ما أكثر ما تريد هذه الحكومة تنفيذه ولكن هل تستطيع ؟  
سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:29/03/2024 | SYR: 10:15 | 29/03/2024
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 في زمن الويلات ..
لا خيار أمام العرب سوى ... النفط مقابل الغذاء ؟
05/01/2022      





   
سيرياستيبس :
يواجه سكان البلاد العربية نقصاً حاداً في غذائهم، ونقصاً أشدّ ضراوة وقسوة في مياههم. ويعيش معظمهم تحت خط «الفقر المائي» المحدد بنحو 1000متر مكعب للفرد الواحد سنوياً كحدّ أدنى لتغطية حاجاته من المياه. فالثروة المائية عندهم محدودة ونصفها يأتي من خارج الحدود، ونصفها الآخر مهدّد بالسرقة من قبل عدو الداخل: إسرائيل.

هذا الواقع المحرج والمحيّر، يجعل العرب تابعين للخارج بين مجموعة تستورد 85% من حاجاتها الغذائية من الخارج، وتضم لبنان، الأردن، وبعض دول الخليج. وبين مجموعة ثانية تنتج نصف غذائها، وتستورد النصف الآخر من الخارج، وتضم مصر، المغرب، سوريا، والعراق.
باستثناء العراق، فإن غالبية الدول العربية تعيش تحت خطّ «الفقر المائي»، وهي تتوزّع على مجموعتين:
- في الأولى: تُراوح حصّة الفرد من المياه ما بين 160 متراً مكعباً في الأردن وفي معظم دول الخليج.
- في الثانية: تُراوح حصّة الفرد ما بين 700 متر مكعب، و818 متراً مكعباً في كل من مصر والسودان ولبنان وبعض دول المغرب العربي.
أما العجز في إنتاج الغذاء، فيعود إلى عوامل عدة من بينها ضيق رقعة الأراضي المرويّة، وانخفاض المردودية في وحدة المساحة، وضيق المساحات المخصّصة لإنتاج الغذاء. فقد بلغ إنتاج البلدان العربية مجتمعة من الحبوب، أخيراً، ما بين 60 مليون طن و65 مليون طن، بينما وصلت الحاجات إلى حدود 121 مليون طن مع تقديرات بارتفاعها إلى 142 مليون طن بحلول عام 2030.
وقد استورد العرب في عام 2020 نحو 30% من القمح المسوّق حول العالم. مصر وحدها استوردت نحو 13 مليون طن والجزائر 5.7 ملايين طن، ومراكش نحو 2.6 مليون طن، ودول الخليج نحو 7ملايين طن أو ما يوازي 75% من حاجاتها للقمح.
السؤال الذي تثيره هذه المقاربة: ما الذي يمنع العرب من إنتاج غذائهم مع أنهم يملكون مساحات واسعة من الأراضي القابلة للزراعة؟ ومع أن بعضهم يملك ثروات مائية تسمح بريّ مساحات أوسع من الأراضي. فالسودان مثلاً، يملك نحو 18 مليون هكتار من الأراضي الخصبة المحاذية للنيل، فيما يعيش القسم الأكبر من سكانه تحت خطّ الفقر. وتقول دراسة للبنك الدولي أُعدت أخيراً، إن نحو 14 مليون سوداني مقبلون على المجاعة في عام 2022. والعراق الذي كان في العصر العباسي يُؤوي في رحابه نحو 30 مليون نسمة ويوفر لهم الغذاء، بات اليوم يستورد نصف غذائه لتأمين نفس العدد من السكان تقريباً.
هذا التراجع في قدرة العرب على إنتاج غذائهم، يعود إلى سببين رئيسيين:
- الأول: ضيق مساحة الأراضي المروية.، إذ تبلغ مساحتها في الوطن العربي كله نحو 5.13 ملايين هكتار ونسبتها لا تتجاوز 10% من مساحة الأراضي القابلة للزراعة في السودان.
- الثاني: تدنّي إنتاجية الأرض وخصوصاً تلك المشغولة بزراعة الحبوب. ولتأكيد هذا الأمر، لا بد من مقارنة إنتاجية الأرض المزروعة في دول المغرب مع الإنتاجية في فرنسا حيث تتساوى مساحة الأراضي المزروعة بالحبوب في الحالتين، إذ تبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالحبوب في فرنسا نحو 7.9 ملايين هكتار، وأنتجت في العام الماضي نحو 70 مليون طن من القمح صدّرت منها فرنسا نحو 5.13 ملايين طن.

    تمكّنت إسرائيل، بالمفاوضات، من تحقيق مكاسب على جبهة المياه، تفوق بأضعاف، ما حققته من حروبها الخمس مع العرب


وبلغت مساحة الأراضي المزروعة بالحبوب في دول المغرب العربي نحو 4،9 ملايين هكتار، لكنها أنتجت فقط 5.13 ملايين طن من القمح. وبذلك تفوق إنتاجية الحبوب في فرنسا أكثر من 5 أضعاف الإنتاجية في دول المغرب. وهذا يعود، بالدرجة الأولى، إلى توفّر مياه الري جراء هطول الأمطار في فرنسا الذي يستمر 9 أشهر وما فوق. أضف إلى ذلك المستوى التقني والتكنولوجي الرفيع الذي يتوفر للفلاح الفرنسي. لكنّ المشكلة على مستوى المياه العربية تزداد تعقيداً، لأن العرب لا يملكون السيطرة على مياههم، إذ يتحكم بها عدوّان:
- شريك خارجي: أولاً بمياه الحوض، وهو حجز في سدوده العشرين مياه دجلة والفرات. وقد حدّدت تركيا من طرف واحد حصّة الشريكين الآخرين من المياه، وهذه الحصّة لا تكفي لسد حاجات قُطر واحد من المياه (سوريا والعراق). وشريك ثانٍ حجز مياه النيل خلف سد النهضة مُعرّضاً الأمن المائي في قُطرين عربيين للخطر.
- عدو احتل أرض فلسطين ورفع شعاراً منذ قيام دولته العنصرية: «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل». هذا العدو باشر منذ قيامه بالسطو على المياه العربية باعتماده وسيلتين للحصول عليها؛
أولاً، من خلال الاستيلاء على المياه العربية بالحرب أو بالمفاوضات. ففي حروبها الخمس التي شنّتها إسرائيل على العرب، حقّقت مكاسب مهمة على جبهة المياه. وفي عام 1964 استولت إسرئيل على مياه نهر الأردن بتحويل مياهه إلى النقب عبر «القناة القطرية» التي نقلت نحو 450 مليون متر مكعب من مياه النهر باتجاه صحراء النقب، وتمكّنت من ريّ نحو 300 ألف هكتار من الأراضي ووفّرت مياه الشفة لنحو مليوني مهاجر صهيوني جديد. وفي حرب حزيران 1967،استولت إسرائيل على خزان المياه الجوفي في هضبة الجولان، وجبل الشيخ، وتلال كفرشوبا. وقد أمّن هذا المصدر الجديد، نحو ثلث حاجات إسرائيل من المياه. كما تمكنت إسرائيل خلال هذه الحرب من الاستيلاء على المياه الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي حرب عام 1978 التي شنّتها إسرائيل على جنوب لبنان وضعت قيد التنفيذ مشروع جرّ مياه الليطاني باتجاه الأراضي المحتلة عبر نفق أرضي يربط بين مجرى الليطاني، أسفل جسر الخردلي، والجليل الأعلى، وصولاً إلى بحيرة طبريا. على أمل أن ينقل هذا النفق نحو 150 مليون متر مكعب من مياه الليطاني. إلا أن المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية منعت العدو، حتى الآن، من تنفيذ مراده.
ثانياً، من خلال الحصول على المياه العربية بالمفاوضات. فمن بعد عام 1978، استمرت إسرائيل بشنّ حروبها على لبنان من دون أن تحقّق لها هذه الحروب، الحصول على قطرة مياه واحدة من مياه الجنوب. لكنها نجحت في الحصول على مياه عربية أخرى، عن طريق المفاوضات. ففي اتفاقية «وادي عربة» مع الأردن تمكّنت إسرائيل من الحصول على مياه نهر اليرموك. وفي اتفاقية «كامب دايفيد» مع مصر، وعد السادات، خلال زيارته للقدس، بإعطاء إسرائيل حصة من مياه النيل، تُقدّر بنحو 740 مليون متر مكعب تُنقل إليها عبر مشروع أطلق عليه، آنذاك، اسم «ترعة السلام». كما تحصل إسرائيل من مشروع «أنابيب السلام» التي تنقل المياه، من سدّ أتاتورك إلى الأردن وسوريا ودول الخليج، على نحو 350 مليون متر مكعب من المياه.
هكذا، تمكّنت إسرائيل، بالمفاوضات، من تحقيق مكاسب على جبهة المياه، تفوق بأضعاف، ما حققته من حروبها الخمس مع العرب.
إزاء هذا النقص المتمادي في كمية المياه المخصّصة للري، وتراجع المساحات المخصّصة لإنتاج الحبوب. وأمام الارتفاع الهائل في عدد السكان، الذي تفوق نسبته ضعفَي المعدل العالمي لزيادة السكان، لم يبقَ أمام العرب لتأمين قوتهم، ولقمة عيشهم، سوى حلين:
- أن يرفعوا مجدداً شعار «النفط مقابل الغذاء».
- أن تزوّدهم إسرائيل مستقبلاً، بالقمح الذي تنتجه مستعمراتها في سهول السودان!

حسين رمال المهندس - الاخبار 


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق