سيرياستيبس :
ربّما تكون الأزمة الحالية هي الأشدّ في سوريا، إلا أن السنوات السابقة لم تكن بمنأى، هي الأخرى، عن مشاكل توفير سلعة الخبز المدعوم. مقاربة هذا الملف لا تنطلق من الظروف الراهنة وحدها، وإنما من تراكم سنوات من الحصار وسرقة ثروات البلاد والفساد
صحيح
أن معاناة الحصول على الخبز المدعوم ليست بالحدث الطارئ على يوميات
المواطن السوري، إذ إن مشاهد الازدحام أمام الأفران عمرها سنوات طويلة، إلا
أنها لم تكن بهذه الشدّة كما هي اليوم، وإن تبلورت ملامحها فعلياً منذ عام
2014، مع خروج حقول القمح الرئيسة تدريجياً عن سيطرة الحكومة، والصعوبات
المتزايدة في عملية استيراد ما تحتاج إليه البلاد لسدّ الفجوة المتشكِّلة
بين الإنتاج المحلي والاستهلاك. صعوباتٌ عمّقتها العقوبات الأميركية
الجديدة، التي اتّسعت فعلياً مع بداية عام 2019.
تراجع إنتاج البلاد من
محصول القمح مع السنوات الأولى للأزمة، وتراجعت معه احتياجات الاستهلاك في
المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة متأثّرة بسير المعارك وحركة النزوح، وهو،
ربّما، ما جعل الفجوة المتشكِّلة بين المتاح من الإنتاج المحلي وحجم
الاستهلاك ضمن دائرة السيطرة. لكن كلّ شيء تَغيّر مع بدء استعادة الحكومة
السيطرة على مساحات واسعة؛ ففي الوقت الذي بقيت فيه حقول القمح المؤثّرة في
معادلة الإنتاج خارج يدها، زادت كميات الاستهلاك مقارنة بالسنوات الأولى
من عمر الأزمة، وذلك تحت تأثير عوامل أساسية، أبرزها:
- زيادة عدد السكان الموجودين ضمن مناطق سيطرة الحكومة، وعودة بعض اللاجئين من دول الجوار إلى مدنهم وقراهم.
- زيادة استهلاك الأسرة الواحدة من الخبز كتعويض عن عدم القدرة على شراء مواد غذائية أخرى.
- ارتفاع كميات الخبز المهرّبة إلى مربِّي الثروة الحيوانية باعتباره بديلاً رخيصاً للعلف الذي زادت أسعاره بشكل كبير.
هذا
استنتاج تؤكّده الأرقام الرسمية المتعلّقة بكمّيات الطحين الموزّعة على
المخابز العامة والخاصة، والتي ارتفعت من حوالى 647.5 ألف طن عام 2016، إلى
حوالى 1.4 مليون طن في عام 2019. وكذلك البيانات الخاصة بمستوردات البلاد
من القمح، والتي شكّلت في بعض السنوات أكثر من نصف احتياجات البلاد، على
رغم الزيادة الملحوظة في الكميات المنتَجة محليّاً والمسلّمة إلى مؤسسة
الحبوب الحكومية، والتي ارتفعت من حوالى 500 ألف طن في عام 2017 إلى حوالى
مليون طن في عام 2019، ثمّ تراجعت إلى حوالى 500 ألف طن في الموسم الحالي،
في حين سجّلت المستوردات حوالى 1.3 مليون طن في عام 2017، وأكثر من 1.1
مليون طن في عام 2019، وبكلفة سنوية تتجاوز اليوم 300 مليون دولار.
وتالياً، فإن أكثر من نصف احتياجات البلاد من القمح تبقى رهينة ثلاثة
متغيّرات أساسية:
- الضغوط والعوائق المالية واللوجستية التي تتسبّب بها العقوبات الغربية.
شهد سعر الخبز بين عامَي 2013 و2016 ثلاثة ارتفاعات متتالية وصلت إلى 233%
- حجم الطلب الدولي على القمح وتأثّره بحالة الموسم والظروف الطارئة كانتشار فيروس «كورونا».
- إجراءات «الإدارة الذاتية» في منطقة الجزيرة، والتي تعرقل تسليم المزارعين محصولهم من القمح لمؤسّسة الحبوب الحكومية.
في
ظلّ هذه الضغوط، قرّرت الحكومة السير في مشروع لضبط الاستهلاك المحلّي من
مادّة الخبز المدعوم، ولا سيما أنها كانت على قناعة بوجود هدر وفساد
كبيرَين في هذا الملف، سواء في مادة الطحين التي تعتقد الحكومة أن بعض
كمياتها تُهرَّب داخلياً إلى مخابز محلية تنتج الخبز السياحي ومعامل
معكرونة، وخارجياً إلى بعض دول الجوار؛ أو في مادة الخبز التي باتت لدى بعض
مربّي الحيوانات بمنزِلة علف. فكان الاقتراح الحكومي الذي وجد طريقه إلى
التنفيذ في منتصف شهر نيسان/ أبريل الماضي، والخاص بحصر توزيع الخبز
المدعوم عبر البطاقة الإلكترونية العائلية، لينتهي المشروع برفع سعر ربطة
الخبز المدعوم الواحدة من 50 ليرة إلى 75 ليرة، وتخفيض وزنها من 1300 غرام
إلى 1100 غرام.
استهلاك غامض
لا يُعرَف على وجه الدقة
متوسّط الاستهلاك الحقيقي للفرد من الخبز المدعوم، إذ إن البيانات الرسمية
المتاحة، حتى الآن، هي تلك التي تَضمّنها مسح دخل ونفقات الأسرة 2009-2010،
والتي أشارت صراحة إلى أن متوسط استهلاك الأسرة السورية من الخبز العادي
يبلغ شهرياً حوالى 77.6 كيلوغراماً، ومتوسط استهلاك الفرد 14.4 كيلوغراماً.
بيانات يتّفق الاقتصاديون على أنها شهدت ارتفاعاً كبيراً وسط تحوّل شريحة
شعبية واسعة إلى الاعتماد على الخبز وسيلةً غذائية «متاحة» للشبع، في ظلّ
عدم القدرة على تأمين وجبة غذائية يومية متنوعة، ولا سيما أن التقديرات
الرسمية تكشف أن 30% من السوريين كانوا في عام 2018 يعانون من انعدام أمنهم
الغذائي، وهي نسبة باتت، مع موجات الغلاء المستمرّة منذ منتصف عام 2019،
تصل إلى أكثر من 50%، بحسب تقديرات الباحث المتخصّص في السياسات السكّانية،
علي رستم.
لذلك، كان من الطبيعي، في ظلّ غياب بيانات إحصائية دقيقة، أن
تكثر أخطاء السياسات الحكومية المتبعة في معالجة ملف الخبز المدعوم، وهذا
ما ظهر جليّاً مع التوجّه إلى تطبيق البطاقة الإلكترونية وما رافق ذلك من
تردّد حكومي في شأن تحديد المخصّصات اليومية لكلّ أسرة من الخبز. كانت
البداية مع تخصيص كلّ أسرة يومياً بربطة واحدة (وزنها الرسمي 1300 غرام).
وعند التطبيق وتصاعد الانتقادات الشعبية، تمّ رفع المخصّصات إلى أربع ربطات
يومياً بصرف النظر عن عدد أفراد الأسرة واحتياجاتها، فكان أن استمرّت
عمليات المتاجرة غير الرسمية بالسلعة ونسبة الهدر، سواء نتيجة تدنّي صناعة
الخبز، أو وجود فائض عن احتياجات بعض الأسر الصغيرة. وأخيراً، تمّ توزيع
الأسر السورية على أربع شرائح تبعاً لعدد الأفراد المسجّلين على البطاقة
الإلكترونية، تحصل بموجبها كلّ أسرة على مخصّصاتها اليومية، والتي تمّ
حسابها بناءً على متوسّط حصة الفرد، والمُقدّرة من قِبَل وزارة التجارة
الداخلية بحوالى 19.5 كيلوغراماً شهرياً، أي بزيادة قدرها 6 كيلوغرامات
مقارنةً بتقديرات مسح دخل ونفقات الأسرة 2009، إلّا أنها نسبة تبقى نظرية
في كثير من الأحيان، في ظلّ تلاعب العاملين في بعض الأفران بوزن ربطة الخبز
الواحدة، إضافة إلى عدم كفايتها بنظر كثيرين.
ارتفع سعر ربطة الخبز المدعوم من 50 ليرة إلى 75 ليرة، وانخفض وزنها من 1300 غرام إلى 1100 غرام
المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=128&id=185465