هل يدخل العالم في 2026 حالة الركود الاقتصادي الكبير؟
19/12/2025
سيرياستيبس :
بعد موجة من الحروب الكبيرة والمخاطر الجيوسياسية والاضطرابات الاقتصادية العنيفة في السنوات الأخيرة، يستعد العالم لدخول عام 2026، وسط تقديرات اقتصادية مختلفة بعضها يرى أن هدوء حدة الحروب العسكرية والاقتصادية، قد ينتج عنه تحسن اقتصادي، فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن العالم سيدخل في حالة الركود الاقتصادي الكبير في العام الجديد.
أحدث التوقعات والتقارير الاقتصادية الصادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، تدعم احتمالات الركود، وترى أن هناك مخاطر حقيقية قوية لاحتمال الركود أو على الأقل حدوث تباطؤ كبير وشامل مرتفع، لكن لا توجد إجابة حاسمة تنبئ بيقين أن العالم سيدخل مرحلة ركود اقتصادي كبير جداً عالمياً في 2026 بعد موجة من الحروب الكبيرة في الشرق الأوسط وأوكرانيا وأفريقيا، والاضطرابات الاقتصادية العنيفة بفعل آثار الحروب والرسوم الجمركية وارتفاع مستويات الديون.
احتمال الركود الاقتصادي أو التباطؤ الحاد في 2026
في إصداراته الأخيرة لعام 2025، أشار تقرير "التوقعات الاقتصادية العالمية" Economic Outlook World"، الصادر عن البنك الدولي في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، إلى أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي عام 2026، إلى 3.1% نزولاً من 3.3% في عام 2024 و3.2% في عام 2025. وتوقعت "مؤسسة مورغان ستانلي"، في تقرير نشرته 17 نوفمبر الماضي أن تكون التوقعات العالمية لعام 2026 هي مزيد من "تباطؤ النمو والتضخم".
ويشير أحدث تقييم لمؤسسة كابيتال إيكونوميكس (Capital Economics)، صدر في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، حول "المخاطر الرئيسية لعام 2026"، أن "الصدمات المالية (المحتملة) هي الأكثر أهمية"، لأن النظام المالي، هو عادة مصدر الصدمات الاقتصادية الكبرى.
وترصد كابيتال إيكونوميكس، الخطر المالي الكلي المحتمل عام 2026 في موجة بيع حادة في أسواق الأسهم، بعد انتعاش طويل، ومع اقتراب التقييمات من مستويات فقاعة الإنترنت، مؤكدة أن من شأن انخفاض حاد في أسعار الأسهم أن يُضعف ثروات الأسر ويُضعف الميزانيات العمومية للشركات، مع عواقب متوقعة على الاستهلاك والاستثمار، ومن ثم الركود.
وترجّح المؤسسة ارتفاع التضخم في 2026، باعتباره أحد المخاطر الرئيسية على الاقتصاد الكلي، عكس ما تفترضه الأسواق من أن التضخم سيتجه نحو الانخفاض في عام 2026، بفعل اتجاه معظم الدول لخفض أسعار الفائدة، محذرة من أن "تجربة السنوات القليلة الماضية تجعلنا نحذر من افتراض أن التضخم سيسلك مساراً يمكن التنبؤ به، إذ إن أحد المخاطر هو أن يظل الطلب أقوى من المتوقع، مما يؤدي إلى ضغوط تضخمية أقوى".
ترجح مؤسسة كابيتال إيكونوميكس ارتفاع التضخم في 2026، باعتباره أحد المخاطر الرئيسية على الاقتصاد الكلي، عكس ما تفترضه الأسواق من أن التضخم سيتجه نحو الانخفاض في عام 2026
ويشير مؤشر "كابيتال إيكونوميكس" إلى أن الصدمة الاقتصادية الأكبر لن تأتي مع هذا من "مخاطر ارتفاع التضخم، بل من مخاطر انخفاض النمو، لا سيما في الولايات المتحدة، باعتبارها اقتصاداً بالغ الأهمية للتوقعات العالمية، ويُعد أوضح خطر سلبي على التوقعات"، مؤكداً أنه "حتى الآن، الوضع قاتم، لكن يجدر بنا أن نتذكر أن المخاطر لا تشير جميعها إلى الاتجاه نفسه، نعم الاقتصاديون متشائمون، ومع ذلك، فإن الاقتصادات تميل إلى تحقيق أداء أفضل من المتوقع بهدوء".
ومع أن اقتصاديين يفترضون أن الأحداث الكبرى، مثل كأس العالم، تُحدث طفرة في الأنشطة قصيرة الأجل، مثل الاستثمار في الملاعب والبنية التحتية، والسفر، والإقامة، والضيافة، والإنفاق الاستهلاكي وفرص العمل، إلا أن نشرة الأخبار الأميركية بنزينغا "Benzinga" تنفي هذا، وتؤكد في تقرير نشرته 8 ديسمبر الجاري، أن بطولة كأس العالم 2026 لن تعزز نمو الاقتصاد الأميركي، وقد تدخل البلاد في حالة ركود أثناء استضافتها البطولة.
وكانت تحليلات لبنك "مورغان ستانلي" الاستثماري الأميركي قد توقعت في مايو/أيار 2025، نمواً عالمياً منخفضاً جداً في 2026، بحسب سيناريو استمرار تشديد السياسات التجارية، وذكرت أنه قد تصبح الدوافع للنمو ضعيفة للغاية، ما قد يسحب بعض الاقتصادات نحو ركود أو هبوط اقتصادي.
وقالت منظمة التجارة العالمية، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن من المتوقع أن يتباطأ نمو تجارة السلع العالمية بشكل كبير في عام 2026، وأن ترتفع أحجام تجارة السلع بنسبة 0.5% فقط في عام 2026، مقارنة بنحو 2.4% هذا العام، وفقاً للمنتدى الذي يتخذ من جنيف مقراً له.
وأشارت تقارير عدة، من بينها تقرير مورغان ستانلي، إلى أن الصدمات المتزايدة، مثل حرب الرسوم الجمركية، وتباطؤ التجارة العالمية، واضطرابات سلاسل التوريد، وارتفاع الديون العامة، كلها عوامل تُضعف ديناميكية النمو، وتزيد من الضغط على الاقتصادات في عام 2026".
قالت منظمة التجارة العالمية، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ في 7 أكتوبر/تشرين الأول، إن من المتوقع أن يتباطأ نمو تجارة السلع العالمية بشكل كبير في عام 2026
وكان تقرير سابق للبنك الدولي قد توقع أيضاً في 2025 أن يكون النمو في كثير من الاقتصادات خاصة النامية والناشئة عام 2026 "الأضعف منذ بداية القرن، ما يعني ضغوطاً على الاستثمار، والعمالة، وتحقيق التنمية". ومع هذا ترى تقديرات اقتصادية أخرى أنه في بعض القطاعات (كالتكنولوجيا، الطاقة البديلة، بعض الخدمات) قد توجد فرص للنمو، ما يعني أن الركود المحتمل قد يكون غير متوازن: بعض الدول أو القطاعات تتضرر بشدة، وأخرى قد تتعافى أو تنمو بوتيرة متواضعة.
خطر فقاعة الذكاء الصناعي
يري خبراء مشروع سنديكيت الاقتصادي "Project Syndicate"، في تحليلهم لمسألة: "هل سيشهد عام 2026 أزمة مالية؟"، 27 نوفمبر الماضي، أن أكبر المخاطر التي نواجهها اليوم لا تنبع فقط من التجاوزات المالية، بل أيضاً من إساءة استخدام السلطة السياسية والاقتصادية، ومن تآكل المؤسسات التي يُفترض بها محاسبة أصحاب السلطة. ويرون أن "جميع الظروف المواتية لأزمة مالية كبرى في الولايات المتحدة متوافرة، فالأصول المالية مُبالغ في قيمتها بشكل كبير، نتيجة لاستثمارات عالية الاستدانة في الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة".
ويؤكد هؤلاء الخبراء أنه نظراً لانتشار الاستثمارات الدائرية في قطاع الذكاء الاصطناعي، فإذا انفجرت هذه الفقاعة، وثبت عدم كفاية رأس مال الدائنين، فهناك خطر حقيقي للغاية من انتشار العدوى النظامية، وبينما لا يعني إفلاس عدد قليل من الشركات الخاصة عالية الاستدانة بالضرورة انهياراً مالياً، فإن الروابط الوثيقة التي تصل قيمتها إلى تريليون دولار بين قطاع المصارف الموازية والبنوك الاستثمارية التقليدية تزيد من احتمالية حدوث تداعيات غير مباشرة.
وتقول "فاينانشال تايمز" إن ضخامة الأموال المتدفقة إلى مشاريع وشركات الذكاء الاصطناعي تثير مخاوف من تضخم فقاعة أصول تقنية وانفجارها لاحقاً بشكل مفاجئ، وإذا انفجرت الفقاعة أو تباطأ عائد الاستثمار، فقد تؤدي الخسائر إلى تصحيح سوقي يؤثر بالمالية الحقيقية. وهو ما يثير قلقاً متزايداً لدى البنوك والمستثمرين في 2026.
تحذر إيكونوميست من أن ضخامة الأموال المتدفقة إلى مشاريع وشركات الذكاء الاصطناعي تثير مخاوف من تضخم فقاعة أصول تقنية وانفجارها لاحقاً بشكل مفاجئ
ويشيرون إلى أن انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى ركود عالمي غير معتاد، لأن توقعات أرباح الذكاء الاصطناعي تبدو مبالغاً فيها، ورغم أن الفقاعة ممولة غالباً عبر الأسهم لا الديون، ما يقلل خطر أزمة مالية واسعة، فإن تأثير انهيار السوق سيكون كبيراً على الاقتصاد الحقيقي.
سيناريوهات محتملة
وتشير السيناريوهات المحتملة لعام 2026 بناء على معطيات المؤشرات والصناديق الدولية إلى: تباطؤ كبير ونمو عالمي منخفض، وبطالة مرتفعة نسبياً، وضعف الطلب، إلا أن الركود الكامل أي انخفاض الناتج العالمي سيتم تجنبه. وأن بعض الدول ستدخل في ركود أو تباطؤ حاد، خاصة تلك المعتمدة على التجارة أو الديون أو التصدير، بينما دول أو قطاعات أخرى ستقاوم.
ويذهب بعض محللي الصدمات لتصور سيناريو أسوأ "محتمل" يترتب عليه في عام 2026 ركود عالمي محدود وصدمة كبيرة كأزمة ديون أو حرب أو انهيار سوق، تؤدي إلى سحب الطلب، وانهيار التجارة، وانكماش اقتصادي واسع، وربما أزمة مالية. ويرون أن هذا السيناريو "ممكن لكن غير مرجح"، وأن عالم 2026 سيدخل ركوداً كبيراً، ولكن هذا يظل احتمالاً وليس يقيناً. والأمر يرجع إلى أن هناك تفاوتاً كبيراً بين الدول، فبعض الاقتصادات قد تتحمل الضغوط بسهولة، وبعضها الآخر قد يكون مهدداً جداً، والمؤسسات الدولية لا تتفق على سيناريو واحد حول ما يستعد له العالم في 2026، حسبما يقول خبراء الاقتصاد بصحف "إيكونومست" و"فاينانشيال تايمز" و"بلومبيرغ".
وخلال العام القادم، من المتوقع أن يكون ارتفاع الدين العام في الاقتصادات المتقدمة والناشئة محوراً رئيسياً في قتامة المشهد الاقتصادي العالمي، فقد ارتفع الدين العالمي بأكثر من 21 تريليون دولار في النصف الأول من عام 2025، ليصل إلى مستوى قياسي يقارب 338 تريليون دولار، وهو مستوى زيادة مماثل لما شهدناه خلال الجائحة، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.
خلال 2026، من المتوقع أن يكون ارتفاع الدين العام في الاقتصادات المتقدمة والناشئة محوراً رئيسياً في قتامة المشهد، بعد أن ارتفع بأكثر من 21 تريليون دولار في النصف الأول من 2025
أي إن هناك إجماعاً بين نسبة كبيرة من الخبراء والاقتصاديين ووكالات التصنيف الائتماني والصناديق الدولية على أن العالم سيشهد حالة ركود حادة في عام 2026 وتباطؤاً عالمياً ملموساً، لكن بعض الدول قد تدخل في ركود محلي، وبعض القطاعات كالتكنولوجيا والطاقة المتجددة، قد تستمر في النمو خلال العام الجديد.
10 مخاطر
رصد موقع التحليل الاقتصادي والمالي "THINK" يوم 5 ديسمبر الجاري، 10 مخاطر تهدد الاقتصاد العالمي في عام 2026، من فقاعات الذكاء الاصطناعي إلى الإنفاق الحكومي الباذخ، ومن انهيارات العقارات إلى ارتفاع أسعار النفط، متوقعاً أن هذه المخاطر "قد تسوء بها توقعاتنا الاقتصادية لعام 2026، أو تتحسن".
وأشار التحليل إلى أن من المخاطر: ارتفاع التضخم بسبب اختناقات العرض في مجال الذكاء الاصطناعي، وتزايد التأثير السلبي للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي، وتوتر العلاقات بين الولايات المتحدة والصين الذي يؤثر بإمدادات المعادن النادرة، وارتفاع أسعار النفط مع تجدد التوترات الجيوسياسية، ودخول الصين مرحلة تباطؤ اقتصادي وتصحيح أعمق لأسعار العقارات، وانتهاء الحرب في أوكرانيا باتفاق سلام كامل ودائم.
وأكد التحليل أن فشل شركات التكنولوجيا الأميركية في تحقيق الربح من الذكاء الاصطناعي، يثير تساؤلات حول جدوى الاستثمار الضخم في الأجهزة والبرمجيات والصناعات ذات الصلة، وأن تراجع أسهم التكنولوجيا، أثر بأعلى 20% من الأميركيين دخلاً، الذين يمتلكون الحصة الأكبر من الأسهم الأميركية المحلية، وانخفاض ثروات الأسر سيؤدي إلى انخفاض الاستهلاك في عام 2026، وهذا كافٍ لدفع سوق العمل الأميركي إلى ركود كامل.
أيضا تُشكل السياسة المالية خطراً كبيراً على النمو والتضخم في عام 2026، لأن الرئيس ترامب يضغط على الكونغرس لتوزيع شيكات خصم جمركي بقيمة 2000 دولار على 150 مليون أميركي، مما يُعيد إلى الأذهان ذكريات التحفيز الاقتصادي في حقبة كوفيد الذي ساهم في رفع التضخم بشكل كبير، وأن هذا سيؤثر في ارتفاع التضخم.
العربي الجديد
المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=131&id=203987