مع انطلاق الحكومة بخطة رفع الرواتب والاجور
متخصصون :الأأسرة السورية في حاجة إلى 2000 دولار لتعيش بكرامة والى الف دولار لتأكل وتشرب وتتنقل



 

سيرياستيبس :

من المقرر تنفيذ خطة زيادة الرواتب التي أعلنتها وزارة المالية السورية على ثلاث مراحل، نفذت المرحلة الأولى منها برفع الرواتب 200 في المئة وهذه الزيادة مُولت من موارد محلية في ظل معطيات رسمية تشير إلى ارتفاع التحصيل الجمركي والإيرادات الضريبية.

تبدأ الحكومة السورية اعتباراً من بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل صرف دعم رواتب موظفيها ممولة من منحة خليجية بمعدل 29 مليون دولار شهرياً بإجمال 89 مليون دولار على مدى ثلاثة أشهر، وتهدف المنحة إلى ضمان استمرارية الخدمات العامة الأساسية من خلال المساعدة في تغطية جزء من رواتب موظفي الحكومة يصل إلى 17 في المئة.

يأتي ذلك في وقت تعمل فيه الحكومة السورية الحالية على خطة لرفع الرواتب والأجور في البلاد وانتشالها من الوضع الذي ورثته من النظام السابق، إذ صُنف راتب الموظف الحكومي في سوريا بين أقل الرواتب على مستوى العالم ولا يكفي إلا لبضعة أيام وحسب بسبب الغلاء والتضخم، إذ بلغ التضخم التراكمي ما بين عامي 2011 و2024 نحو 16 ألفاً في المئة، هذا إلى جانب تدني قيمة الليرة السورية وضعف القدرة الشرائية لغالبية السكان الذين يقبع 90 في المئة منهم عند خط الفقر.

من المقرر تنفيذ خطة زيادة الرواتب التي أعلنتها وزارة المالية السورية على ثلاث مراحل، نفذت المرحلة الأولى منها برفع الرواتب 200 في المئة وهذه الزيادة مولت من موارد محلية، في ظل معطيات رسمية تشير إلى ارتفاع التحصيل الجمركي والإيرادات الضريبية بصورة واضحة، بل إن وزير المالية السوري محمد يسر برنية قال في منشور له أخيراً، إن "حصيلة الرسوم الجمركية في شهر واحد باتت تعادل ما كان يجبى خلال عام ونصف العام في عهد النظام السابق، وذلك نتيجة مكافحة الفساد وتعزيز الإدارة". وأبعد من ذلك كان لافتاً ما تحدث عنه كل من وزيري المالية وحاكم مصرف سوريا المركزي خلال مشاركتهما في اجتماعات البنك الدولي قبل أيام، عندما أكد توقف الحكومة السورية عن التمويل بالعجز، ووفقاً لحاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر حصرية فإن وزارة المالية لم تستدن من المصرف المركزي منذ سقوط النظام وحتى الآن، في حين قال وزير المالية "موازنة سوريا في عام 2025 ستنتهي إما بفائض قليل أو بعجز قليل" .

زيادات نوعية تستهدف "العدل" و"التعليم" و"الصحة"

المرحلة الثانية في خطة زيادة الرواتب والأجور ستنفذ في العام المقبل، ويبدو لافتاً التركيز على الزيادات النوعية التي تستهدف قطاعات معينة تعكس رغبة الحكومة في مكافحة الفساد ورفع كفاءة بعض القطاعات الرئيسة، فعملت أولاً على زيادة رواتب العاملين في وزارة العدل انطلاقاً من فكرة أن القضاء العادل أول قاعدة يجب توفرها لدخول الاستثمارات ولضمان استقامة العمل الاقتصادي ومكافحة الفساد وإحلال العدل، وتخطط الحكومة أيضاً لإجراء زيادات نوعية على رواتب قطاعي التعليم والصحة في تأكيد منها أن هناك اهتماماً بالقطاعين المهمين، إذ تعتبر الحكومة أن النهوض بقطاعي الصحة والتربية والتعليم يعني النهوض بالبلاد.

الزيادات النوعية تستهدف أيضاً الدفاع والرقابة والأمن في سياق النهوض بمستوى الرواتب والأجور ورفع القدرة الشرائية، إلى جانب منح امتيازات في بعض المناطق النائية وصولاً إلى ضمان مستوى دخل يكفل حياة كريمة لموظفي الدولة وأسرهم من دون أن يكون هناك أثر تضخمي للزيادات المقررة في الرواتب.

النظام السابق فكك منظومة الدعم... فزاد فقر الناس

وتشكل عملية زيادة الرواتب تحدياً كبيراً أمام الحكومة السورية الحالية، إذ لا يبدو إصلاح نظام الدخول بالأمر السهل بخاصة أن الرواتب شهدت على مدى أعوام الحرب خفضاً على رغم خضوعها لزيادات عدة والسبب كان الغلاء وتراجع قيمة الليرة السورية، والأهم كان تفكيك منظومة الدعم الاجتماعي التي كثيراً ما كانت إحدى ركائز استقرار الدولة في العقود الماضية، بل ودعماً لمعيشة السكان، إذ لجأ النظام السابق إلى تفكيك ممنهج لمنظومة الدعم الاجتماعي بحجة ارتفاع موازنة الدعم والفساد الكبير الذي يشوبه والعجز عن توفير الأموال اللازمة له نتيجة نقص الموارد وعقوبات "قانون قيصر" وخضوع آبار النفط لسلطة "قسد" واضطرار الدولة إلى استيراد المشتقات النفطية بفاتورة ترتب عليها ديون خارجية كبيرة، خصوصاً إلى إيران، إلى جانب استيراد القمح الذي بلغت فاتورته السنوية 550 مليون دولار وفقاً لأرقام رسمية.

وبعد عام 2019، بدأ توجه النظام السابق نحو تقليص مبالغ الدعم، ولم يعد الأمر إعادة هيكلة بقدر ما كان توجهاً نحو إلغاء حقبة الدعم السلعي، ولو استمر النظام السابق ربما لكان بدأ السير في اتجاه تقليص الدعم عن القطاعات الخدمية الأساسية التي تدعمها الدولة وتوفرها مجاناً كالتعليم والصحة.

يذكر هنا أن منظومة الدعم دخلت في مسار قاس جداً على الناس، مع تقليص النظام السابق الدعم السلعي فحررت البنزين وقللت كميات مازوت التدفئة المدعوم إلى 50 ليتراً لكل أسرة وسط عجز عن توزيعها في كثير من المناطق، لكن السياسة الأشد كانت في خضوع السلع المقننة نفسها إلى عملية رفع أسعار وإلى سياسة تقتير عبر إعطاء المواطنين كميات لا تكفيهم حتى لأسابيع قليلة وأحياناً لأيام في المناطق الباردة، مما أدى إلى انتعاش سوق سوداء متوحشة قادتها الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام السابق، وعاماً بعد عام توسعت هذه السوق وازداد بطشها بالمواطن الفقير ذي الدخل المحدود.

إلى ذلك، تشير دراسة محلية إلى أن 50 في المئة من الأسر السورية لم تكن تحصل على مخصصاتها من المازوت المدعوم، وإذا حصلت عليها كانت تلجأ إلى بيعها في السوق السوداء لتلبية حاجات أخرى للأسرة على اعتبار أنها لا تكفي إلا لأيام. في حين كانت الغابات مقصداً لعشرات آلاف من الأسر للحصول على الحطب للتدفئة، وأكثر من ذلك كان أصحاب السيارات الخاصة وأمام ارتفاع أسعار البنزين يلجأون إلى بيع مخصصاتهم من المادة واللجوء إلى استخدام وسائط النقل العامة.

لولا سقوط النظام لكانت البلاد أمام ثورة يقودها الجياع

لقد برع النظام السابق في استغلال العقوبات لتبرير عدم إعطاء رواتب جيدة، ولممارسة سياسة التقتير على الناس وتعظيم معاناتهم مع البرد والجوع، بينما كانت النخبة الثرية تحصل على كل شيء من أحدث إصدارات الموبايلات إلى الكافيار على رغم وجود العقوبات التي تمنع استيرادها.

ويقول متخصصون سوريون إنه لولا سقوط النظام لكانت البلاد أمام ثورة يقودها الجياع، مشيرين إلى أن "الأموال التي كانت تذهب إلى الفاسدين كانت تكفي لتحقيق زيادة على الرواتب 500 في المئة".

10 أضعاف الراتب الحالي

مع الأيام الأولى لتولي الإدارة الجديدة عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد تم التسويق لفكرة زيادة الرواتب 500 في المئة، واستبشر الناس خيراً، وبالفعل نفذت الزيادة بمقدار200 في المئة، وزاد الحد الأدنى للراتب إلى 750 ألف ليرة (68 دولاراً).

ولكن ومع أهمية الزيادة التي حصلت والتي ينتظر أن تحصل، ما زالت الرواتب في سوريا عاجزة عن تلبية حاجات الأسرة حتى في القطاع الخاص، كل ذلك في وقت تقلصت فيه منظومة الدعم السلعي وتحرير أسعار الغاز والمشتقات النفطية ورفع سعر الخبز من 400 ليرة (3.7 سنت) إلى 4 آلاف ليرة (37 سنتاً)، بينما يجري الحديث عن خطة لرفع أسعار الكهرباء حتى 800 في المئة.

هذا يعني أن فاتورة كلف المعيشة إلى ارتفاع وموازنة الأسرة السورية إلى مزيد من العجز، مما يشير إلى أن خطة زيادة الرواتب قد تبدو ربما عاجزة بالصورة المطروحة عن تلبية معيشة الأسرة التي تحتاج إلى عشرة أضعاف الراتب الحالي، في حين بين "مؤشر قاسيون" المحلي والمتخصص في حساب كلف المعيشة في سوريا أن الحد الأدنى المطلوب لتغطية كلف المعيشة الأساسية بلغ 7.1 مليون ليرة سورية شهرياً، وباحتساب سعر الصرف الرسمي، فإن هذا الرقم يعادل نحو 645 دولاراً، مما يعني أن الحد الأدنى الرسمي الجديد للأجور والبالغ 68 دولاراً يجب أن يتضاعف نحو تسع مرات ونصف المرة كي يستطيع تلبية الحد الأدنى لكلف المعيشة بحسب المؤشر السوري.

الغلاء محلي وأرباح التجار جففت جيب المواطن

ومع تباين تقديرات حاجة الأسرة السورية شهرياً لتغطية حاجاتها الأساسية، يرى أمين سر جمعية حماية المستهلك في سوريا عبدالرزاق حبزة، أن "الأسرة السورية المكونة من خنسة أشخاص تحتاج إلى ما بين 700 و800 دولار شهرياً لتأكل وتشرب وتستخدم النقل العام وحسب، بينما تحتاج إلى 2000 دولار لتعيش حياة كريمة بحيث تكون قادرة على تلبية حاجاتها الأخرى لكن من دون أن يشمل ذلك المدارس والمشافي الخاصة والترفيه. وأضاف أن "انحدار مستوى المعيشة في سوريا بتلك الصورة الذي يمكن أن نصفه بالمقلق والخطر بدأ منذ عام 2020 عندما ارتفع سعر الدولار بصورة كبيرة وازداد توحش الأسواق وانتشر الغلاء واستفحل التضخم". وتابع حبزة "شهدنا بعد سقوط النظام بعض الانخفاض في الأسعار ولكن الآن عاد الغلاء ليفرض نفسه على السوريين بقسوة"، مشيراً إلى أن الغلاء في الجزء المهم منه محلي ناتج عن ميل التجار إلى فرض أرباح فاحشة، قائلاً "كنا نتوقع مع تطبيق اقتصاد السوق الحر انخفاضاً في الأسعار نتيجة تحقق المنافسة ولكن عدم وجود ثقافة الأسواق الحرة والتعلم على التسعير والأرباح الفاحشة التي تصل أحياناً إلى 200 في المئة، كل ذلك فرض حالاً من الغلاء التي امتصت زيادة الرواتب التي قامت بها الحكومة".

وحول أسباب الغلاء كشف حبزة "ارتفاع أجور النقل بين الأسواق والمناطق والمدن والفارق الكبير في الأسعار بين الحلقات التجارية أي بين المستورد أو المنتج وتاجر الجملة والمفرق، إلى جانب لجوء التجار إلى درجة كبيرة من التحوط لضمان عدم خسارة أموالهم عند ارتفاع سعر الصرف، مما يعني أن التسعير حالياً يتم على دولار يتراوح ما بين 14 و15 ألف ليرة وربما أكثر"، لافتاً إلى أن بعض قرارات الحكومة أدت إلى الغلاء مثل تحرير أسعار المشتقات النفطية والغاز ورفع أسعار الخبز، إذ باتت الأسرة المكونة من خمسة أشخاص في حاجة إلى ربع الراتب لشراء الخبز وحسب، محذراً من أن رفع أسعار الكهرباء إن حدث كما هو متوقع سيجلب معه مزيداً من الغلاء والضغط على معيشة الأسرة السورية. ووصف المستهلك المحدود الدخل بأنه في الحضيض حالياً نتيجة الغلاء وعدم كفاية الدخل، بخاصة أن الراتب الحالي للموظف الحكومي يكفي بالحد الأعلى أربعة إلى خمسة أيام وإذا كانت الأسرة شديدة الترشيد قد يكفيها أسبوع للطعام والشرب وحسب. حبزة طالب الحكومة السورية بإصلاح سلم الرواتب والأجور ومراعاة ارتفاع الأسعار عند القيام بتحسين الرواتب وعدم فرض رسوم على الناس، خصوصاً الفقراء الذي يشكلون غالبية الشعب.

زيادة الرواتب تعزز قدرة الأسرة على شد الأحزمة

من جانبها، تقول مها زيدان (مدرسة رياضيات بمدرسة حكومية في دمشق) إن "زيادة الرواتب التي قامت بها الحكومة لا تلبي حاجات الأسرة ولكنها عززت قدرة الأسرة على شد الأحزمة بصورة فضلى"، مضيفة في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "أنا وزوجي نعمل في التعليم وإذا حصلنا على زيادة نوعية وفقاً لخطة وزارة المالية، فيمكن أن يرتفع دخلنا كأسرة إلى 600 دولار، وهذا الدخل لم نكن لنحلم به في عهد النظام السابق وسيساعدنا على مواجهة الحياة بصورة أكثر كفاءة"، مستدركة "لكنه حكماً لا يكفي في ظل كل هذا الغلاء".

أما يحيى المنجد وهو موظف حكومي فقال "المهم في الأمر أننا ننتظر زيادة في الرواتب، أما إذا كان الراتب يكفي فلا أعتقد حتى وإن أصبح 300 أو 400 دولار"، مضيفاً "أنا في حاجة إلى 1000 دولار في الأقل لألبي حاجات أسرتي، إذ إن أولادي في مرحلة التعليم الجامعي ويحتاجون إلى مصاريف كبيرة، لذلك أعمل محاسباً في شركة بعد الظهر وسأستمر لأن راتب الدولة لا يكفي".

بناء سلم أجور عادل يضمن حياة كريمة للجميع

يؤكد متخصصون سوريون أنه لا يمكن إنجاز أي زيادة في الأجور والرواتب وجعلها ذات أثر ملموس في حياة الناس إلا من خلال ربط الأجور بالأسعار، والتأكد من أن الأجر الذي يحصل عليه الموظف أو في الأقل الأسرة كافٍ لتغطية حاجاتها في الطعام والشراب واللباس والدفء والنقل والتعليم بالحد الأدنى هذا، مشيرين إلى أن كل ما تفعله الحكومة جيد سواء لجهة زيادة الأجور والرواتب بما في ذلك الاستهداف النوعي لبعض القطاعات لحمايتها من الفساد،  إلى جانب الانفتاح المالي وتقليل عجز الموازنة وزيادة الإيرادات، إلا أن كل ذلك لن يثمر برأيهم إذا لم تبادر الحكومة إلى دعم الإنتاج في شقيه الصناعي والزراعي والعمل على توفير البيئة الاستثمارية المناسبة والمحفزة.

من جهته قال المتخصص في شؤون الأسواق عادل وطفة إن "المطلوب من الحكومة هو بناء سلم أجور عادل يضمن حياة كريمة لجميع الفئات، والعمل على رفع الحد الأدنى للأجور وتفحص الأسواق والأسعار قبل أي عملية رفع للرواتب، لأنه يجب الأخذ بمقياس الأسعار بصورة كاملة والتـأكد من أن الرواتب قادرة عل مجاراتها بخاصة في حالات الارتفاع"، مؤكداً أن "الوصول إلى مستوى معيشي كريم للمواطنين يجب أن يكون وفق رؤية شاملة تتجاوز مجرد تأمين الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة، لتشمل توفير خدمات صحية وتعليمية جيدة، وضمان سكن ملائم، وفرص عمل مستقرة بأجور تكفل العيش الكريم". وشدد على ضرورة دراسة المتغيرات الاقتصادية الاجتماعية والعمل بصورة دائمة على تخفيف الأعباء الضريبية عن كاهل المواطن، وتجنيب محاولة إرهاقه برسوم مجحفة وغير عادلة وتوجيه التركيز نحو الأغنياء والفئات الثرية.

اندبندنت عربية

https://www.independentarabia.com/node/634762/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9/%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82-%D8%AA%D8%AA%D8%A8%D9%86%D9%89-%D8%AE%D8%B7%D8%A9-%D9%84%D8%B1%D9%81%D8%B9-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D9%85%D9%88%D8%B8%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=126&id=203399

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc