماعي. الحلول الظرفية لن تكفي، بل يجب إنشاء منظومة مالية وتشريعية تستوعب الأزمات وتعيد إنتاج القروض كأداة تنمية".
ولفت إلى أن ارتفاع نسبة القروض المتعثرة يضغط على السيولة البنكية ويحد من قدرة البنوك على تمويل المشاريع الجديدة، ويضيف: "كل دين متعثر يعني أن موارد مالية كبيرة خارج التداول الاقتصادي، وهذا يزيد من صعوبة دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويعيق النمو الاقتصادي".
وتشكل اللجنة الاستشارية، خطوة عملية ضمن خطة الإصلاح المالي والمصرفي التي أعلنتها الحكومة سابقًا، وتشمل مراجعة أداء البنوك الحكومية وتحديث خدماتها، والعمل على تسويات تشجع المقترضين على السداد، وتحفز النشاط الاقتصادي من دون فرض أعباء غير قابلة للتحمل.
العربي الجديد
المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=126&id=202855