سوريا تتجه نحو تحرير وتنظيم أسواق الذهب
صارجي : بفضل اليد العاملة المتميزة .. لدينا فرصة حقيقية لنجاح مصافي الذهب واستقطاب الشركات العالمية
سيرياستيبس :
أعلن
حاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر حصرية إطلاق خطة جديدة تهدف إلى تطوير
نظام القطع والذهب ودعم قطاع المعادن الثمينة داخل البلاد، من خلال إعادة
النظر في نظام استيراد وتصدير الذهب لتحريره وتعديل القانون 34 لعام 2023،
إضافة إلى وضع نظام لترخيص مصافي الذهب الوطنية بالتنسيق مع الجهات الرسمية
المعنية وهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأشار حاكم مصرف سوريا المركزي إلى أن
السياسة الجديدة تهدف إلى دعم الإنتاج الوطني وتشجيع الاستثمار في قطاع
الذهب والمجوهرات، وإنشاء سوق منظمة وشفافة تعزز الثقة وتحد من التهريب
والمضاربة"، لافتاً إلى أن ترخيص المصافي المحلية سيسهم في تشغيلها وفق
المعايير الفنية والبيئية الدولية.
وأضاف حصرية ضمن تصريحات على صفحة البنك المركزي السوري
على موقع التواصل "فيسبوك"، أن "التوجهات الحالية نحو تنظيم قطاع الذهب
تستهدف ضمان أعلى مستويات النزاهة المالية والامتثال لمعايير مكافحة غسل
الأموال وتمويل الإرهاب، وجعل سوريا مركزاً لصناعة الذهب والمجوهرات وربطها
بالأسواق الإقليمية"، مؤكداً أن السياسة الجديدة تسعى إلى تعزيز السمعة
التقليدية لسوريا كبلد معروف بمهارة صياغة الذهب والمجوهرات عالية الجودة،
وخلق فرص عمل جديدة داخل قطاع حرفي حيوي، وتطوير الكوادر الوطنية العاملة
فيه.
وأوضح أن "المصرف المركزي سيشرف مباشرة
على تنفيذ هذه السياسة من خلال سجل وطني إلكتروني لتتبع الذهب، ونظام ترخيص
خاص بالمصافي، لضمان الشفافية والمساءلة في جميع مراحل التوريد والإنتاج
والتصدير".
حصرية رأى أن إعادة النظر في نظام
استيراد وتصدير الذهب ووضع نظام لترخيص المصافي يشكلان خطوة مهمة نحو تنظيم
سوق الذهب في سوريا وتعزيز موارد الدولة وفتح آفاق جديدة للاستثمار
والصناعة، مؤكداً أن هذه الإجراءات تأتي في إطار مسيرة التعافي الاقتصادي
وبناء اقتصاد وطني قوي ومستدام
القرارات الجديدة ستحد من تهريب الذهب لمصلحة استيراده
جاء إعلان حاكم مصرف سوريا المركزي خلال وقت بدأت فيه بعض شركات الذهب
العالمية بطرق سوق الذهب في سوريا للتصنيع فيه، بهدف استهداف الأسواق
الخارجية اعتماداً على خبرة اليد العاملة السورية المدربة والمؤهلة والتي
تتمتع بالحرفية في سحب الخيوط والتخريم والتطريق.
وتتميز صناعة الذهب في سوريا بمستوى فني
عالٍ في تشكيل وتطعيم الذهب والدقة العالية في صناعة قطع ذهبية بتصاميم
فريدة وبعيارات متنوعة مثل 18 و21 و 24 قيراطاً تجعلها مرغوبة في المنطقة
وعدد من دول العالم.
وتعد كل من دمشق وحلب التي تشتهر بـ"مشغول
الكردون" الأكثر شهرة في الأسواق الخارجية، أبرز مناطق صناعة الذهب في
سوريا والمنطقة على مدى مئات الأعوام حيث تضم آلاف الورش، في حين تتميز
مدينة حماة بصناعة "المبرومة الحموية" وهي تصميم فريد يتألف من بدنين
ذهبيين ملفوفين معاً وتحتاج صياغتها إلى دقة عالية.
العاملون في الصاغة رحبوا بإعلان حاكم
مصرف سوريا تحرير وتنظيم سوق الذهب المحلي، مما سيؤدي إلى الارتقاء بمستوى
العمل فيه والسعي للوصول به إلى العالمية.
واعتبروا الأمر بمثابة خطوة حقيقية باتجاه
تطوير قطاع الذهب وتطوير صناعته لتشمل المشغولات الفنية المرغوبة محلياً
وفي الخارج، والتي تحتاج إلى تصاميم دقيقة ومكنات متطورة ومؤتمتة لتنفيذها،
مشيرين إلى أن القرارات الجديدة التي يعتزم "المركزي" اتخاذها ستحد من
تهريب الذهب لمصلحة استيراده بصورة نظامية، وأيضاً سيساعد في استقطاب شركات
تصنيع الذهب العالمية مدفوعة بالمهارات التي يتمتع بها الصاغة في سوريا،
حيث لوحظ أن شركات ذهب عالمية بدأت بالإعلان عن نفسها داخل شوارع العاصمة
دمشق.
فرصة لاندماج ورش الصياغة تحت راية شركات كبرى
إلياس فتوح صائغ من مدينة دمشق رحب بتوجه
"المركزي" الجديد، قائلاً لـ"اندبندنت عربية" إن "خطة ’المركزي‘ تهدف إلى
تحرير وتنظيم تجارة الذهب والارتقاء به إلى العالمية وتعظيم قدرته على
المنافسة"، مشدداً على ضرورة إعطاء مزايا مهمة وحقيقية لتصنيع الذهب في
سوريا وتمكين الورش القائمة حالياً من التوسع والتطور وربما الاندماج ضمن
شركات قوية، من شأنها تحويل سوريا إلى مركز إقليمي وحتى عالمي لصناعة
وتجارة الذهب والمجوهرات الراقية، مؤكداً أن هذا يتطلب توفير مزايا للورش
العاملة في مجال الصياغة وتسهيل دخول المكنات الخاصة بهذه الصناعة
والمشاركة في المعارض الدولية، وبناء جسور لتبادل المشغولات والخبرات
والتقنيات المستخدمة والتصاميم الجديدة مع أسواق الذهب الرئيسة في العالم،
بما يوفر فرصة الاطلاع على كل جديد في عالم المعدن الأصفر إضافة إلى
المساهمة في تقديم خبرتهم في مجال التصميم، خصوصاً أن المشغولات السورية
مرغوبة جداً في كثير من الأسواق العربية والأجنبية.
الصائغ السوري أكد أيضاً ضرورة إيجاد نوع
من التوازن في السوق المحلية، حتى لا يكون هناك إغراق للسوق بالذهب
المستورد بعد تحرير تجارته، خصوصاً الذهب المشغول الوارد من تركيا، إلى
جانب خلق صناعة ذهب قوية قادرة على المنافسة، خصوصاً أن عوامل التميز
والتفوق متوافرة، قائلاً "آلاف الورش التي تعمل في دمشق وحلب وغيرهما ومهنة
الصياغة هي أغلى من الذهب نفسه، مما سيكرس تحول سوريا إلى مركز لصياغة
الذهب الخام".
وأشار إلى أن انفتاح سوق الذهب سيحول حرفة
نقش الذهب وصناعته إلى حرفة تلمع كبريق الذهب، وهو ما سيكون كفيلاً بعودة
الخبرات السورية التي هاجرت، وهي ثروة في حد ذاتها كون الحرفة محصورة على
عدد محدود من العائلات التي تتوارثها.
وينظم القانون رقم (34) لعام 2023 تنظيم
حالات إدخال الذهب الخام إلى سوريا، والإعفاءات والرسوم المترتبة عليه، إذ
يسمح للسوري والأجنبي المقيم وغير المقيم بإدخال الذهب الخام ويعفى من
الحصول على إجازة استيراد، ويسمح بإدخال الذهب الخام بصحبة مسافر، في حين
يمنع استيراد الذهب المشغول إلا في حالات التهريب.
ووفقاً لحديث حاكم مصرف سوريا المركزي فإن
هذا القانون سيخضع إلى تعديلات جديدة تقوم في جوهرها على تحرير القطاع
وتشجيع الاستثمارات فيه، مع الإشارة هنا إلى أن تعديل القانون يجب أن يكون
بقانون جديد، وفي حال تعديله سيكون قطاع الذهب أمام مرحلة جديدة أكثر
انفتاحاً على الأسواق الخارجية.
ويتوقع تطور واتساع حرفة نقش الذهب
وصناعته وتحويل سوريا إلى مركز إقليمي للذهب المشغول، وسط توقعات بعودة
كثير من الصاغة وشيوخ المهنة الذين هاجروا بسبب الحرب، مما سيساعد على
ازدهار هذه الحرفة التي تتميز بالعراقة والقدم والدقة والفن، خصوصاً أن من
يمارسها يحتاج إلى التدريب الطويل من أجل اكتسابها، مما جعل الذهب المشغول
في سوريا مرغوباً في جميع دول العالم.
سوريا تمتلك فرصة كبيرة لإقامة مصافي ذهب
من جهته، رحب رئيس سابق لجمعية الصاغة في
دمشق جورج صارجي بإعلان حاكم مصرف سوريا المركزي إنشاء مصافٍ للذهب في إطار
من التنظيم العالي والمراقب، مشيراً إلى أن ذلك سيفسح المجال لتحويل الذهب
الكسر والذهب الخام والمستعمل من عياري 18 و22 إلى سبائك، والعمل على
تنقيتها من الشوائب وإعادتها إلى ذهب عيار 24، لافتاً إلى أن سوريا تمتلك
ثروة حقيقية من ورش الصاغة التي تدرب وتشغل مجموعة مهمة من الحرفيين
الضالعين بصياغة الذهب، والذين يتمتعون بالمهارة والخبرة.
وتوقع صارجي أن تنجح سوريا في إقامة مصافٍ
للذهب عالية النقاوة تراعي المعايير العالمية، وتقديم منتجات نهائية
متعددة وباستخدامات مختلفة، مؤكداً أن لدى سوريا الإمكانات والخبرات لإقامة
مصافي الذهب والتي يمكن أن تثبت وجودها وصدقيتها خلال وقت قصير، خصوصاً
إذا ما دخلت استثمارات في مجال الذهب والمجوهرات، إذ سيكون بإمكانها الحصول
على الذهب النقي وبجودة عالمية.
وتوقع صارجي رداً على سؤال "اندبندنت
عربية" أن يصل سعر أونصة الذهب عالمياً إلى 5000 دولار خلال الأشهر
المقبلة، مشيراً إلى أن أسعار الذهب في السوق المحلية ارتفعت بصورة كبيرة،
بعدما وصل سعر غرام الذهب عيار 22 نحو 1.478 مليون ليرة (113 دولاراً)،
قائلاً "أكثر من راتب موظف حالياً".
وتابع بلغ سعر غرام الذهب عيار 24 نحو
1.68 مليون ليرة (129 دولاراً)، أما سعر الغرام عيار 18 فوصل إلى 1.263
مليون ليرة (96 دولاراً).
مشيراً إلى أن الذهب السوري يعد من أشهر
أنواع الذهب في العالم بعد الذهب الإيطالي والتركي والخليجي، ولديه فرصة
حقيقية للانتشار في الأسواق التصديرية، متوقعاً أن تشهد البلاد خلال الفترة
المقبلة افتتاح فروع لشركات وماركات عالمية تعمل بالذهب والألماس.
وعن سلوك السوريين اتجاه المعدن الأصفر
قال صارجي، إن "سوق الذهب المحلي يعاني حالياً الجمود نتيجة ظروف الناس
المعيشية وتوقف الأعمال، وتميل الكفة لمصلحة البيع حالياً، بعدما لجأ كثر
لبيع مدخراتهم من الذهب لسببين، أولهما ارتفاع أسعاره، والثاني تسييل الذهب
لتغطية كلف المعيشة المرتفعة، إذ لاحظنا ميلاً لبيع المشغولات وذهب
الزينة.
وقال بصورة عامة فإن الذهب يتفوق على
الدولار لناحية الادخار، خصوصاً بالنسبة إلى النساء اللاتي يفضلن دفع
مهورهن (المهر) ذهباً كي لا يفقد قيمته، لافتاً إلى أن السوريين اعتادوا
خلال الأعوام الأخيرة على تنويع المحافظ الاستثمارية لديهم، والذهب خيارهم
الأول، خصوصاً في أوقات عدم اليقين الاقتصادي.
تسييل الذهب لتغطية نفقات المعيشة
إلى ذلك قال صاغة في مدينة دمشق، إن
الفترة التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد شهدت لجوء كثر إلى تسييل الذهب
الموجود لديهم لتغطية كلف الحياة، خصوصاً أن أعداداً كبيرة من السوريين
فقدوا وظائفهم وتراجعت أو توقفت أعمالهم.
في المقابل، لجأت فئة من الناس إلى بيع
عقاراتهم ولتحويلها إلى ذهب تأهباً لأية ظروف استثنائية أو لتغطية مصاريف
السفر والهجرة لمن استطاع إليها سبيلاً، مع الإشارة هنا وبينما تبدو
العلاقة بين الذهب والدولار عكسية عادة، فعندما يقوى الدولار ينخفض سعر
الذهب، والعكس صحيح، وتبدو الأمور مخالفة لهذه القاعدة في سوريا، فارتفاع
الذهب مرتبط مباشرة بسعر صرف الدولار مقابل الليرة، وأي ارتفاع في الدولار
يرفع كلفة الذهب محلياً.
وقدر صاغة كمية الذهب المكتنز لدى
السوريين بـ10 أطنان نتيجة ميل السوريين، خصوصاً النساء للادخار بالذهب،
أما الذهب المرصع بالألماس المكتنز لدى فئة من السوريين فيقدر بطن واحد، في
حين قدروا كميات الذهب الموجودة لدى الصاغة ما بين 30 و40 طناً مع وجود
تفاوت بين صائغ وآخر.
مؤكدين أن الادخار بالذهب يعد آمناً في ظل عدم استقرار العملة المحلية وارتفاع التضخم، لأنه يحافظ على القيمة الحقيقية لأموال التجار والصناعيين والأسر السورية وبعيداً من أخطار فقدان القدرة الشرائية.
وفي المقابل، فالادخار في العملة المحلية قد يتأثر بشدة بالتضخم، والأصول المالية قد تحمل تقلبات أكبر.
وفقاً
لمنظمة التجارة العالمية فقد ظلت احتياطات سوريا من الذهب من دون تغيير
عند 25.82 طن خلال الربع الأول من عام 2024، وبلغ متوسط الاحتياطات 25.85
طن من عام 2000 حتى عام 2024 ووصلت إلى 25.91 عام 2000 وهو أعلى مستوى على
الإطلاق، في حين كانت عند أدنى مستوى خلال عام 2020، إذ بلغت 25.80 طن.
اندبندنت عربية
المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=126&id=203247