أين اختفى رموز نظام الأسد وكيف يعيشون حياتهم؟
17/10/2025
سيرياستيبس :
بعد 10 أشهر من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تطرح الأسئلة حول مصير أركان نظامه المتهم بارتكاب جرائم بحق ملايين السوريين طوال 14 عاماً من الحرب الأهلية. ويكشف تحقيق مطول لصحيفة "نيويورك تايمز" عن أن 55 شخصاً من أبرز مسؤولي وعسكريي النظام السابق هربوا من سوريا بطرق مختلفة، وأن كثراً منهم استقروا في روسيا، على خطى الرئيس المخلوع.
الهروب الكبير
في السابع من ديسمبر (كانون الأول) عام 2024، أوهم بشار الأسد مساعديه بأنه منشغل في مكتبه في القصر الرئاسي لإعداد خطة التصدي لفصائل المعارضة مع مستشاريه الروس والإيرانيين، وبينما كانت تزداد التكهنات حول احتمال هروبه، كان مساعدوه يؤكدون للجميع أن الأسد ما زال في القصر، وفق التحقيق الذي أجرته "نيويورك تايمز".
لكن بعد ساعات لاحظ كبار المساعدين أن بشار اختفى من القصر الرئاسي فتتبعوه إلى منزله، وتلقوا الخبر الصادم ومفاده بأن مسؤولين روساً نقلوا بشار برفقة ابنه ومساعده الشخصي في موكب مؤلف من ثلاث سيارات رباعية الدفع. ولم يستدعِ الرئيس المخلوع للفرار معه سوى مستشارَين ماليين، لتمكينه من الوصول إلى أصوله المالية في روسيا.
وعندما علم مساعدو الأسد بمغادرته جواً باتجاه قاعدة حميميم الخاضعة للسيطرة الروسية تمهيداً للسفر إلى روسيا، بدأت الموجة الأولى من الهروب الكبير لأركان النظام السابق، وبعد منتصف ليل الثامن من ديسمبر (كانون الأول) عام 2024، تجمع العشرات منهم مع أسرهم في الشق العسكري من مطار دمشق الدولي، حيث ركبوا طائرة صغيرة تابعة للخطوط الجوية السورية، وفق رواية أحد الركاب ومسؤولين سابقين.
ودخل مسؤولو النظام الفارون قاعدة حميميم وفي حوزتهم حقائب مليئة بالنقود والذهب، بينما كانت الأزياء العسكرية السورية الممزقة مبعثرة على الأرض، وفق شهود عيان في القاعدة، وسارع بعضهم إلى التنسيق مع الضباط الروس، لنقلهم جواً إلى موسكو خلال الساعات والأيام التالية.
وقال أحد كبار المسؤولين لأحد أقاربه مستذكراً تلك الليلة للصحيفة "لقد رحل،" ثم أمر عائلته "احزموا حقائبكم وتوجهوا إلى وزارة الدفاع في ساحة الأمويين". وهناك، انضم المسؤول وعائلته إلى عدد من الضباط الأمنيين الآخرين مع أسرهم، ليلتحقوا بالرحلة التي رتبها مدير استخبارات سلاح الجو قحطان خليل للهروب على متن طائرة باتجاه قاعدة حميميم.
غادرت الطائرة وهي من طراز "ياك-40" مطار دمشق نحو الساعة الـ1:30 فجراً في الثامن من ديسمبر واستذكر أحد ركابها من مسؤولي القصر السابقين إن جميع الركاب كانوا "في حال هلع تام"، مضيفاً أن "الرحلة لا تستغرق أكثر من 30 دقيقة، لكن في تلك الليلة شعرتُ وكأننا نطير إلى الأبد".
ومن بين الهاربين مدير استخبارات سلاح الجو قحطان خليل المتهم بالمسؤولية المباشرة عن واحدة من أبشع مجازر الحرب الأهلية، ووزيرا الدفاع السابقان علي عباس وعلي أيوب، الخاضعان للعقوبات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان، إضافة إلى رئيس الأركان عبدالكريم إبراهيم، المتهم بالسماح بالتعذيب وممارسة العنف الجنسي ضد المدنيين.
وتسعى الحكومة السورية إلى إقناع روسيا بتسليم بشار الأسد، غير أن موسكو ترفض ذلك بشدة، وتشير تقارير إعلامية إلى أن قضية تسليم الأسد كانت من بين الملفات التي ناقشها الرئيس السوري أحمد الشرع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو.
فرار بالطائرات والزوارق الفاخرة
خلال الأيام الأخيرة للنظام، شكلت دمشق ومطارها الدولي ومقار وزارة الدفاع والسفارة الروسية والنقطة الساحلية في قاعدة حميميم الجوية، المحاور الأساسية لعمليات الهروب، إذ فر عدد من أركان النظام السابق على متن الطائرات، واستقل آخرون زوارقهم الفاخرة عبر البحر باتجاه منازلهم الساحلية، بينما غادر آخرون في مواكب من السيارات الفارهة، من دون أن يكتشف مقاتلو الفصائل هويتهم، كما احتمى بعضهم داخل السفارة الروسية التي ساعدت في تهريبهم إلى موسكو.
وفي أحد أجزاء دمشق كان ماهر الأسد، الرجل الأقوى في سوريا بعد شقيقه بشار، يسابق الزمن لترتيب رحلة الهروب، فاتصل بصديق للعائلة وأحد شركائه التجاريين، وحثهما على مغادرة منزليهما فوراً والانتظار في الخارج، وبعد لحظات استقل سيارته واصطحبهما بسرعة ليلحق برحلته الخاصة.
تقول "نيويورك تايمز" إن ماهر يعيش حياة مترفة في منفاه في موسكو، برفقة بعض قادته الكبار السابقين مثل جمال يونس، بحسب روايات مسؤولين في عهد النظام وشركاء تجاريين ما زالوا على تواصل معهم، فضلاً عن أدلة فيديو تحققت منها الصحيفة.
وفي المنفى الروسي أيضاً العميد غياث دلة الذي شاركت قواته في قمع الاحتجاجات، وكان من الضباط الذين خططوا لهجمات في لبنان، وهو الآن ينسق من موسكو مع قادة النظام السابقين مثل سهيل الحسن وكمال الحسن، وفقاً لقادة عسكريين سابقين شاركوا رسائل نصية مع صحيفة "نيويورك تايمز".
أما مدير الاستخبارات العامة السورية حسام لوقا، فكان يستعد للفرار عند الساعة الثانية صباحاً، وأمر محاسب الجهاز بفتح الخزنة ثم أخذ كل ما فيها من أموال أي نحو 1.36 مليون دولار. وقال أحد أصدقائه الذي اتصل به مراراً تلك الليلة لطلب تحديثات، إن لوقا كان يطمئنه دائماً بأن "لا داعي للقلق". لكن عند الساعة الثانية صباحاً، رد لوقا على الاتصال على عجل، ليقول فقط إنه يستعد للفرار. وبعد ساعة، دخل ضباطه إلى مكتبه ليكتشفوا أنه غادر من دون أن ينطق بكلمة واحدة.
السفارة الروسية
أما كمال الحسن، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، المتهم بالإشراف على الاعتقالات الجماعية والتعذيب والإعدامات الميدانية للموقوفين، فكان فراره أصعب من غيره، إذ إنه أصيب بجروح بتبادل لإطلاق النار مع مقاتلي المعارضة أثناء محاولته مغادرة منزله في أحد ضواحي دمشق كانت تعرف سابقاً باسم "قرى الأسد" وهي منطقة كان يقيم فيها كثير من رموز النظام. وهرب الحسن بالتسلل من منزل إلى آخر، وفقاً لما رواه صديقه والمسؤول السابق، قبل أن يتمكن في النهاية من الوصول إلى السفارة الروسية التي آوته.
مسؤول آخر لجأ إلى السفارة الروسية هو علي مملوك، مدير الأمن الوطني المتقاعد الذي خدم خلال عهد الأسدين، ويعرف بأنه الصندوق الأسود للنظام. عرف مملوك بانهيار النظام عبر مكالمة هاتفية قرابة الساعة الرابعة فجراً. وحين حاول الالتحاق بمسؤولين آخرين متوجهين إلى المطار، تعرض موكبه لهجوم قال المصدران إنه كان كميناً مسلحاً. ولم يكن واضحاً من نفّذ الهجوم، لكنهم أوضحوا أن مملوك كان لديه أعداء كثر.
أما اللواء السابق بسام حسن، المتهم بالتورط في هجمات النظام بالأسلحة الكيماوية، فتمكّن من الفرار عبر لبنان إلى إيران بمساعدة مسؤولين إيرانيين. ومنذ ذلك الحين، عاد لبيروت بموجب اتفاق يقضي بتزويد أجهزة الاستخبارات الأميركية بمعلومات، وفق مقربين منه قالوا أن حسن يمضي وقته هذه الأيام في المقاهي والمطاعم الفاخرة برفقة زوجته.
أما عمرو الأرمنازي الذي أشرف على برنامج الأسد للأسلحة الكيماوية، فاكتشف مراسلو "نيويورك تايمز" أنه لا يزال يعيش في منزله بدمشق.
ووصف صديق لعدد من كبار مسؤولي النظام السابق حياتهم الجديدة في المنفى، مشيراً إلى أنهم يشربون الويسكي ويلعبون الورق في موسكو، ونسوا تماماً سوريا.
تحديات المحاسبة
بعد انهيار النظام، تواجه سوريا تحدياً صعباً في تتبع من ارتكبوا بعضاً من أسوأ الجرائم في هذا القرن ومحاسبتهم، وتحاول الحكومة السورية الوليدة تحديد أماكن الفارين من خلال المخبرين واختراق الهواتف والحواسيب، أو الأدلة التي عثر عليها داخل مقار النظام المهجورة.
ومع ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن عدداً من الشخصيات في النظام السابق قالوا إن هناك تفاهماً ضمنياً بين بعض قادة المعارضة يقضي بتخفيف الصدام مع الموالين للنظام الفارين نحو الساحل السوري، حيث تقطن الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد والتي جُنّد منها عدد كبير من عناصر الأجهزة الأمنية.
لكن هؤلاء المسؤولين متمرسون في الاختباء وتغيير هوياتهم، ومن بين أكثر الأشخاص مراوغة في العالم، وفق الصحيفة، فقد استحوذ كثرٌ منهم على سلطات هائلة لعقود، ومع ذلك ظلوا مجهولين بأسماء وهمية، وفي بعض الحالات بملامح غير معروفة، مما أدى إلى أخطاء ضمن تقارير وسائل الإعلام وقوائم العقوبات وقوائم إنفاذ القانون، ومن المرجح أن ذلك ساعد بعضهم في التملص من السلطات السورية والأوروبية منذ سقوط الأسد.
اندبندنت عربية
المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=145&id=203328