رفع العقوبات عن سوريا: تحول أميركي حذر يفتح باب الاستقرار
21/12/2025



رفع العقوبات عن سوريا: تحول أميركي حذر يفتح باب الاستقرار | اندبندنت عربية

سيرياستيبس

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الملف السوري، فتح قرار رفع العقوبات المفروضة على دمشق نقاشاً واسعاً حول تداعياته الإنسانية والاقتصادية والأمنية، وسط تقديرات بأن الخطوة تمثل تحولاً مهماً في المقاربة الأميركية، من دون أن تعني انفراجاً فورياً أو حلاً شاملاً للأزمة.

ويرى خبراء ومحللون في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أن القرار يؤسس لمسار تدريجي لإعادة الاستقرار، ويضع سوريا أمام مرحلة جديدة مشروطة بالحكم الرشيد، والاستقرار الأمني، وإصلاح البيئة الاقتصادية.

يؤكد مدير مركز تقدم للحوار والتنمية وبناء السلام عبدالله الغضوي أن المقاربة الأميركية تجاه سوريا تشهد تحولاً واضحاً مقارنة بستة عقود مضت، مشيراً إلى أن السياسة الحالية باتت تتعامل مع سوريا ضمن ما يمكن وصفه بـ"المظلة الأمنية الأميركية".

ويوضح الغضوي أن دخول أي دولة ضمن التحالف الدولي لا يتم إلا بموافقة واشنطن، مما يعني وجود رعاية أميركية كاملة، لافتاً إلى أن مشاركة سوريا في منتدى يضم نحو 20 دولة "موثوقة" يعكس مستوى متقدماً من الثقة والمسؤولية السياسية والأمنية.

ويضيف مدير مركز تقدم أن هذا التحول "يفرض على الولايات المتحدة مسؤولية مباشرة في رفع العقوبات، وفي مقدمتها قانون قيصر"، مؤكداً وجود إرادة أميركية لأن تكون سوريا دولة آمنة ومستقرة، وهو ما يستدعي متابعة هذا المسار إقليمياً ودولياً، بما في ذلك وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، انسجاماً مع التوجه الأميركي لترسيخ الاستقرار في المنطقة.
بوابة تحسن الأوضاع

على الصعيد الاقتصادي والإنساني، يرى الغضوي أن إلغاء العقوبات يشكل عاملاً محورياً لتحسين الأوضاع، إذ كانت القيود المفروضة واحداً من أبرز العوائق أمام الاستثمار والعمل الاقتصادي خلال السنوات الماضية، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الدول.

ويشير إلى أن الخطوة التالية لرفع قانون قيصر تتمثل في تحسين البنية التحتية الاقتصادية، من خلال السماح بدخول الأموال الخارجية، وبدء العمل بنظام "سويفت"، وهي إجراءات قد تبدو فنية لكنها تشكل ضمانة حيوية للاستقرار.

ويكشف عن فترة تقييم تمتد لثلاثة أشهر يعقبها استمرار رفع العقوبات، مما يفتح المجال أمام مستويات مختلفة من الاستثمار، تبدأ بالمستثمرين المحليين، وتحريك أموال مجمدة، وإعادة تشغيل قطاعات اقتصادية توقفت بسبب القيود.

ويقدّر الغضوي أن هذه التحركات قد ترفع مستوى الاقتصاد المحلي بنحو 10 في المئة في مرحلتها الأولى، تليها لاحقاً استثمارات خارجية، ثم استثمارات الدول، مرجحاً أن يشكل رفع العقوبات الكامل خلال تسعة أشهر "نهاية مسار الظلام الاقتصادي والإنساني في سوريا".

وفي المقابل، يحذر الغضوي من توقع انفراج استثماري سريع، موضحاً أن المستثمرين الأجانب ما زالوا يتحفظون بسبب عاملين رئيسين: الأول قانوني، وقد تمت معالجته إلى حد كبير برفع قيصر، والثاني أمني.

ويؤكد أن الضمانات الأمنية المرتبطة برفع العقوبات تشمل مشاركة جميع المكونات، وحماية الأقليات، ومكافحة تنظيم "داعش"، مما يمنح سوريا مكسبين متلازمين: استعادة الأمن، ثم التعافي الاقتصادي، قبل الانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار التي ستتطلب وقتاً أطول.

من جانبه، يرى عضو البرلمان العربي وعضو مجلس النواب البحريني الدكتور هشام أحمد العشيري أن قرار إلغاء العقوبات يمثل تطوراً لافتاً في المقاربة الأميركية، ويعكس إدراكاً متزايداً لمحدودية فاعلية سياسة العقوبات الشاملة، التي فشلت في تحقيق أهدافها السياسية، وأسهمت في تعميق المعاناة الإنسانية والاقتصادية للشعب السوري.
  أدوات الضغط على دمشق ستبقى

يشير العشيري إلى أن القرار لا يعني التخلي عن أدوات الضغط، بل الانتقال إلى نهج أكثر انتقائية ومرونة، يقوم على تخفيف القيود الاقتصادية العامة مع الإبقاء على آليات الاستهداف والمساءلة للأفراد والكيانات المتورطة في انتهاكات جسيمة. ويضيف أن هذا التوجه يوازن بين متطلبات الاستقرار الإقليمي والاعتبارات الإنسانية من جهة، والحسابات السياسية والأمنية من جهة أخرى.

ويؤكد أن الانخراط الاقتصادي المنضبط قد يكون أكثر فاعلية من سياسات العزل، موضحاً أن إلغاء العقوبات يمكن أن يخفف المعاناة في القطاعات الحيوية المرتبطة بحياة المواطن اليومية، مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم والنقل، عبر تسهيل استيراد المواد الأساسية والمستلزمات الطبية، وتقليص حالة الشلل التي أصابت الخدمات العامة.

ويشير العشيري إلى أن القرار قد يقلل من حالة "الإحجام المفرط" لدى المؤسسات المالية والشركات الدولية، التي كانت تتجنب التعامل مع سوريا حتى في المجالات الإنسانية، خوفاً من التعقيدات القانونية، مما قد يوسع نطاق العمل الإنساني والتنموي ويحسن كفاءة إيصال المساعدات.

وفي ملف إعادة الإعمار، يوضح العشيري أن رفع العقوبات يفتح نافذة مهمة لكنها مشروطة، تتطلب أطر حوكمة وشفافية واضحة، وضمان توجيه الموارد لخدمة المواطنين، بعيداً من الفساد واقتصاد الظل. ويضيف أن الرسالة الاقتصادية للقرار قد تسهم في تحريك الاقتصاد تدريجياً، خصوصاً عبر تقليص أخطار العقوبات الثانوية التي أعاقت الاستثمارات في قطاعات الطاقة والإعمار والخدمات.
عودة حذرة

ويرى أن القرار قد يشجّع عودة جزئية وحذرة لرؤوس الأموال السورية في الخارج، خصوصاً في الأنشطة التجارية والعقارية والخدمية، لكنه يحذر من المبالغة في توقع انتعاش سريع، مشدداً على أن بيئة الاستثمار لا تحكمها العقوبات وحدها، بل عوامل الاستقرار السياسي والأمني، ووضوح التشريعات، وحماية المستثمرين، وسلامة النظام المصرفي.

بدوره، يؤكد المحلل الاقتصادي وأستاذ المحاسبة بجامعة الطائف الدكتور سالم باعجاجة أن إلغاء العقوبات يمثل خطوة بالغة الأهمية، لتخفيف المعاناة الإنسانية بعد سنوات من القيود التي أثقلت كاهل المواطنين، وقيّدت الاقتصاد، وأضعفت القطاعات الأساسية. ويشير إلى أن أولى النتائج الإيجابية تتمثل في تحسين الوصول إلى الغذاء والدواء والوقود، وتسهيل دخول الأدوية والمستلزمات الطبية، وتحسين أداء المستشفيات والمراكز الصحية.

ويضيف أن رفع العقوبات يسهم في تنشيط الاقتصاد وتشجيع الاستثمارات، مما ينعكس على توفير فرص العمل وزيادة الدخل، ويقلل الاعتماد على المساعدات الإنسانية. ويؤكد أن القرار يسهل عمل المنظمات الإغاثية، ويحد من العوائق القانونية واللوجيستية التي كانت تعرقل وصول المساعدات.

ويخلص باعجاجة إلى أن إلغاء العقوبات لا يمثل حلاً شاملاً لكل الأزمات، لكنه يشكّل خطوة أساسية نحو تخفيف المعاناة الإنسانية، وتحسين ظروف المعيشة، وتهيئة بيئة أكثر استقراراً تمهّد لإعادة الإعمار والتعافي الاجتماعي.

اندبندنت عربية



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=110&id=204004

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc