النقد الدولي: الاقتصاد العالمي في حال اضطراب والآفاق لا تزال قاتمة
15/10/2025




سيرياستيبس 

حذر صندوق النقد الدولي من أن الاقتصاد العالمي أبدى صموداً غير متوقع أمام الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لكنه شدد على أن التأثير الكامل لهذه السياسات لم يظهر بعد وأن آفاق النمو العالمي لا تزال قاتمة.

وخلال تقريره "آفاق الاقتصاد العالمي"، عدل الصندوق توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2025 إلى 3.2 في المئة، ارتفاعاً من ثلاثة في المئة عبر تقديراته السابقة في يوليو (تموز) الماضي، بينما تظل أرقامه لعام 2026 من دون تغيير عند 3.1 في المئة، مع بلوغ معدل النمو نحو 1.5 في المئة في الاقتصادات المتقدمة وأعلى قليلاً من أربعة في المئة ضمن اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.

ورجح الصندوق استمرار تراجع التضخم عالمياً، مع وجود بعض التفاوتات بين البلدان، إذ يتجاوز المستهدف في الولايات المتحدة وسط احتمالات بتجاوز التوقعات، بينما يواصل انخفاضه في بلدان أخرى.

وقال إن الرسوم الجمركية الأميركية كانت أقل حدة مما كان يخشى بعد إعلان ترمب المعروف بـ"يوم التحرير" في أبريل (نيسان) الماضي، مشيراً إلى أن تأثيرها خفف موقتاً بسبب تسريع الأسر والشركات استهلاكها قبل تطبيق الرسوم.

لكن التقرير أبرز سلسلة من الأخطار التي تهدد آفاق الاقتصاد العالمي، بما في ذلك خطر تباطؤ النمو الأميركي نتيجة تشديد سياسات الهجرة في واشنطن، وارتفاع تقييمات الأسهم إلى مستويات مبالغ فيها، إضافة إلى أن التأثير الكامل للرسوم الجمركية بدأ يظهر تدريجاً وحسب.

وأشار الصندوق إلى أنه على رغم الصمود الظاهر الناتج من التشوهات التجارية في بعض البيانات الأخيرة والتقلبات الكبيرة في توقعات النمو بسبب السياسات التجارية المتذبذبة، فإن آفاق الاقتصاد العالمي لا تزال قاتمة على المديين القصير والطويل.

وبصورة خاصة، وحال استمرار سياسات ترمب في تشديد الهجرة إلى الولايات المتحدة، فمن الممكن أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة تراوح ما بين 0.3 في المئة و0.7 في المئة، بينما قد تشهد الصناعات الأكثر تأثراً ارتفاعاً حاداً في التضخم.

وأعاد التقرير الذي أطلقه كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي بيير أوليفييه غورينشا اليوم الثلاثاء تأكيد تحذيرات المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، من أخطار تصحيح أسعار الأسهم وتراجع الاستثمار إذا أعادت السوق تقييم العوائد المتوقعة من الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وأشار الصندوق إلى أن المستثمرين لم يتأثروا بصورة كبيرة بالاضطرابات السياسية الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع تقييمات الأسهم، مضيفاً أن أي انخفاض في أسعار الأسهم قد يؤدي إلى تراجع حاد في الاستثمار الكلي.

النمو مرشح للتراجع مع تصاعد الحمائية
وحذر الصندوق من أن الأخطار المحيطة تنذر بتطورات سلبية، فقد يتراجع النمو بفعل حال عدم اليقين في ظل تصاعد  الرسوم الحمائية وصدمات عرض العمالة، ويمكن أن تؤدي مواطن الضعف في المالية العامة والتصحيحات المحتملة في الأسواق المالية وتآكل المؤسسات إلى تهديد الاستقرار.

وقال صندوق النقد الدولي إن التوقعات تشير إلى استمرار تراجع التضخم الكلي، وإن ظل متجاوزاً المستهدف في بعض البلدان، في حين تنذر الأخطار المحيطة بالآفاق بتطورات سلبية ومن شأن تفاقم صدمات عرض العمالة عن المتوقع أن يحد من النمو، ولا سيما في الاقتصادات التي تعاني شيخوخة السكان ونقص المهارات. وقد تتفاعل مواطن ضعف المالية العامة وهشاشة الأسواق المالية مع تزايد كلفة الاقتراض وارتفاع أخطار تجديد ديون الكيانات السيادية.

وحذر من أن إمكان إعادة التسعير المفاجئة لأسهم الشركات التكنولوجية قد يقود إلى تهديد الاستقرار المالي الكلي.

إشادة بالسلام في المنطقة
ورحب غورينشا خلال مؤتمر صحافي أعقب إطلاق التقرير بالسلام الأخير في المنطقة بين إسرائيل وحركة "حماس"، قائلاً "نرحب بالطبع بالتطورات التي شهدناها خلال الأسابيع الأخيرة، وإعلان المرحلة الأولى من خطة سلام من شأنها أن تحقق بعض الاستقرار الاقتصادي والسياسي في هذه المنطقة، وهو إنجاز كبير".

وأوضح أنه بالنسبة إلى المنطقة ككل، وليس مصر فقط، جرى بالفعل رفع التوقعات الاقتصادية، ويشمل ذلك دولاً مصدرة للنفط بصورة جماعية، نتيجة تخفيف القيود الطوعية على الإنتاج في السعودية، وكذلك دولاً مستوردة للنفط، إذ لوحظ تأثير إيجابي لأسعار السلع المنخفضة نسبياً، فضلاً عن قوة التحويلات المالية من العاملين في الخارج والقطاع السياحي القوي.

صندوق النقد يرفع توقعاته للاقتصاد السعودي
ورفع الصندوق نمو الاقتصاد السعودي إلى أربعة في المئة للعام الحالي، بزيادة قدرها 0.4 نقطة مئوية عن تقديراته السابقة، مشيراً إلى استمرار تعافي الاقتصاد بدعم من قطاعي الطاقة والاستثمارات غير النفطية.

وأوضح الصندوق أن بياناته تستند إلى سياسات الحكومة السعودية المعلنة في موازنة عام 2025، فضلاً عن الإعلانات الرسمية الأخيرة، كما تعتمد تقديرات إيرادات صادرات النفط على افتراضات أسعار النفط الأساسية في التقرير، وعلى فهم خبراء الصندوق لتعديلات الإنتاج ضمن تحالف "أوبك+"، إضافة إلى الخفوض الأحادية المعلنة من جانب المملكة.

وأكد الصندوق أن إلغاء خفوض إنتاج النفط في السعودية جاء بوتيرة أسرع من المتوقع، مما دعم رفع التقديرات للنمو.

وأشار التقرير إلى أن نمو منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى مرشح للتسارع من 2.6 في المئة عام 2024 إلى 3.5 في المئة العام الحالي، ثم إلى 3.8 في المئة عام 2026، مع تلاشي آثار اضطرابات إنتاج النفط والشحن البحري وتراجع تأثير الصراعات الجيوسياسية.

بريطانيا ستسجل أعلى معدل تضخم بين الاقتصادات الكبرى
ورفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد البريطاني هذا العام بصورة طفيفة من 1.2 في المئة إلى 1.3 في المئة، في حين خفض التقدير قليلاً للعام المقبل ليستقر عند 1.3 في المئة أيضاً، مما يعكس استمرار التحديات التضخمية وكلف الاقتراض المرتفعة في المملكة المتحدة.

وقال إن بريطانيا ستعاني هذا العام أعلى معدل تضخم بين الاقتصادات الكبرى، فضلاً عن ارتفاع حاد في كلف الاقتراض الحكومي طويلة الأجل، مما يعكس استمرار الضغوط السعرية على رغم تباطؤ النمو.

وقال غورينشا إن هناك خطر استمرار ارتفاع التضخم وعدم انخفاضه كما هو متوقع في العام المقبل، مشيراً إلى أن ارتفاع كلف العمالة، بما في ذلك زيادة الضرائب على الرواتب، فضلاً عن ارتفاع توقعات التضخم وفق البيانات الاقتصادية، قد تبقي الضغوط السعرية عند مستويات مرتفعة.

وأضاف أن ارتفاع توقعات التضخم يعد مؤشراً إلى تزايد عدم يقين الأسر والشركات حيال انخفاض الأسعار مستقبلاً، مما قد يؤدي إلى تثبيت التضخم عند مستويات مرتفعة لفترة أطول.

وأكد أن بنك إنجلترا يجب أن يتوخى الحذر الشديد في مسار تخفيف السياسة النقدية، لتجنب أي تأثير سلبي محتمل في استقرار الأسعار والنمو الاقتصادي.

وقالت وزيرة الخزانة البريطانية راتشيل ريفز، رداً على رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد البريطاني هذا العام، وفقاً لصحيفة "ذا غارديان" "هذه هي المرة الثانية على التوالي التي يقوم فيها الصندوق برفع توقعاته لنمو بريطانيا هذا العام.

ويتوقع الصندوق أن تكون بريطانيا ثاني أسرع اقتصاد نمواً ضمن "مجموعة السبع" هذا العام بعد الولايات المتحدة، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة اثنين في المئة على مدى العام كامل.

انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي
وقال بيير أوليفييه غورينشا أن الطفرة الحالية في استثمارات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة قد تليها فترة ركود مشابهة لانفجار فقاعة الإنترنت في مطلع الألفية، لكنه استبعد أن يؤدي ذلك إلى أزمة نظامية تهدد الاقتصاد الأميركي أو العالمي، موضحاً أن الاهتمام المتزايد بالذكاء الاصطناعي جذب تدفقات مالية ضخمة إلى هذا القطاع، غير أن التاريخ يشير إلى أن فترات الحماسة المفرطة عادة ما يعقبها تصحيح في الأسواق، ولفت إلى أن الاختلاف هذه المرة يكمن في قدرة النظام المالي العالمي على امتصاص الصدمات المحتملة بفضل الإصلاحات التنظيمية التي أقرت بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008.

وذكر تقرير الصندوق أن مديري الصناديق الاستثمارية يعتبرون فقاعة الذكاء الاصطناعي أكبر الأخطار التي تواجه الأسواق حالياً، وفقاً لاستطلاع أجراه "بنك أوف أميركا" قبل تصاعد التوترات التجارية الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين.

وخلال مقابلة مع وكالة "رويترز" على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، أوضح غورينشا أن هناك تشابهاً كبيراً بين فقاعة الإنترنت خلال التسعينيات والطفرة الحالية في الذكاء الاصطناعي، إذ شهدت الفترتان ارتفاعاً حاداً في تقييمات الأسهم وزيادة في ثروات رأس المال، مما أسهم في تعزيز الاستهلاك ورفع الضغوط التضخمية.

وأضاف أن الأسواق في الحالين تغذيها توقعات عالية تجاه تكنولوجيا واعدة قد لا تحقق في المدى القريب العوائد التي يتصورها المستثمرون، مما يؤدي ربما إلى انهيار في قيم الأسهم، لكنه أشار إلى أن الفرق الجوهري اليوم هو أن استثمارات الذكاء الاصطناعي لا تعتمد على التمويل بالديون، بل تمولها شركات تكنولوجية غنية بالسيولة.

وقال صندوق النقد ضمن التقرير "الأسواق تبدو متراخية بينما تتغير الأرضية الاقتصادية، وعلى رغم التوترات التجارية والاضطرابات الجيوسياسية وارتفاع المخاوف في شأن ديون الحكومات، عادت أسعار الأصول لمستويات مبالغ فيها، كما أن الظروف المالية أصبحت أكثر مرونة بصورة عامة، ونقاط الضعف هذه تعزز بعضها بعضاً، مما يبقي أخطار الاستقرار المالي العالمي مرتفعة".

ولفت التقرير إلى أن مؤشرات تقلب الأسواق والظروف المالية هبطت إلى أدنى مستوياتها السنوية في سبتمبر (أيلول) الماضي، مع وصول أسواق الأسهم الأميركية إلى مستويات قياسية مدفوعة بالتفاؤل حول استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي من شركات التكنولوجيا الكبرى.

لكن تقرير الصندوق أشار إلى بعض علامات الهشاشة مثل تراجع الأسهم الأميركية بصورة حادة بعد تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 100 في المئة على الصين، مما أثار قلقاً حول سوق الائتمان الخاص، إذ يسعى المقرضون إلى استرداد ملياري دولار من الأموال المفقودة.

 اندبندنت عربية 



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=126&id=203301

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc