الواضح
أن شهية تل أبيب مفرطة تجاه المفاوضات، أقله لجهة النيات والمساعي، سواء
منها ما يتعلق بالمفاوضات نفسها ومجرياتها ونتائجها، المرتبطة بالفائدة
الاقتصادية عبر تسوية تؤمّن لها الاستحواذ على جزء من حقوق لبنان في غازه
ونفطه، أم ما يتعلق بإمكانيات نظرية يمكن البناء عليها لتحقيق مروحة واسعة
من المصالح، التي لا تقتصر على التفاوض الحدودي. تبدو «إسرائيل» أنها
تتعامل مع المفاوضات بوصفها أيضاً وسيلة قتالية تستخدمها في الحرب التي
تخوضها ضد المقاومة للإضرار بها.
واحدٌ من التعبيرات العبرية الصادرة
أمس وذات دلالة، ما ورد في صحيفة «يديعوت أحرونوت؛ في سياق مقابلة رئيس قسم
الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، درور شالوم، الذي أكد أن احتمالات
التوصل إلى «اتفاق سلام» مع لبنان، زادت عمّا كانت عليه بعد الاتفاق على
المفاوضات بين الجانبين حول المياه الاقتصادية، «لكن يمكن حزب الله أن يحبط
هذا الاحتمال إذا اتخذ قرارات خاطئة من شأنها نسفُه».
هذا «التحذير»
الصادر عن شخصية استخبارية تُعد «المُقَدِّر القومي» في «إسرائيل»، يُعبّر
عن إرادة تحصيل فائدة في اتجاهين اثنين: الأول، التطلع إلى المفاوضات نفسها
على أنها مقدمة لمستوى متقدم من التطبيع اللبناني مع «إسرائيل»، بل وأيضاً
التطلع إلى معاهدة واتفاق سلام بين الجانبين. والثاني، استغلال المفاوضات
وتسخير أصل وجودها وما تقول تل أبيب إنه حاجة اللبنانيين اقتصادياً إليها،
بهدف تقليص حدّة «وجع الرأس» الإسرائيلي الحالي على الحدود، وترقُّب تل
أبيب ردّ حزب الله الموعود على استهداف المقاوم علي محسن في سوريا قبل
أسابيع، ما يبقيها مشغولة استخبارياً وإجرائياً في «تموضع» دفاعي - انكفائي
لم تعتَدْ عليه.
في المنحى الأول، برزت في اليومين الماضيين جملة
تعليقات إسرائيلية أكدت نية تسخير التفاوض، سواء أكانت نتيجته الفشل أم
النجاح، في المعركة الإسرائيلية المستمرة وبكل الأساليب ضد حزب الله، ومن
بينها ما تسميه «المعركة على الوعي»، والمقصود هنا الجمهور اللبناني
العريض.
تكرار عبارة «المفاوضات المباشرة»، ورفع مستوى الوفد الإسرائيلي
المفاوض، بما يشمل مشاركة رئيس القسم الاستراتيجي في شعبة التخطيط في
الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى رئيس التخطيط السياسي الاستراتيجي في مجلس
الأمن القومي (مستشار رئيس حكومة العدو لشؤون السياسة الخارجية)، وكذلك
شخصية اقتصادية تدير الشأن التقني في المفاوضات، بل وأيضاً الحديث عن إمكان
مشاركة وزير الطاقة يوفال شتاينتس لاحقاً في جولات مقبلة من المفاوضات، كل
ذلك إشارة واضحة إلى إرادة تظهير التفاوض، وربما إرادة توجيهه، إلى ما
يتجاوز الخلاف التقني على الحدود البحرية، الذي يُعد بطبيعته امتداداً
لتحديد خط الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 برعاية من الأمم المتحدة، والمعروف
بالخط الأزرق.
برز في التعليقات أمس، تقرير صحيفة «زمان إسرائيل»، التي
شدّدت على أن «التوصل إلى حل ما للخلاف عبر المفاوضات المنوي مباشرتها
الأسبوع المقبل، يؤدي إلى إتاحة الفرصة أمام الجانب اللبناني لبدء التنقيب
في منطقة يُرجح أن تحوي كميات كبيرة من الغاز الطبيعي». وهذا هو المقصود
والهدف في السياق الإسرائيلي: «حقول الغاز في لبنان فيها بُعدٌ كابِح.
إيجاد الغاز سيُنتج تعلّقاً اقتصادياً لبنانياً بهذا المورد، ما سيجعله
ثروة استراتيجية يمكن لإسرائيل ضربها. من هنا سينشأ ميزان ردعي (متعادل)،
وعندها لن تكون منصات التنقيب ومنشآت التسييل الإسرائيلية وحدها هدفاً
استراتيجياً، بل أيضاً المنشآت في لبنان».
تل أبيب: حزب الله هو السبب... إنْ فشلت المفاوضات مع لبنان
المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=110&id=184722