لم ينتظر اللوبي الإسرائيلي، ممثَّلاً بإحدى منظّماته «الطليعية»، «معهد الدفاع عن الديموقراطية»، دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض ليبدأ حملته للدفاع عمّا ينظر إليه على أنّه «إنجازات» للرئيس الأميركي السابق في ميدان السياسة الخارجية، ولدعوة خلَفِه إلى البناء عليها. وللتذكير فقط، فإنّ هذا المعهد، الذي وصفته مديرة وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، خلال مقابلتها في وثائقي «الجزيرة» عن اللوبي الصهيوني في أميركا، بأنّه «واجهة» لهذه الوزارة، ساهم في التأثير على سياسة ترامب حيال المنطقة، وخصوصاً تجاه إيران. فالمدير التنفيذي للمعهد، مارك دوبوفيتز، كان فخوراً بالإقرار بأنّه هو من ألهم سياسة «الضغوط القصوى» لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، عندما كان الأخير مديراً للاستخبارات المركزية، حين نصحه بقراءة كتاب «الانتصار: استراتيجية ريغان السرية التي سرّعت انهيار الاتحاد السوفياتي»، للصحافي بيتر شوايتزر، واعتماد استراتيجية مشابهة ضدّ إيران. احتمال عودة إدارة بايدن للالتزام بالاتفاق النووي مع إيران في صيغته الأصلية، وهو أمرٌ يخضع للنقاش في داخلها بين مؤيّدين لذلك وآخرين يصرّون على ضرورة إدخال تعديلات على الاتفاق، يؤرق حلفاء الولايات المتحدة الإسرائيليين والخليجيين. وبغية دعم وجهة نظر المطالبين بالتعديل، التي تحظى بتأييد بعض المسؤولين الغربيين كوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أصدر المعهد المشار إليه تقريراً بعنوان «من ترامب إلى بايدن، السبيل للمضيّ قدماً حفاظاً على الأمن القومي الأميركي». يأتي التقرير، بعد مجموعة من المقالات تحضّ على اعتماد سياسة متشدّدة مع إيران، أبرزها تلك التي ارتكبها الصحافي الصهيوني القريب من بايدن، توماس فريدمان، بعنوان «عزيزي جو، لم يعد الأمر يتعلّق بالنووي الإيراني»، تندرج بمجملها في إطار حملة إعلامية ــــ سياسية يديرها اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
حضّ معدّو التقرير على عدم التعاطي مع أيّ حكومة لبنانيّة تضمّ ممثّلين عن حزب الله


تقرير «معهد الدفاع عن الديموقراطية» يقع في 152 صفحة، وهو يتضمّن، بعد مقدّمة عامّة، أقساماً من إعداد «خبراء ومتخصّصين»، تتعلّق بأهم بلدان العالم من منظور المصالح الاستراتيجية لواشنطن، وواقع سياستها تجاهها خلال حقبة ترامب، وتوصيات بالنسبة إلى تلك المستقبلية الواجب اعتمادها. حرِص المعهد، على رغم الصلات الوطيدة التي جمعته بترامب وأقطاب إدارته، على توجيه نقدٍ صارم لموقفه المشكّك بنزاهة الانتخابات الرئاسية، وتحريضه للمتطرّفين من أنصاره على اقتحام الكونغرس، وكذلك لتعامله الفظّ مع الحلفاء الأوروبيين وضعفه تجاه قادةٍ «أعداء»، كفلاديمير بوتين، وكيم جونغ أون، وحتى شي جينبينغ. غير أنّ «أخطاءه» ومزاجه المضطرب، لا يشجبان، بنظر معدّي التقرير، إنجازات عهده في ميدان السياسة الخارجية. ففي القسم الخاص بالصين، يشير هؤلاء إلى أنّ لإدارة ترامب فضلاً كبيراً في حسم التردّد حيال كيفية التعامل مع هذا البلد، الذي ساد في مقاربات الإدارات الأميركية السابقة، واعتباره مع روسيا التهديد الأبرز للريادة الأميركية عالمياً، كما ورد حرفياً في استراتيجيّتي الأمن القومي والدفاع الوطني، الصادرتين في بداية عام 2018. يتناسى المعدّون أنّ إدارة الرئيس باراك أوباما حدّدت الصين كخصم رئيسي، عندما أعلنت عن سياسة الاستدارة نحو آسيا. لكنّ الأهم، وهو الهدف المركزي للتقرير، هو الذود عن إرث ترامب المتعلّق بسياسة الحرب الهجينة التي شنّها على إيران وأطراف محور المقاومة. بقيّة الأقسام في التقرير هي بمثابة الذرائع لإسباغ طابعٍ شاملٍ عليه، لا أكثر. مارك دوبوفيتز، هو الذي صاغ القسم الخاص بإيران، وبعدما عدّد سلسلة الإجراءات التي اتخذها ترامب بحقّها، اعتبر أنّ «الضغوط القصوى نجحت في الحدّ من الموارد المتاحة للنشاطات الخبيثة لنظامها، فهي اضطرّت إلى تخفيض ميزانيّتها الدفاعية بأكثر من 24%، بينما يعاني وكلاؤها الإرهابيون كحزب الله من مصاعب مالية خانقة نتيجةً لتراجع دعم طهران». هو يشيد، كذلك، بالضربات الأميركية والإسرائيلية الموجّهة ضدّ هذا البلد ومسؤوليه، ويذكر بالاسم الفريق قاسم سليماني، والعالم محسن فخري زادة، إضافة إلى عمليات التخريب الموجّهة ضدّ منشآت المشروعَين النووي والباليستي، ليخلص إلى أنّ المطلوب هو المزيد من الحزم مع الجمهورية الإسلامية. لائحة التوصيات التي يقدّمها هي الأطول بين تلك الواردة في التقرير بمجمله، وهي موجّهة إلى الإدارة من جهة، والكونغرس من جهة أخرى. يحضّ دوبوفيتز على عدم تخفيف العقوبات قبل «التزام إيران باتفاق واضح يشمل جميع أنشطتها العدائية، ويحملها على تفكيك قدراتها النووية والصاروخية». ينصح أيضاً بتعزيز العقوبات على الحرس الثوري وإضافة أخرى جديدة، وممارسة ضغوط مكثّفة على القطاع المصرفي فيها، وعلى شركات الطيران، لمنع شحنات سلاح من روسيا والصين إليها. نقطة إضافية يوردها دوبوفيتز، وهي ضرورة امتلاك الولايات المتحدة خياراً عسكرياً جدّياً ضدّ طهران يضاعف من فعالية الضغوط الاقتصادية والمالية. يختم مشدّداً على حيوية البناء على «الإنجاز التاريخي» المتمثّل في «اتفاقيات إبراهام، لاستكمال التطبيع بين إسرائيل وأهم الدول العربية والإسلامية، بما فيها السعودية، لتقوية التحالف ضدّ سلوك إيران الخبيث في المنطقة». في القسم الخاص بالعراق، يجزم التقرير بأنّ «اغتيال سليماني والمهندس، سمح بالحؤول دون انحراف العلاقات الأميركية ــــ العراقية نحو مسار كارثي. فالفراغ الناجم عن الاغتيال أضعَفَ موقع إيران السياسي في هذا البلد، وأفسح مجالاً ليصبح مستقلّاً ذا ميول غربية، مثل أن يكون الكاظمي رئيساً للوزراء، ولتجديد الشراكة الأميركية ــــ العراقية». بالنسبة إلى لبنان، ورغم التقييم الإيجابي لضغوط وعقوبات إدارة ترامب ضدّ حزب الله، فإنّ المعدّين انتقدوا تأخّر الإدارة عن استهداف «السياسيين الفاسدين» المتحالفين مع حزب الله، وكذلك تعاملها الإيجابي مع المبادرة الفرنسية. وفي توصياتهم، هم حضّوا على عدم التعاطي مع أيّ حكومة لبنانية تضمّ ممثلين عن الحزب أو تتأثّر مباشرة به، وعلى الاستمرار في تصعيد الضغوط عليه بمعزل عن الأزمة المالية التي تعصف بلبنان، وعلى تجميد أيّ مساعدات للجيش اللبناني لأنّه يتعاون مع الحزب. أمّا في ما يخصّ سوريا، فيحتوي التقرير على جملة توصيات، أبرزها إبقاء القوات الأميركية في هذا البلد، ودعم قوات سوريا الديموقراطية، والعمل على الحدّ من موارد الدولة السورية المالية، ومنع الحلفاء العرب من التطبيع معها، ومعارضة المساعدات على إعادة الإعمار والتصدّي لنيّات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان العدوانية تجاه الأكراد السوريين.
تطرُّف توصيات التقرير يعكس إرادة المعهد واللوبي الإسرائيلي، رفع سقف المطالب ضمن مسعى لانتزاع أقصى درجة من التنازلات من إدارة بايدن حيال ملفّات المنطقة، انطلاقاً من فرضية أن قسماً من أقطابها قد يتناغم مع بعض ما ورد فيه. يُقلق تركيز هذه الإدارة على أولويات كالصين وروسيا والشرخ الداخلي الأميركي، إسرائيل وحلفاءها الخليجيين، الذين سيشرعون بحملة «ضغوط قصوى» عليها في الولايات المتحدة، للحفاظ على ما أمكن من تركة حقبة ترامب «الذهبية» بالنسبة إليهم.

سيرياستيبس - الاخبار