سيرياستيبس
هناء غانم :
بين التفاؤل والتشاؤم نجد أن مشكلة السكن من المشكلات المتفاقمة، في وقت تشهد فيه أسعار العقارات والإيجارات
ارتفاعاً خيالياً, ولا نبالغ إذا قلنا جنونياً, فقطاع العقارات كان ولا
يزال يؤثر في مجمل حركة الاقتصاد وما آلت إليه حال هذا القطاع ما هو إلا
نتيجة لاقتصاد غير منضبط بسبب ظروف الحرب على البلاد، واليوم ومع ما تشهده
سورية كمرحلة انتقالية للانفتاح الاقتصادي يختبر فيها الجميع انعكاسات تلك
التطورات على الوضع الاقتصادي العام وعلى الأسعار، لا سيما أسعار العقارات
ومواد البناء.. نأمل بأن تتجه الأمور إلى ما هو أفضل.
وفي كل الأحوال لا يمكن التنبؤ بأسعار العقارات التي تراهن الجهات الوصائية
باستحياء على لجمها، فالطلب المرتفع مقابل العرض المتدني، هو لبّ المشكلة
وهو الذي يشرّع أبواب الغلاء وفق وجهة نظر الباحث الاقتصادي د. عابد فضلية،
حيث أكد في حديثه لـ«تشرين» أن سورية تعاني من ظروف اقتصادية صعبة للأسباب
المعروفة، وبدأت هذه الظروف منذ عام (2012) ببدء حالة (التضخم) وارتفاع
الأسعار ليزداد تعقيدها بتفشي حالة الركود (2015/2016) التي ترافقت مع حالة
التضخم بسبب تطورات هاتين الحالتين السلبيتين، ووصلت إلى ركود تضخمي،
موضحاً أن هذا يعني ببساطة الغلاء وارتفاع الأسعار رغم ضعف الطلب يشكل عام،
الأمر الذي انعكس على العديد من القطاعات ومنها العقارات والأصول الثابتة
والسيارات والسلع والأشياء التي يكون سعرها مرتفعاً، فهي تكون عادة من أكبر
المتأثرين بهذه الحال نظراً لارتفاع تكلفتها وبالتالي انخفاض سعرها، كما
أن هناك الكثير من الناس الذين يرغبون أو يستطيعون شراءها.. فيكون أصحاب
هذه الأصول متمسكين بأسعارها العالية، بالوقت نفسه يكون الراغبون بشرائها
ليسوا مستعدين لدفع تلك الأسعار العالية، لأنهم يعرفون على الأقل أن الطلب
ضعيف عليها، فيصيب السوق الجمود (أو عدم التناغم ما بين العرض والطلب)،
وتستمر هذه الحال أشهراً طويلة، إلى أن يضطر المالك للبيع بسعر أقل (وربما
بخسارة) ويضطر المشتري بالوقت نفسه لأن يدفع أكثر، فيتلاقيان عند مستوى
معين من السعر المقبول لكل منهما وتبدأ عجلة السوق بالتحرك.
فضلية: لا يمكن التنبؤ بأسعار العقارات.. وقانون السوق سيد الموقف وتكاليف البناء ازدادت أضعافاً مضاعفة
وذكر الدكتور فضلية أن أسعار العقارات في سورية، ازدادت تكاليف إنشائها
أضعافاً مضاعفة منذ عام (2012) نظراً لارتفاع أسعار مواد البناء، حيث وصل
سعر طن الحديد 12 مم اليوم، إلى 10,6 مليون ليرة وسعر طن الإسمنت لمليوني
ليرة سورية، أما البحص والرمل فقد وصل سعر المتر منهما إلى 225 ألف ليرة
وتراوح سعر البلوكة الواحدة من 6 آلاف إلى 7500 ليرة سورية وغيرها.
لذلك نجد أن قطاع العقارات يخضع دائماً لقانون السوق، خاصة أن نشاطه بكامله
تقريباً يعود للقطاع الخاص الذي لا يمكن أن يعمل ليخسر، حتى إن مؤسسات
الدولة العقارية التي تختص ببناء المنازل للشباب ولأصحاب الدخل المحدود هي
أيضاً لا تريد أن تخسر ولا يمكنها ولا تستطيع أيضاً أن تخسر (دائماً)، وإلا
ستفلس وتغلق أبوابها وتوقف مشروعاتها، وبالتالي لا يوجد شيء اسمه (سياسة
قطاع العقارات) سوى الرضوخ لظروف السوق في العرض والطلب وفي الربح
والخسارة، بالرغم من أن مؤسسات الدولة العقارية ممثلة بالمؤسسة العامة للإسكان تبيع بسعر التكلفة بأحسن الأحوال.
لا يوجد شيء اسمه سياسة قطاع العقارات سوى الرضوخ لظروف السوق في العرض والطلب وفي الربح والخسارة
إيجار ألف شهر لاسترجاع ثمن العقار!
وفي هذا الصدد أعرب الخبير الاقتصادي جورج خزام عن أن ارتفاع أسعار
العقارات أولاً وأخيراً مرتبط بانخفاض مستوى الدخل الذي وصل إلى أرقام
قياسية على مستوى العالم، موضحا أنه عندما يكون راتب الموظف ما يعادل 20
دولاراً وبعد خصم أجور المواصلات للعمل لا يبقى من الراتب أكثر من 10
دولارات هي أقل من أجرة عمل ساعة واحدة في أوروبا.
وأمام هذا التدهور بالأجور أصبحت كل المستلزمات الأساسية من الصعب الحصول
عليها، ومن ضمن تلك المصاعب امتلاك منزل أو دفع إيجار منزل، واعتبر خزام أن
هذا بالحقيقة ظلم للمؤجر وللمستأجر بالوقت نفسه، ظلم للمؤجر لأن المنزل
الذي سعره مثلاً 800 مليون يكون إيجاره حوالي 800 ألف، أي واحد بالألف من
قيمة العقار، بمعنى أن مالك العقار يجب أن يؤجر المنزل ألف شهر لاسترجاع
ثمن منزله، وظلم للمستأجر لأن مبلغ الإيجار من الممكن أن يكون أعلى من كل
الدخل المتدني المتاح للمواطن.
خزام: رفع القوة الشرائية للدخل علاج لأمراض الاقتصاد الوطني .. تأجير المنزل ألف شهر لاسترجاع ثمنه
ويرى الباحث خزام أن الحل يكمن بضرورة رفع القوة الشرائية لليرة السورية
ومعه رفع القوة الشرائية للدخل بشكل عام، مؤكداً أن هذه الإجراءات هي
الخطوة المهمة جداً، ويجب القيام بها لعلاج كل أمراض الاقتصاد الوطني.
وأخيراً وحتى لا نبقى نراوح في مكاننا علينا أن نعيد حساباتنا خاصة أننا
مقبلون على مرحلة جديدة لإعادة بناء وإعمار سورية, لذلك لابد من أن يكون
هناك تدخل حكومي وفرملة لهذه الفوضى، وبالتأكيد لا يمكن أن نتجاهل أن هناك
أخطاء عديدة ارتكبت وأدت إلى ارتفاع أسعار العقارات حتى بات المسكن حلماً
للمواطن ولاسيما أصحاب الدخل المحدود.
تشرين