غزة | في إطار سعيها إلى الاستثمار في نتائج معركة «سيف القدس»، والتي يبرز من بين أهمّها تراجع مكانة السلطة الفلسطينية وتهشّم صورتها لدى الجمهور، تعمل فصائل المقاومة على الإفادة من ذلك، في إعادة ترتيب البيت الداخلي على أساس إنهاء برنامج المفاوضات وتصدير برنامج الكفاح المسلّح. وفي هذا الإطار، تُكثّف الفصائل لقاءاتها الهادفة إلى إنهاء تفرّد محمود عباس بالقرار الرسمي الفلسطيني، متجاهلةً دعوة الأخير إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، على اعتبار أنها لا تُلبّي تطلّعات مَن خَرج منتصراً من معركة طاحنة مع العدو. في هذا الوقت، تتواصل الجهود المصرية لبدء مفاوضات غير مباشرة بين المقاومة والاحتلال، تستهدف تثبيت وقف إطلاق النار، توازياً مع تجدّد تحذيرات الفصائل للعدو من التلاعب بملفّ إعادة الإعمار


بعد أسابيع من الإحباط الذي ساد أوساط الفلسطينيين وفصائلهم، إثر تأجيل رئيس السلطة، محمود عباس، الانتخابات، بذريعة رفض الاحتلال إقامتها في مدينة القدس، تسعى العديد من الفصائل إلى إرساء آليات جديدة لإعادة ترتيب البيت الداخلي، وذلك استثماراً لنتائج معركة «سيف القدس»، التي كان التنسيق الفصائلي فيها في أعلى مستوياته وأفضلها. منذ ما قبل المعركة، بدا واضحاً أن التنسيق بين الفصائل في قطاع غزة كان عالياً جدّاً، في ظلّ عدّة جلسات ولقاءات عقدتها لتباحث قضية القدس، مؤكدة وقوفها خلف التهديد الذي أطلقه رئيس أركان «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، محمد الضيف، واستعدادها لخوص المعركة موحّدة بكلّ قوة. إلّا أن تجليات التنسيق في ما بين الفصائل خلال المعركة على المستوى السياسي، بجوار توحّدها في خطواتها العسكرية عبر «غرفة عمليات المقاومة المشتركة»، وتحقيقها سويّة انتصاراً في المواجهة، وخفوت موقف السلطة الذي بدا ضعيفاً ودون المستوى، كل ذلك دفع الفصائل جميعها إلى تعزيز خطابها بصوابية برنامج المقاومة الفلسطينية، وانتهاء برنامج المفاوضات، والمطالبة بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني في أسرع وقت، ومواجهة تفرّد عباس وجزء من حركة «فتح» بالقرار الفلسطيني.

وحسبما علمت «الأخبار»، فقد عقدت الفصائل في غزة، قبيل المعركة الأخيرة، اجتماعات مع قيادة «حماس»، لتباحث الأحداث في القدس والخيارات المتاحة أمامها، مؤيّدة الذهاب نحو مواجهة مع الاحتلال في حال استمرّت ممارساته في المدينة المحتلة. وبعد انتهاء المعركة، عقدت لقاءً آخر اتفقت خلاله على ضرورة الضغط على عباس لترتيب البيت الفلسطيني، وإنهاء حالة التفرّد، لتحقيق أكبر مكتسب لمصلحة القضية الفلسطينية بعد الانتصار، ووقف عبث المفاوضات، فيما اقترحت بعض الفصائل، في حال رفض عباس الاتفاق، إعلان فقدانه للشرعية، وأنه مغتصب لقيادة الشعب الفلسطيني، والعمل على تشكيل إطار يجمع جميع فصائل المقاومة، باعتبار المقاومة المُمثّل الوحيد للشعب الفلسطيني في كلّ مكان. وفي الوقت الذي دعا فيه عباس إلى تشكيل حكومة وحدة فلسطينية بعد الحرب، تلتزم بالاتفاقيات مع الاحتلال وبشروط «الرباعية الدولية»، تجاهلت الفصائل هذه الدعوة على اعتبار أنها لا تُلبّي تطلّعات الشعب الفلسطيني الذي يعيش حالة انتصار على العدو.

تجاهلت الفصائل دعوة محمود عباس إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية


في المقابل، أكد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، أن حركته جاهزة للذهاب إلى أبعد مدى في ترتيب البيت الفلسطيني، داعياً إلى البدء في إعادة هيكلة «منظّمة التحرير الفلسطينية»، وإدخال الشعب الفلسطيني في الشتات في معادلة المؤسّسة والقرار عبر الانتخابات، وبناء رؤية فلسطينية على قاعدة الشراكة. وشدّد هنية على أن معركة «سيف القدس» أنهت مرحلة وفتحت مرحلة حديدة، لافتاً إلى أن الجماهير وقفت في كلّ مكان خلف المقاومة. واعتبر عضو المكتب السياسي لحركة «الجهاد الإسلامي»، خالد البطش، بدوره، أن «معركة سيف القدس كانت نقطة تحوّل استراتيجي أسّست لانتصار كبير على أساس أن الفلسطيني يمكن أن ينتصر على المحتل، وعليه يجب استعادة الوحدة الوطنية، وتحقيق الشراكة ضرورة مُلحّة لاستثمار نصر معركة سيف القدس». ورأت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، من جهتها، أن «معركة سيف القدس أعادت التأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني، وهو أوّل معطى يجب أن نبني عليه قاعدة وحدتنا الوطنية والاجتماعية المتينة، من بوّابة استعادة مشروعنا الوطني التحرّري، وأداته الوطنية الجامعة؛ منظّمة التحرير الفلسطينية التي يجب تحريرها من قيود نهج التسوية والمفاوضات والاتفاقيات الكارثية مع العدو، والتي طوتها مقاومة شعبنا وانتصاره المؤزّر». ودعت الجبهة، القيادة الفلسطينية الرسمية «المهيمنة»، إلى «عدم تبديد إنجازات ومكتسبات شعبنا، من خلال العودة إلى المفاوضات التي يتزايد الحديث بشأنها، وعدم المساهمة في نقل التناقض إلى الداخل الفلسطيني».

سيرياستيبس - الاخبار