سيرياستيبس :
ظهرت زراعات جديدة في سوريا منذ عدة سنوات، ولاسيما الاستوائية في الساحل، وحلّت بعض المحاصيل محل أخرى كما في أرياف حلب والمنطقة الشرقية، إذ انتشرت زراعة النباتات العطرية.
الزراعات الجديدة أو التي توسعت على حساب أخرى كانت نتيجة لعدة عوامل تتعلق بارتفاع تكاليف الإنتاج ونقص الأسمدة والمحروقات إلا أن هناك سبباً رئيسياً ساهم بذلك وبشكل كبير وهو التغيّر المناخي أو التطرّف المناخي المتجسّد باحتباس الأمطار وتباعد فترات الهطول وكذلك الهطول بغزارة وتشكّل السيول.
التغيّر المناخي أصبح ملموساً ونتائجه الكارثية بدأت تظهر على الأرض وحرائق الساحل أكبر مؤشر، والانعكاس على القطاع الزراعي بات واضحاً ولكن ما حجم هذا التأثير وكيف يمكن مواجهته وهل يقف على القطاع الزراعي؟ تغيّر خارطة المحاصيل تعليقاً على هذا الموضوع أوضح الخبير الزراعي عبد الرحمن ياسين قرنفلة، أن التغيّر المناخي لا يُخضع لتأثيره المحاصيل المزروعة فقط، بل يعصف بكل مكونات النظام الحيوي الذي يترابط بعضه ببعض كسلاسل من الكائنات الحية النباتية والحيوانية بما فيها الحشرات والزواحف وباقي مكونات النظام البيئي، والتي تتفاعل مع باقي عناصر المحيط الإحيائية واللا إحيائية.
الخبير الزراعي لفت خلال حديثه لصحيفة الثورة إلى أن حجم أو معدل التغير بالخارطة الزراعية السورية بفعل التغيرات المناخية يتوقف على نوع التغير وحدته ومدة سيادته على النظام البيئي وشموليته لمنطقة جغرافية أو منطقة مطرية محددة.
وتابع حديثه بالقول: وفق تنبؤات الهيئة العالمية المسؤولة عن رصد التغيرات المناخية من المتوقع أن ترتفع درجة حرارة أقاليم واسعة من الوطن العربي حتى ٥ درجات مئوية عن المعدلات الحالية وذلك بحلول عام ٢١٠٠.
لافتاً إلى أنه من المرجح أن يؤدي التغير المناخي إلى تغيير بخارطة المحاصيل الزراعية والنباتات الباقية حيث البقاء للمحصول الأكثر قدرة على التكيف مع التغير الطارئ ومدى استجابته للمتغيرات في الوسط المحيط، مشيراً أن ارتفاع درجات الحرارة يساهم بزيادة تواتر فترات الجفاف وتقاربها مما يهدّد بقاء كثير من النباتات والأحياء.
وبحسب قرنفلة فإن تأثير التغيرات المناخية يؤدي إلى تغيير في توزيع المجتمعات النباتية وتركيبها، تتضمن هذه التأثيرات إجهاد النباتات بسبب فترات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، وتغير في خصوبة التربة، وزيادة في انتشار الآفات والأمراض النباتية، وفقدان التنوع البيولوجي.
ولخص قرنفلة أهم التأثيرات الرئيسية للتغيرات المناخية على المجتمعات النباتية ألا وهي تتمثل في انخفاض الإنتاج، حيث تؤدي فترات الجفاف الطويلة وموجات الحرارة المرتفعة وفقاً لما قاله قرنفلة إلى إجهاد النباتات، مما يقلّل من إنتاجيتها ويجعلها أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والآفات، كما قد يؤدي تغير المناخ إلى هجرة بعض النباتات إلى مناطق أكثر ملاءمة لظروفها المناخية، مما قد يؤدي إلى تغير في تركيبة المجتمعات النباتية في مناطق معينة ولا يقف الأمر عند هذا الحد حيث تتأثر التربة بالتغيرات المناخية وهذا يؤدي إلى انخفاض خصوبتها وتدهور جودتها، مما يؤثر بدوره على نمو النباتات.
وأوضح أن التغيرات المناخية تزيد من انتشار الآفات والأمراض النباتية، مما يشكل تهديداً خطيراً للمحاصيل الزراعية والتنوع البيولوجي الذي يؤدي اختلاله إلى فقدان بعض الأنواع النباتية المهددة بالانقراض، مما يؤثر على التنوع البيولوجي للنظام البيئي. تغيّر شكل النباتات كما أن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف بحسب الخبير يُجبر النباتات على محاولة التكيّف مع هذه التغيرات للبقاء على قيد الحياة، حيث لا تستطيع النباتات الهجرة مثل باقي الكائنات الحية، ويتمثّل محاولات تكيّف النباتات بالنمو إلى ارتفاعات عالية، إذ تُصبح السيقان طويلة، كما يتقلص حجم الأوراق، وتنمو بعيداً عن بعضها البعض مما يؤدي إلى بقائها غير مدعومة وغير مستقرة، ويترتّب على ذلك انحناؤها وتكسرها لعدم وجود نباتات أو سيقان أخرى ترتكز عليها.
ونوّه قرنفلة بأن ارتفاع درجات الحرارة يرفع نسبة الغازات والجسيمات الملوثة في تكوين الهواء، وهذا يؤثر إلى سلباً على نمو النباتات من خلال نمو بعض الأنواع السامة أو المسبّبة للحساسية، فمثلاً، ينمو اللبلاب السام بمعدلات عالية في البيئات الدافئة والغنية بثاني أكسيد الكربون، ويُذكر أنّ حوالي 80 بالمئة من الأفراد يعانون من حساسية تجاه هذا النبات، لذا فإن فرط نمو هذا النبات قد يؤثر سلباً على صحة الإنسان.
أخيراً.. ليس وحدها التحالفات السياسية تُغيّر الخرائط، ولا التطرّف يقتصر على العنصر البشري، فالطبيعة تُغيّر وجه الجغرافيا ، وتطرّف الطبيعة يفوق تطرّف الفكر ويتقدم عليه بدمار ما تتركه الحروب، ولكن كما نستمع لصوت العقل في مواجهة التطرّف الفكري لا بد من الاحتكام للعقل في احترام الطبيعة والانحناء أمام غضبها مما قد يُجنّبنا الكثير من الدمار والضحايا.
الثورة
|