لماذا لا يشعر السعوديون بوفرة الأموال؟
04/12/2025




سيرياستيبس 

تشهد الأسواق السعودية ارتفاعًا ملحوظًا في حجم السيولة النقدية المتداولة، ما سلَّط الضوء على ما إذا كان هذا دليلَ غنى أم إنذارًا بموجة غلاء مقبلة؟ ويأتي ذلك، وسط تساؤلات عن أسباب شعور المواطن بضيق مالي، رغم تسجيل الإحصاءات زيادة في السيولة.
بلغت السيولة الموسعة (M3) في الاقتصاد السعودي رقمًا قياسيًا بلغ 3.2 تريليونات ريال (نحو 853 مليار دولار) بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، محققة نموًا سنويًا بنسبة 7.8%، أي بزيادة 228.7 مليار ريال عن نفس الفترة من العام السابق. وقد لاحظ المتخصصون أن هذا النمو في السيولة يعكس قوة نمو الودائع في البنوك السعودية، خاصة الودائع الجارية التي تمثل حوالي 47% من إجمالي عرض النقود، ما يشير إلى مستويات ثقة عالية لدى الأفراد والشركات.
ومع أن تقريرًا صادرًا من صندوق النقد الدولي في الشهر ذاته أشار إلى أن هذا النمو المالي حقيقي، وأن السعودية تحتفظ بمستويات منخفضة من الديون العامة نسبةً للناتج المحلي الإجمالي، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن هذه الأرقام الإيجابية تخفي واقعًا مختلفًا تمامًا على مستوى المستهلك العادي.

التناقض بين الأرقام
يكمن التناقض الأساسي في أن العلاقة بين السيولة النقدية وقوة الشراء الفعلية ليست تلقائيةً كما يبدو من الأرقام، فبينما تتسع كمية النقود المتداولة، أوردت دراسة نشرتها شركة بوسطن العالمية، المتخصصة في الاستشارات الاقتصادية الدولية، أن هناك فجوة متسعة بين التفاؤل حول الاقتصاد العام والضغوط المالية الفعلية على المستوى الشخصي.

فبعض المستهلكين يشعرون بالتشاؤم حول الاقتصاد الكلي، لكنهم يستمرون في الإنفاق، لأن الحاجة والضرورة تفرضان ذلك عليهم، وليس لأن ثروتهم الفعلية زادت.

وبحسب استطلاع أجرته شركة PWC (بي دبليو سي) المتخصصة في الاستشارات المالية الدولية، فإن 49% من المستجيبين في منطقة الشرق الأوسط يعتبرون غلاء تكاليف المعيشة أكبر تهديد لهم في السنة المقبلة.
كما أفادت دراسة من شركة أوليفر وايمان (Oliver Wyman) المتخصصة في استشارات التجزئة والاستراتيجية المالية أن 31% من الأسر السعودية أبلغت عن انخفاض في دخلها خلال عام 2024.

تداعيات التضخم
من جانب الأسعار، تُعزِّز معدلات التضخم المحلية من الشعور بالضيق المالي، رغم أنها تبدو منخفضة على الورق، إذ بلغ معدل التضخم السنوي في السعودية 2.2% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفقًا للهيئة العامة للإحصاء السعودية الحكومية. لكن هذا الرقم الإجمالي يخفي زيادات حادة في فئات حساسة تؤثر بشكل مباشر في حياة المستهلك العادي.

فأسعار السكن والمياه والكهرباء والوقود ارتفعت بمعدل 4.5% سنويًا، وهي ارتفاعات تفوق بكثير المتوسط العام، حسب بيانات هيئة الإحصاء. فيما تظهر دراسة لشركة ألكس بارتنرز (AlixPartners) المتخصصة في استشارات الأعمال والتجزئة أن المستهلكين السعوديين يعيشون حالة تناقض حقيقية، فهم يخططون للإنفاق أكثر لكن هذا الإنفاق ليس من واقع ثروة متزايدة بقدر ما هو استجابة للضغوط التضخمية وحاجة البقاء.

عوائد الودائع البنكية
في هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، لـ "العربي الجديد"، إلى أن ارتفاع السيولة في السوق السعودية يعود إلى عوامل عدة، أبرزها انخفاض معدلات العائد على الودائع البنكية، ما يدفع الأفراد إلى سحب ودائعهم وتحويلها إلى استثمارات بديلة تحمل عوائد أعلى.

ويرتبط هذا التحول بسياسات الإنفاق الحكومي المتصاعدة في إطار "رؤية السعودية 2030"، التي قد تستهدف عن قصد زيادة السيولة في السوق لتحفيز النشاط الاقتصادي، لا سيما في قطاعَي الأعمال الصغيرة والمتوسطة والأعمال الفردية، ما يُسهم في تعزيز الاستثمارات المحلية وتوسيع قاعدة النشاط الاقتصادي، بحسب درويش.
ومن جهة أخرى، يعكس ارتفاع السيولة في الاقتصاد وَجْهَين متلازمَين؛ فبينما يشير إلى حيوية ونشاط في الدورة الاقتصادية، فإنه قد يصاحبه في الوقت ذاته ارتفاع في مستويات الأسعار. ويُرجع درويش هذا التناقض إلى أن معدل التضخم في المملكة، لم يُواكَب بزيادات مماثلة في الدخول، ما جعل شريحة واسعة من المواطنين تلجأ إلى استخدام هذه السيولة في شراء السلع استباقًا لزيادات محتملة في الأسعار.

ويضيف درويش أن هذه الديناميكية تزيد من تدفُّق السيولة إلى السوق، ليس فقط من المواطنين، بل أيضًا من المقيمين والمستثمرين العاملين في المملكة، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، مثل الإيجارات وتكاليف الخدمات الأساسية، والتي تأثرت بشكل مباشر بانخفاض قيمة الدولار الأميركي.
ونظرًا لارتباط الريال السعودي والدولار بسعر صرف ثابت، فإن أي تراجع في قيمة العملة الأميركية ينعكس على القوة الشرائية داخل السوق المحلي، ما يدفع الأفراد لزيادة مشترياتهم قبل احتمال ارتفاع الأسعار في المستقبل، بحسب درويش.

العربي الجديد



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=145&id=203845

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc