جلسة باهتة لمجلس الوزراء أمس ابتعد فيها عن هموم الشارع مسوّفاً ومركّزاً على قضايا ثانوية
30/09/2020



 

سيريا ستيبس – علي محمود جديد

خلت جلسة مجلس الوزراء يوم أمس من أي قرار منتظر يحاكي الهموم الضاغطة التي يعاني منها ملايين السوريين، فكانت جلسة باهتة تصلح كوصفةٍ لرفع ضغط الدم .. وبامتياز .. !!

فقد تصدّرت أنباء الجلسة قضية ربما تكون لها أهميتها بشكلٍ أو بآخر، ولكنها لا تهم المواطنين لا من قريب ولا من بعيد، وهي مناقشة مشروع قانون الأحوال المدنية الذي يهدف إلى توحيد أمانات السجل المدني بأمانة واحدة تسمى ( أمانة سورية الواحدة ) ولا ندري لماذا مثل هذا القانون يُناقش في مجلس الوزراء في ظل هذه الأزمات المتزاحمة التي ( تُطرمشُ ) المواطنين، وإن كان لا بد من مناقشته في إطار المجلس فلا يوجد أي مبرر للإعلان عن هذه المناقشة في ظل هذه الظروف البائسة حتى وإن كان يضمن سلامة وصحة السجلات الورقية الخاصة ببيانات المواطنين وتنفيذ أعمال الأحوال المدنية حاسوبياً لتبسيط واختصار الإجراءات بوقت أسرع وبأسهل الطرق، فهذه الأسباب الموجبة هي آخر همنا بل ولا تأخذ أي حيّز من همومنا، ولو أننا كنّا في سنوات الرخاء والنعيم لما كان هذا الأمر باعتباراتنا التي من الدرجة العاشرة ولا العشرين ولا المئة، فكيف ونحن في مثل هذه السنوات العجاف من المعاناة والضيق والفقر والقهر والحرب والحصار ..؟!

إلى ذلك شدد المجلس على الوزارات الخدمية تحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين وتحقيق عدالة التوزيع ووضع الخطط البديلة للتعامل مع الحالات الطارئة في مختلف القطاعات.

ماذا يعني ذلك ..؟ لا شيء .. رغم كل هذا التشديد الذي أزهقنا، وبتنا نعلم – من خلال تجارب السنين – أن اللجوء إلى مثل هذه العبارات ليس أكثر من تغطية لمزيد من التراخي .. إنه كلامٌ في الهواء ونحن بحالة من التخمة منه، نسمعه باستمرار وتكرار دون فائدة، فالأمر لم يعد يحتمل مثل هذه العموميات ولا بد من تحديد الأمور وتفقيطها وحسمها .. والأمور واضحة وصريحة ومعروفة لا تحتاج إلى منجمين ولا خبراء، فماذا نريد كمواطنين من الوزارات الخدمية سوى تحسين نوعية الخدمات فعلاً ..؟ ولكن أين هي هذه الخدمات ..؟! فوزارة الكهرباء – مثلاً – لا نريد منها شيئاً في الدنيا سوى الكهرباء مع تقديرنا للحصار وتبعاته ونقص استطاعة التوليد .. ولكن لتنتظم بالتقنين بما هو متاح .. ولتكن عادلة في توزيع الطاقة على الناس، كلنا نرى ونسمع عدم الانتظام والظلم في التوزيع .. وهي ترى وتسمع وتُدرك وتُنفذ .. فماذا يفيدنا ( التشديد ) المزعوم ..؟!

وزارة الاتصالات لا نريد منها هي الأخرى سوى حسن الاتصالات وسلامة الأنترنت الذي غدا أهم من كل اتصالاتها .. ولكن لا ندري ماذا فعلت حتى تمكنت أخيراً من تقديم أسوأ خدمة أنترنت في العالم ..؟!

أما لجهة النقل .. فلا نريد سوى نقلٍ كافٍ آمنٍ ممكنٍ ومريح، غير أن النقل لا كافٍ ولا آمنٍ ولا ممكن إلا عند الضرورات القصوى ولا مريح، فالأزمة على أشدّها .. ازدحام فظيع، وأجور عالية تخترق الطاقات، كنا نتمنى أن يقرر مجلس الوزراء التصدي لهذه الأزمة برفد شركات النقل الداخلي بالكثير من الحافلات – مثلاً – القادرة على التدخل الإيجابي فعلاً وحل مشكلة النقل بين المدن والمدن وداخلها، وبين المدن والقرى أيضاً، ولا ندري لماذا التلكؤ بذلك على الرغم من أن الاستثمار في النقل مضمون ورابح إن توفرت الإرادة والإدارة السليمتان له .. ولكن في الحقيقة عودتنا التجارب أن هذا أمر من الصعب بمكان .. !

وزارة العدل – مثلاً – أيضاً لا نريد منها سوى العدل وتهيئة الظروف للإسراع في حسم القضايا والدعاوى، ولكن ظروفها وطريقة عملها لا توحي بذلك أبداً..

هذه مجرد أمثلة كنا ننتظر حيالها قرارات حاسمة ومحدّدة .. ولم نكن بوارد مثل هذا التشديد المتراخي .. !

وطلب رئيس مجلس الوزراء من الوزارات رفع سقف المكافآت التشجيعية وطبيعة العمل والتركيز على تفعيل نظام الحوافز وربط الأجر بالإنتاج وفق معايير أداء موضوعية وشفافة.

هذا كلام يُثلج الصدر، غير أن الوزارات لا تستطيع أن تفعل شيئاً إزاء ذلك، فهي محددة في أغلبها بقرارات سابقة من رئيس مجلس الوزراء، وبالتالي فإن تعديلها لن يكون إلا بقرار من رئيس المجلس، فكم كان جميلاً لو أن مجلس الوزراء تحدث عن إصدار مثل هذه القرارات..؟ أمّا الطلب بهذا الشكل فليس أكثر من تسويف، ورمي للكرة في ملعب الوزارات التي لا يخوّلها القانون تعديل قرارات لرئيس المجلس .. !

وهنا نريد التوقف عند مسألة خطيرة، وهي ربط الأجر بالإنتاج، فمثل هذه الفلسفة الاقتصادية سبق وأن حصلت سابقاً، وأوصلتنا إلى نتائج وخيمة أدت إلى زيادة مخازين الإنتاج، حيث أغفلت الإدارات المعنية في حينها مسألة التسويق وضرورة ربطه بالإنتاج أيضاً، فتكدّس الإنتاج دون فائدة، وصار عبئاً على المؤسسات الصناعية، ولذلك فإن ربط الأجر بالإنتاج مهم جداً كتقديرٍ حقيقي لجهد العاملين، ولكن لا بدّ من ربطه بالتسويق حتى تكتمل المعادلة ونحظى بفاعلية ذلك الإنتاج ومردوده.

الأنكى من ذلك كله هو أن مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة يوم أمس كلف اللجنة الاقتصادية بإجراء توصيف لواقع المشاريع المتوسطة والصغيرة ومقترحات التوسع بها. وهذا يشير إلى حالة من التردّد والتملّص من تبنّي الدفع بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي لا تحتاج إلى أي لجان، فهناك هيئة لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة ولها برامج وخططٍ وتوجهات، وهناك أيضاً مؤسسة لضمان مخاطر القروض، وهي مخصصة للتعاطي مع مسألة تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكان الأمر هنا لا يحتاج إلى أكثر من إطلاق العنان جديّاً للهيئة والمؤسسة اللتان طوّقتا الآن بإحالة الأمر إلى اللجنة الاقتصادية، وكأنّ قانوني الهيئة ومؤسسة ضمان مخاطر القروض غير كافيين لإطلاق هذه المشاريع .. !

والمجلس لم يطلب من اللجنة الاقتصادية اتخاذ القرار بهذا الشأن، ولا حتى بوضع توصية لاتخاذه، وإنما بتوصيف واقع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومقترحات التوسع بها، وهذا يعني أنّ ذلك التوصيف سوف يُناقش .. وسوف يحظى بتوافقات واعتراضات .. ومن ثم تقييم كل توافقٍ وكل اعتراض، وبعدها حسم التوافقات والاعتراضات، لنبدأ بعدها بمناقشات مقترحات التوسّع، وهذه المناقشات قابلة للأخذ والرد والصد .. ويبدو لنا أنّ الأمور بهذا الشكل ستبقى هكذا – على هذا المنوال – إلى أن تصير الحكومة بحكم المستقيلة بعد تسعة أشهر .. !

إن هذه الحكومة إن لم تأخذ على منحى الجد حقيقة انتهاء ولايتها عند الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أشهرٍ قليلة بدأ عدادها التنازلي، وتسعى لحل بعض القضايا الممكنة الحل سريعاً كقضية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فإنها ستُسجل لنفسها بأنها من أكثر الحكومات السورية فشلاً .. وبكفاءةٍ عالية. 

 

 

 

 

 

 

 

 



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=127&id=184559

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc