سيرياستيبس
كتب الاعلامي أسعد عبود
:
أبدأ معكم من حبة " الشنكليش " و لها حكاية تختصر الكثير من القول ..؟؟!
قبل شهر من اليوم كنت في الضيعة .. كان احد قد سألني عن سعر الشنكليش في ضيعتنا .. وهي عمليا ، لمن لا يعرفها - معظمنا يعرفها - جبنة القريش .. كانت يوما اكلة الدراويش .. ولم تعد كذلك .. ربما لم يعد في سورية أكل للدراويش .كان سعرها يقارب الخمسين الف للكيلو .. و تجبر السائل على السعر و طلب نصف كيلو .. عندما سألت الدكان عن سعرها قال : مئة الف ليرة ..!! فعدت أخبر الموصي و قد سبقت دموعي دموعه .. فأنا ايضا فكرت بشيء لي من هذه الاكلة الفاخرة التي لن تصلها يدنا بعد اليوم .. بس .. مئة الف ليرة للكيلو .. شي ب يكسر الضهر ..
اخترت الشنكليش للحديث عن ارتفاع الاسعار المجنون في بلدنا ، ليس لاشكو سعرها لاحد ' و ليس من احد تشكو له .. بل لأن هذه المادة مثال تاريخي مؤلم لنتائج القرارات الاقتصادية تتخذ بعيدا عن الناس و مصالحهم ..
في خمسينيات القرن الماضيى كان في سورية ثروة حيوانية هائلة تتمثل بقطعان الماعز الجبلي السرحي الذي يتغذى على مخلفات أحراج السنديان .. حليب الماعز هو المصدر الاساسي لانتاج الشنكليش ..
و في ليلة كلها ليل .. فاضت عبقرية اصحاب القرار الاقتصادي في سورية فقرروا إعدام الماعز و منع تربيته .. و لا علم لاصحاب المصلحة .. و لا دور و لا رأي طبعا .. مثلما تتخذ قرارات اليوم الاقتصادية .. و كانت كارثة اقتصادية اجتماعية خارقة .. ظل بعض آثارها قائما حتى اليوم .. خربت بيوت الناس و لم يعرف صاحب القرار ان ذلك نتيجة قرارات الغرف المظلمة .. تتخذ بمعزل عن الناس و بتعمية مقصودة ..
و ما زالت هكذا تتخذ قرارات .. !! تموت مواسم ... تنقرض حرف .. يجوع بشر .. يهاجر السكان الى خارج الوطن .. لا احد يهتم .. و لا احد يسأل .. و هو ما يواجهه اليوم العديد من الزراعات و المشاريع التنموية الصغيرة ..
لماذا .. ؟؟
اسأل الذين يقررون سياسة الجباية .. و يديرون الاقتصاد بموجبها .. وهي ستكون مسؤولة عن اعدام ثروات و نشاطات و امكانات كثيرة ..!!
ابطال قرارات الغرف المظلمة .. كل يوم يضيئون عمى عيونهم بقرارات جديدة لأسعار جديدة لا هدف لها الا الجباية .. و سحق الناس .. و كي يعدل الحال معنا سلموا حالنا لعدالة السوق .
و هم ليسوا ابدا أرحم من التاجر و السوق بل على العكس .. تابع الزيادات التي تحصل على أسعار السلع التي تتاجر بها الدولة .. الوقود و الكهرباء و ... حتى الخبز .. هنا من يقول اليوم أن ابطال الغرف المظلمة يفكرون اليوم برفع اسعار الخبز لغير المدعومين .. !! هل فكروا مثلا بحوار مع هؤلاء الغير مدعومين .. ؟؟ رغيفهم يقترب ثمنها من مئتي ليرة .. !! يئنون ولا تصل اصواتهم .. !! هذا ليس استبعادا من الدعم .. بل هو لعنة أبدية سرمدية.. صممت في الغرف و لم تشرق بعد الشمس!!
as.abboud@gmail.com