 
صدمة للمصارف التي لها أموال في مصارف لبنانية …تقديراتها 1،6 مليار .. لكن السجلات قد تظهر ارقاماً أكبر
31/10/2025
سيرياستيبس 
يشهد القطاع المصرفي السوري واحدة من أعقد أزماته منذ تأسيسه، بعد قرار مصرف سورية المركزي بتكوين مخصصات كاملة لتغطية خسائرها المتعلقة بالانهيار المالي اللبناني.
والتي رغم تباين التقديرات حول حجم هذه الاموال، إذ تتراوح بين 3 و42 مليار دولار وفق مصادر مختلفة.، أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية أنها لا تقل عن “1.6 مليار دولار” من الانكشاف المالي على القطاع المصرفي اللبناني، تشمل التزامات قائمة وودائع أُفراد وشركات سورية مجمّدة لدى المصارف اللبنانية. والتي قدرت من بعض الاقتصاديين باكثر من 18.4 تريليون ليرة سورية وأن قيمته تتجاوز 60% من الموازنة العامة لعام 2024.
الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، أكد في حديثه للوطن أن هذه الأرقام تشكل صدمة حقيقية للنظام المالي الوطني، وتفتح الباب أمام تساؤلات حول قدرة المصارف على امتصاص الخسائر والحفاظ على استقرار النظام النقدي في البلاد.
وأوضح قوشجي أن المخصصات المتوقعة من المصارف تصل حتى 39% من هذه الأرصدة، ما يعني تحميل خسائر مباشرة على ميزانيات المصارف وخفض قيمة الأصول الخاضعة للمخاطرة.
وبيّن أن تبعات ذلك ستظهر في هبوط أسعار أسهم المصارف في سوق دمشق للأوراق المالية نتيجة تسجيل خسائر محققة وتقليص توزيعات الأرباح، وهو ما يضاعف الضرر للمستثمرين الذين خسروا أصلاً عبر اختفاء سيولة الودائع خارج البلاد.
وأشار قوشجي إلى أن الآثار المباشرة على المصارف تتمثل في تآكل رأس المال نتيجة حجز مخصصات تصل إلى 39%، ما سيؤدي إلى خفض صافي الأصول والتأثير على نسب كفاية رأس المال (Tier 1 وTotal Capital)، وقد يدفع بعض البنوك إلى الوقوع تحت متطلبات رأس المال التنظيمية. كما ستتقلص السيولة بسبب تصفية أو شطب الودائع الخارجية، ما يزيد الضغط على السيولة المحلية ويضعف قدرة المصارف على تمويل القروض القصيرة الأجل.
وأضاف أن الأوضاع الحالية ستؤدي إلى تزايد الأصول المتعثرة واعتماد المصارف سياسة أكثر تحفظاً في منح التمويلات الجديدة، ما يضعف النشاط الاقتصادي. أما على صعيد السوق المالية، فإن الخسائر المسجلة ستؤدي إلى انخفاض أسعار أسهم المصارف، ما يجعل أي عملية إعادة رسملة عبر طرح أسهم جديدة مكلفة أو شبه مستحيلة دون دعم حكومي.
وأوضح أن الآثار الماكرو اقتصادية والمالية ستكون واسعة، إذ سيؤدي تقلص القناة المصرفية للتمويل إلى إضعاف الاستثمار الخاص وتعطيل التعافي الاقتصادي. كما أن تآكل ثقة الجمهور قد يدفع المودعين إلى سحب ودائعهم أو تحويلها إلى أصول بديلة كالنقد الأجنبي أو الذهب، ما يفاقم الطلب على الدولار ويدفعه نحو مستويات مقلقة.
وبيّن أن تدهور سوق رأس المال المحلي يعني خسائر مزدوجة للمستثمرين نتيجة فقدان الودائع وتراجع قيمة الأسهم، ما يؤدي إلى انخفاض السيولة في بورصة دمشق وتراجع قدرة الشركات المصرفية على تعبئة الموارد. كذلك، فإن تأثير هذه الخسائر على المالية العامة خطير، إذ إن فقدان مرجع قيمي يعادل نسبة كبيرة من الموازنة سيعيد فتح نقاشات حول تدابير مالية طارئة وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام.
وطرح قوشجي بدائل عملية لتعويض الخسائر دون إعدام الودائع السورية في المصارف اللبنانية، من أبرزها:
إعادة رسملة مستهدفة للمصارف المتأثرة عبر ضخ رسملة مباشرة من الخزينة العامة أو مساهمات استثنائية من المؤسسات المالية العامة، على أن تُربط بشروط حوكمة وشفافية ومراجعات مالية مستقلة. كما دعا إلى إصدار سندات تحويلية طويلة الأجل لتعويض رأس المال للمصارف بعوائد مناسبة تُسدد على مدى زمني طويل، ما يمنح البنوك مساحة للتعافي.
وأشار إلى أهمية دور الحكومة كضامن جزئي عبر منح ضمانات سيادية للتصفيات أو استرداد الأصول، وفتح قنوات تفاوضية مع نظيرات لبنانية أو أطراف ثالثة لاسترداد أو إعادة هيكلة الأرصدة المتضررة. كما دعا إلى تحويل الخسائر إلى أصول وطنية قابلة للتنمية، من خلال مبادلتها بحقوق أو مشاريع بنية تحتية تحقق عوائد مستقبلية.
وبيّن قوشجي أهمية إنشاء سوق ثانوي لبيع محفظة الموجودات المتضررة لمستثمرين متخصصين يمنح المصارف سيولة آنية ويخفض مستوى المخاطر. كما شدد على ضرورة حماية المودعين الصغار من خلال ضمان حكومي مؤقت أو برامج دعم مباشر لتجنب ذعر السحب.
وفيما يخص الخطوات التنفيذية، أوضح قوشجي أن الخطة يجب أن تُقسم إلى مراحل:
خطة عاجلة خلال ثلاثة أشهر تتضمن الإفصاح الكامل عن حجم التعرض والخسائر، وتفعيل خط تمويل طارئ من المصرف المركزي، وحماية ودائع الأفراد الصغيرة فوراً.
وخطة متوسطة من 3 إلى 12 شهراً تشمل تصميم وإصدار سندات تحويلية وبدء عملية إعادة الرسملة، إضافة إلى إطلاق آليات تسوية قانونية مع المصارف اللبنانية.
أما على المدى الطويل، فتكون بين 12 و36 شهراً، وتتضمن إصلاح الإطار التنظيمي وإعادة هيكلة إدارة المخاطر الدولية وتعزيز عمق سوق رأس المال المحلي.
وأضاف أن تطبيق آليات إعادة الرسملة والسندات التحويلية سيحد من الانهيار الحاد في أسعار أسهم المصارف، بينما سيساعد على حماية المودعين الصغار من تقليل موجة سحب الودائع ومنع تآكل السيولة المصرفية. كما أن زيادة الشفافية والإفصاح المالي تمنح المستثمرين رؤية أوضح لآفاق التعافي، ما يعزز استقرار السوق على المدى المتوسط.
وحذّر قوشجي من وجود مخاطر وقيود تواجه تنفيذ هذه الإجراءات، أبرزها محدودية القدرة المالية للحكومة لتغطية خسارة تعادل 60% من الموازنة، وارتفاع تكلفة التمويل الخارجي، إضافة إلى ضرورة توافر مصداقية مؤسسية لتطبيق معايير الحوكمة والرقابة.
وختم الدكتور إبراهيم نافع قوشجي بالتأكيد على أن الحل يكمن في التدرج في التعويض وليس التعويض الفوري الكامل، مع التركيز على حماية الفئات الضعيفة، والالتزام بأعلى درجات الشفافية في الإفصاح المالي، وتنويع أدوات السوق لامتصاص الصدمات المستقبلية.
وشدد على أن تطبيق هذه الحزمة المتكاملة يمكن أن يمنع انهيار النظام المالي، ويحمي المودعين، ويعيد بناء الثقة تدريجياً في القطاع المصرفي وسوق الأوراق المالية، دون الإضرار بالتوازن المالي للدولة.
الوطن 
المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=126&id=203460