تداولات السعوديين تجتاح وول ستريت لأعلى مستوى فما الأسباب؟
24/11/2025
سيرياستيبس
كتب الاعلامي غالب درويش :
شهدت الأسواق المالية الأميركية خلال الربع الثالث من عام 2025 تدفقاً استثمارياً غير مسبوق من المستثمرين السعوديين عبر المؤسسات المرخص لها، مسجلة تداولات قياسية بلغت 216 مليار ريال (57.6 مليار دولار)، وهي أعلى مستوى تاريخي لها على الإطلاق.
هذه القفزة الكبيرة التي فاقت جميع التوقعات تعكس تحولاً لافتاً في استراتيجيات الاستثمار الخارجي للسعودية وتثير تساؤلات حول الدوافع الكامنة وراء هذا الاندفاع نحو "وول ستريت"، الذي يعد مؤشراً إلى الثقة المتزايدة في الاقتصاد الأميركي وقطاعاته الواعدة.
ويأتي هذا التدفق الاستثماري مدفوعاً بعوامل رئيسة عدة من بينها التطورات التكنولوجية المتسارعة وفرص النمو الفريدة التي توفرها السوق الأميركية، إضافة إلى الرغبة في تنويع المحافظ الاستثمارية وتحقيق عوائد مجزية في ظل بيئة اقتصادية عالمية متغيرة.
أرقام قياسية
في تحول لافت على ساحة الاستثمار الخارجي بلغ إجمال عمليات البيع والشراء التي نفذها المستثمرون السعوديون عبر مؤسسات السوق المالية خلال الربع الثالث من هذا العام نحو 216 مليار ريال (57.6 مليار دولار)، بزيادة سنوية بلغت 141 في المئة، مقارنة بـ89.66 مليار ريال (23.91 مليار دولار) خلال الفترة ذاتها من عام 2024، وذلك وفقاً لبيانات هيئة السوق المالية السعودية.
وبهذه الأرقام تسجل تداولات السعوديين في السوق الأميركية أعلى مستوى لها على الإطلاق، وفقاً لما أظهره تقرير هيئة السوق المالية السعودية حول التداولات الخارجية من خلال الأشخاص المرخص لهم.
9 أشهر فقط
بالمقارنة بالربع الرابع من عام 2024، الذي بلغت فيه التداولات نحو 102.2 مليار ريال (27.25 مليار دولار)، يظهر الربع الثالث من عام 2025 نمواً فصلياً بنسبة 111.5 في المئة، أي ما يعادل زيادة قدرها 113.88 مليار ريال (ما يعادل 30.36 مليار دولار) خلال تسعة أشهر فقط.
وتظهر تلك البيانات تسارع وتيرة توجه المستثمرين السعوديين نحو الأسواق الأميركية، على رغم أنها لا تعكس الصورة الكاملة للمستثمرين الذين يتداولون عبر وسطاء أجانب خارج المؤسسات المحلية، إذ لا تشمل التقارير عدد المحافظ أو أحجام التداول المباشرة من خارج السعودية.
وشكلت تداولات السعوديين في السوق الأميركية 24.7 في المئة من إجمال التداولات في الأسواق المالية، مقارنة بتسعة في المئة فقط قبل عام، بينما ظلت السوق المحلية تستحوذ على الحصة الكبرى بنحو 75 في المئة.
في حين شكلت قيمة تداولات السعوديين في السوق الأميركية خلال الربع الثالث من عام 2025 نحو 98.8 في المئة من إجمال التداولات في الأسواق الخارجية والبالغة 218.8 مليار ريال (58.34 مليار دولار).
وبذلك تسجل التداولات في السوق الأميركية نمواً للربع الخامس على أساس سنوي، لكن الأداء الفصلي شهد نمواً أقل عند 12 في المئة.
مسيرة صعود
سجلت تداولات السعوديين في سوق الأسهم الأميركية عبر مؤسسات السوق المالية، سواء من ناحية البيع أو الشراء، تطوراً متسارعاً خلال الفترة الممتدة من الربع الأول لعام 2022 وحتى الربع الثالث من عام 2025.
وشهدت هذه التداولات تقلبات ملحوظة، بدأت بمستويات متوسطة، تلتها موجات من التراجع، قبل أن تعاود الارتفاع مجدداً حتى وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في نهاية الربع الثالث من عام 2025.
في الربع الأول من عام 2022 بلغت قيمة تداولات السعوديين في السوق الأميركية نحو 85.9 مليار ريال (22.9 مليار دولار)، وهو ما اعتبر حينها مستوى قوياً يعكس اهتماماً متزايداً من المستثمرين المحليين بالأسواق العالمية.
ثم شهدت هذه التداولات ارتفاعاً قياسياً في الربع الثاني من العام ذاته، لتصل إلى 147.4 مليار ريال (39.3 مليار دولار)، وهي واحدة من أعلى القيم المسجلة حتى تلك اللحظة، مما يعكس اندفاعاً كبيراً نحو الاستثمار في الأسهم الأميركية خلال تلك الفترة.
غير أن هذا الزخم لم يستمر طويلاً، إذ تراجعت التداولات في الربع الثالث من عام 2022 إلى 99.5 مليار ريال (26.5 مليار دولار)، ثم واصلت انخفاضها الحاد في الربع الرابع من العام ذاته لتبلغ 50.4 مليار ريال (13.4 مليار دولار)، في إشارة إلى موجة تصحيح أو ربما إعادة تموضع في المحافظ الاستثمارية.
وخلال عام 2023 بقيت التداولات في نطاق شبه مستقر نسبياً، إذ سجلت 58.8 مليار ريال (15.6 مليار دولار) في الربع الأول، ثم 59.8 مليار ريال (15.9 مليار دولار) في الربع الثاني، لكنها شهدت انخفاضاً في الربع الثالث إلى 42.6 مليار ريال (ما يعادل 11.3 مليار دولار)، قبل أن تعود للارتفاع مجدداً في الربع الرابع وتصل إلى 58.7 مليار ريال (15.6 مليار دولار)، مما يعكس استمرار التذبذب في توجهات المستثمرين السعوديين تجاه السوق الأميركية خلال ذلك العام.
ومع بداية عام 2024 اتجهت التداولات إلى التعافي، إذ بلغت في الربع الأول 62.3 مليار ريال (16.6 مليار دولار)، قبل أن تتراجع بصورة طفيفة في الربع الثاني إلى 58.6 مليار ريال (15.6 مليار دولار).
غير أن الربع الثالث شهد طفرة واضحة بارتفاع التداولات إلى 89.7 مليار ريال (23.9 مليار دولار)، تلاها ارتفاع آخر في الربع الرابع لتصل إلى 102.2 مليار ريال (27.2 مليار دولار)، في مؤشر إلى استعادة الثقة تدريجاً في الأسواق الخارجية، أو ربما رهان على موجة صعود في أسهم شركات أميركية بارزة.
شهد الربع الأول من عام 2025 طفرة واضحة بارتفاع التداولات بنسبة 179 في المئة إلى 173.8 مليار ريال (46.34 مليار دولار)، تلاها ارتفاعاً بنهاية الربع الثاني بنسبة 230 في المئة إلى 193.40 مليار ريال (51.6 مليار دولار)، في مؤشر إلى استعادة الثقة تدريجاً في الأسواق الخارجية، أو ربما رهان على موجة صعود في أسهم شركات أميركية بارزة.
عوامل جذب
قال محللون في أسواق المال لـ"اندبندنت عربية" إن إقبال المستثمرين السعوديين على الأسهم الأميركية خلال الفترة الأخيرة يعود إلى القفزة الكبيرة في حجم التداولات الخارجية، مؤكدين أن السيولة السعودية المتجهة إلى "وول ستريت" سجلت مستويات غير مسبوقة.
يرى المحلل والمستشار بأسواق المال محمد الشميمري أن السوق الأميركية هي الأكثر تطوراً عالمياً، وتتميز بتقديم رؤى واضحة حول اتجاهات المستقبل، خصوصاً في قطاعات التقنيات وشركات أشباه الموصلات، وأن هذا الجانب التكنولوجي المتقدم يجذب المستثمرين السعوديين الباحثين عن فرص نمو واعدة وعوائد عالية.
رغبة متزايدة
أشار الشميمري إلى أن هذا التحول يعكس رغبة متزايدة لدى المستثمرين في تنويع محافظهم الاستثمارية بعيداً من سوق الأسهم المحلية، مستفيدين من الفرص التي توفرها الأسواق العالمية، خصوصاً القطاعات الأميركية ذات النمو القوي مثل التكنولوجيا والطاقة.
وأوضح أن نضج المستثمر السعودي وارتفاع مستوى الوعي المالي، إلى جانب سهولة الوصول إلى منصات التداول الدولية، أسهما بصورة كبيرة في تعزيز هذا التوجه، ولفتوا إلى أن الأدوات الجديدة مثل أوراق الإيداع السعودية على الأسهم الأجنبية أسهمت بدورها في تخفيف القيود التي كانت تعوق الاستثمار الخارجي سابقاً.
وأكد المحلل المالي لدى شركة "المتداول العربي" محمد الميموني أن هذا التوسع في الاستثمار يأتي كذلك في إطار رغبة بعض المستثمرين السعوديين في الارتباط بصورة كبرى بالأسواق العالمية، بخاصة مع وجود شراكات بين صناديق سعودية وجهات استثمارية دولية، وهو ما يعزز الثقة في استمرار هذا التوجه خلال الأعوام المقبلة.
وأفاد المتخصص في الاقتصاد العالمي، مدير عام "إنسينكراتور" في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، محمد كرم، أن السوق الأميركية تشهد ارتفاعاً كبيراً في تداولات السعوديين، خصوصاً بين الجيل الشاب والمستثمرين الجدد الذين يبحثون عن عوائد عالية، والتركيز على الأسهم التي تشهد ارتفاعاً كبيراً.
وأكد أن السوق الأميركية تتفوق في استخدام التقنيات المتقدمة في التداول، مثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تحلل الأخبار وتتخذ قرارات البيع والشراء بسرعة فائقة، وتنتشر فيها تداولات عالية الكثافة لتحقيق أرباح متكررة، مما يتطلب بنية تحتية تقنية متطورة غير موجودة بالمستوى نفسه في السوق السعودية الحالية.
وأوضح كرم أن "ناسداك" هو المؤشر الأكثر تداولاً بين المستثمرين السعوديين نظراً إلى تركيزه على الشركات التقنية.
التنوع والاستثمار
شدد المستشار المالي، المدير التنفيذي في شركة "الصك للأوراق المالية" محمود عطا، على أن السوق الأميركية توفر بيئة استثمارية خصبة للمستثمرين الذين يفضلون التنويع في محافظهم، مع إمكان الوصول إلى قطاعات مبتكرة وغير متوافرة بالقدر نفسه في الأسواق المحلية.
وأشار إلى أن هذا الاتجاه المتنامي للمستثمرين السعوديين نحو الأسواق الخارجية يعكس رغبتهم في تحقيق عوائد أعلى واستغلال فرص النمو في الاقتصاد الأميركي القوي.
اندبندنت عربية
المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=131&id=203729