التبشير لايصنع استدامة ولاثقة
رسالة بليغة من خبير مالي إلى السلطات النقدية في سوريا حول الليرة والسيولة وتحدّي التغيير..




 
 
 سيرياستيبس :
تتصدر الاستحقاقات على مستوى القطاع المصرفي والنقدي..لائحة التحديات الراهنة المطلوب إنجازها باحترافية عالية وبسرعة دونما تسرّع.
إذ تتوالي هذه الأيام تصريحات رأس هرم السلطة النقدية الدكتور عبد القادر الحصرية، حول جملة المتغيرات المتسارعة الجارية في القطاع وفي سياق استدراك الكثير من الفجوات المزمنة.
يُعلّق الخبير المالي والمصرفي أنس الفيومي على أحدث تصريحات الحاكم حول ضبط المعروض النقدي وتحرير السحوبات.. ويرى أن السؤال المحوري في تصريحات الحاكم بالأمس، هل يستطيع المركزي ضبط المعروض النقدي وتحرير السحوبات …؟ وخاصة أننا في مرحلة تحسس مكان الخطوة الأولى …
ويضيف الخبير الفيومي : أن في حديث الحاكم عن (معرفة المعروض النقدي وجعله أداة للسياسة النقدية)، يطرح نقاشاً حول طبيعة السياسة النقدية الممكنة في اقتصاد يعاني من واحدة من أعمق تشوهاته ،وهي وجود كتلة نقدية ضخمة متداولة خارج الجهاز المصرفي يرافقها ضعف مزمن في الثقة بالقطاع المالي والمصرفي .
لذلك يرى الخبير المالي والمصرفي أن القراءة الواقعية لتصريحات الحاكم لا تعبر عن توصيف دقيق للحالة الراهنة، بقدر ما تعكس أهدافاً إصلاحياً تسعى إليها السلطة النقدية، وهذا في الواقع شيء ايجابي جداً لبث جرعة تفاؤل أن السياسة النقدية في طريق صحيح .
مابعد التبشير
ويُفضّل الفيومي تجاوز مرحلة بث روح التفاؤل مع أهميتها والحديث عن الواقع، لأن السياسة النقدية التقليدية تفترض أن الجزء الأكبر من السيولة موجود داخل المصارف، بالتالي هو قابل للقياس والتوجيه عبر أدوات مثل سعر الفائدة وعمليات السوق المفتوحة، إنما نتيجة السياسة السابقة بحبس السيولة ولجوء المواطن والتاجر للاحتفاظ بالنقد خارج المصارف، فهذا أدى إلى ان الأدوات فقدت فعاليتها، مما جعل سعر الصرف يتحول إلى متغير نفسي يتأثر بأي حدث سياسي أو اقتصادي أكثر منه نقدي …


الفيومي: الحديث عن (جعل المعروض النقدي أداة) لا يمكن فصله عن ضرورة إعادة الكاش إلى القنوات الرسمية
لذلك يعتبر الفيومي أن الحديث عن (جعل المعروض النقدي أداة) لا يمكن فصله عن ضرورة إعادة الكاش إلى القنوات الرسمية ، وهو أمر لا يتحقق بالإجراءات الإدارية بل بحزمة متكاملة من أدوات أهمها الثقة ثم الثقة ثم الثقة .
قواعد الثقة الحقيقية
وفي بُعد إستراتيجي يعتبر الخبير المالي أن حرية السحب، ووضوح حقوق المتعاملين مع المصارف واستقرار القواعد الناظمة للعمل المصرفية، تشكل المدخل الأساسي لأي محاولة لاستعادة وظيفة النقد . إضافة للسياسات الأخرى مثل سعر الفائدة وسعر صرف العملات .
فباختصار المودع لن يعيد أمواله إلى المصارف ما لم يحصل على ثقة وفائدة تحمي مدخراته وما لم يشعر بأن سعر الصرف يخضع لإدارة اقتصادية واضحة لا لتدخلات حسب الظروف السياسية والاقتصادية، مع ضرورة توسيع أدوات الادخار، وتطوير أنظمة الدفع الإلكتروني الطوعية وربط الحوافز الضريبية والتمويلية باستخدام القنوات المصرفية كلها تفيد في جذب عودة الأموال.
شروط تفرض نفسها بقسوة
الرسالة التي صرح عنها الحاكم برفع القيود على السحب بحلول عام 2026 له دلالة جيدة جداً وإيجابية من وجهة نظر الخبير المصرفي، لكنها بالوقت نفسه تعتبر شديدة الحساسية ولا يمكن تنفيذها بنجاح ما لم تسبقها شروط واضحة، في مقدمتها كفاية الاحتياطيات القابلة للاستخدام الفعلي، وهيكل ودائع متوازن يحدّ من مخاطر السحب المفاجئ، ومعالجة حقيقية لتعثر بعض المصارف، إضافة إلى إطار تشريعي مستقر يضع حداً للقرارات المفاجئة . هذا الإطار التشريعي الذي تحدثنا عنه في أكثر من مناسبة مهم جداً لطمأنة رؤوس الأموال الخارجية الراغبة بالاستثمار في سوريا .

نتيجة لا مقدّمة
الواقع نحن أمام فرصة قد تكون الأخيرة لإعادة الثقة في القطاع المصرفي، وربط المصارف بعملية الاستثمار والإعمار، المطلوب النهوض بها بالفترة القادمة، وهنا يرى الفيومي أن كلام الحاكم واضح حول الانتقال من إدارة السوق بعقلية أمنية، إلى إدارة بالسياسات الاقتصادية، مما يمثل وضع جيد جداً نأمل أن يتجاوز مرحلة التصريحات لأن تحرير السحوبات وضبط المعروض النقدي ليسا نقطة بداية بل يجب أن تكون نتيجة مسار إصلاحي، يبدأ بإعادة بناء الثقة، ويمر بإصلاح المصارف وخاصة العامة وإعادة هيكلتها، ولا تنتهي بسياسة نقدية فاعلة تستند إلى الودائع لا إلى القرارات الإدارية، بل تنتهي عندما تكون المصارف الشريك الفعلي والمؤثر في الاستثمار وعودة النشاط الاقتصادي .
 

الفيومي: ميزان الثقة في سوريا اختلّ كثيراً نتيجة سياسة الحكومة بأن يكون شكل النقد مؤثر نفسي أكثر من اعتباره مؤثر اقتصادي.
اختلال مزمن في الميزان
العملة في أساسها ليست ورق مطبوع فقط، بل هي بمثابة عقد ثقة بين الدولة والمجتمع ، وكل تعديل في الشكل والتصميم يتم تحميله دلالة اقتصادية ونفسية .
هذا بالتعريف، لكن الخبير الفيومي يرى أن ميزان الثقة في سوريا اختلّ كثيراً في أكثر من فئة نقدية مطبوعة، نتيجة سياسة الحكومة أن يكون شكل النقد مؤثر نفسي أكثر من اعتباره مؤثر اقتصادي.
ويتساءل على سبيل المثال.. هل من المعقول أن يكون لفئة ال 100 ليرة أكثر من 14 نموذج منذ خمسينيات القرن الماضي إلى مرحلة الاختفاء .
ويعود الخبير الفيومي إلى تصريح الحاكم بأن الليرة ستكون رمزية، وعن اعتماد ثماني فئات رئيسية دون صور أشخاص أو رموز تاريخية، فإن الرسالة اليوم تتجاوز الجانب الشكلي للعملة لتلامس جوهر العلاقة المختلة بين المواطن والنقد الوطني، وهذا جيد جداً.
خارج نطاق التوظيف السياسي
وفي الجانب الاقتصادي يقرأ الفيومي هذا التوجه كمحاولة لفصل العملة عن التوظيف السياسي أو الأيديولوجي، وتقديمها كأداة تداول محايدة تخدم الاقتصاد لا الخطاب السياسي. وبالتالي الرغبة في تخفيف الحمولة الرمزية الثقيلة التي رافقت الليرة لعقود، وإعادة تعريفها كوسيط تبادل لا كأداة تعبير سياسي، أما حصر الفئات بعدد محدد فيشير إلى خطوة ضبط هيكل الكتلة النقدية، وتحسين كفاءة التداول، وتقليل الاعتماد على فئات كبيرة التي تعكس عملياً ضعف القيمة الشرائية .
 

الرسالة الواضحة من الحاكم
نفسياً، يحمل هذا التوجه أننا في مرحلة البناء رسالة وخطوة المقاطعة الرمزية مع الماضي ، وبناء ثقة جديدة ، لكن الفيومي يرى أن الاكتفاء بالحديث عن (الرمزية) دون ربطها بسياسات تحمي القيمة الفعلية للعملة قد يثير بعض المخاوف لدى الناس من أن يكون التغيير شكلياً أكثر منه جوهرياً . فالمواطن الذي فقد ثقته بالليرة لا يقيسها بتصميمها، بل بقدرتها على حفظ القيمة وعوامل استقرار السوق .


أما إعلان المصرف المركزي عن فترة تعايش بين العملتين، تبدأ من ثلاثة أشهر وقد تمتد قانوناً حتى خمس سنوات ، فيراها الخبير المالي تحدياً كبيراً من جانب إدارة المخاطر، وقدرة المصارف من الجانب التقني والفني وحتى البشري إدارة هذا التعايش الصعب جداً ، دون توفر مرونة مطلوبة، والتخوف من مخاطر إضافية أبرزها مخاطر التزوير، و الازدواج السعري، والارتباك في تسعير العقود والالتزامات طويلة الأجل .
 

احذروا المخاطرة
يحذّر الخبير الفيومي من فكرة “التعايش الطويل ” بين عملتين ، لأنه يحمل دائماً خطر نشوء سعرين فعليين في السوق، أحدهما ضمني والآخر معلن، خاصة في بيئة تعاني أصلاً من ضعف الضبط ومرونة التسعير. مع شبه غياب لقواعد واضحة في توحيد المعايير المحاسبية، مما قد يربك الشركات والمصارف في تقييم الأصول والودائع، ويخلق نزاعات قانونية حول العقود المبرمة خلال فترة الانتقال .
مالحل؟
لتجنب هذه المخاطر ينصح الخبير المالي والمصرفي بتفعيل حزمة من الآليات..أهمها وجود جدول زمني واضح وملزم لمراحل السحب و الاستبدال، مع توحيد أسعار التحويل دون أي فروقات خفية، وتشديد الرقابة على التسعير ومنع ازدواجية القوائم السعرية، وتحديث الأنظمة المحاسبية والمصرفية بشكل متزامن، مع حملة إعلامية وتواصل شفاف، يتم فيه الشرح للمواطنين حقوقهم وآليات الاستبدال دون غموض أو لبث .
 ويختم الخبير الفيومي حديثه بأن فترة التعايش بين عملتين هو اختبار لقدرة الدولة على إدارة الانتقال بهدوء إما نحو نظام نقدي أكثر مصداقية، أو باب جديد للفوضى إذا غابت القواعد والشفافية.
الخبير السوري

 



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=126&id=204059

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc