هاتيك الآفة المهددة سورية ..
24/09/2025




سيرياستيبس :

كتب الاعلامي عدنان عبد الرزاق :

قصّر أو تسرّع أو ربما جامل، من أطلق على البطالة آفة الاقتصاد، وربما حريّ به القول آفة المجتمع والاقتصاد والسياسة، أو يقول آفة ويصمت، ففي هذه الصفة "آفة" التي اختصت بها البطالة من دون غيرها من المؤشرات الاقتصادية التي يطلق عليها حينما تستفحل، أمراضاً، أدلة وأجراس إنذار للذي يمكن أن ينتج من البطالة وللذي يمكن أن يساق إليه العاطل من العمل. فالقصة ليست عقابيل على الاقتصاد، من تراجع الدخل والاستهلاك والطلب، وبالتالي تراجع الإنتاج والمبيعات والركود وصولاً للإغلاق ربما، ما سيأتي لاحقاً، على تراجع أداء القطاعات الاقتصادية والناتج الإجمالي والدخول بدوامة القروض والاستدانة. طبعاً على خطورة كل هذا.

بل تتعدى آثار البطالة القطاع الاقتصادي، وربما تتفرّد بذلك عن سواها من المؤشرات، كالتضخم والدين العام ونسبة النمو مثلاً، فالآثار بحال تعاظم نسبة البطالة ستصب بالمجتمعي وحتى السياسي، فمجتمع عاطل يعني مجتمعا فقيرا، سيحجم أو يعزف عن الزواج، وسيعاني من محدودية التعلّم إن لم نقل تراجعه، ومن تراجع صحته وأدائه، لندخل بآثار العنوسة والتجهيل والأمراض، ووقتها المريض لن يكون الاقتصاد وحده، بل المجتمع وملامح الدول برمتها. ومجتمع عاطل سيجنح، عبر طرائق غير شرعية لتأمين دخل، ويكون الخروج على القانون، الطريق الأسهل ربما، فسماع كلمة بابا جوعان، قد يدفع ربّ الأسرة للفساد الأخلاقي ومخالفة القوانين من سرقة وتهريب وسواهما، وبيع العاطل المفلس اليائس، ما يباع لمرة واحدة، كالشرف والكرامة والسلوك الحسن القويم.

والهجرة، قد تكون الطريق الأقصر والأسلم للعاطلين، فتكون الخسائر كبيرة ولا تعوّض، من تشوّه سوق العمل وخلل البنية المجتمعية جراء خسارة الدول حامل التنمية الأساس وطاقات الإنتاج وأصحاب الأعمال والرساميل، والتي لا تعوضها الآلات ولا التكنولوجيا، خاصة بمجتمعات تتلمس التطوير وإعادة بناء المجتمع وقطاعاته المهدمة. وينتج من البطالة، فيما ينتج اجتماعياً، تنامي عادات مدمرة، كالاتكالية والتسوّل وحتى أمراض نفسية، ستجتاح ولا شك، كل من يعجز عن تلبية احتياجاته هو وأسرته، ولو بحدودها الدنيا، وينتج من البطالة، فيما ينتج سياسياً، فتن وفوضى وصولاً- جراء اختزان العاطل الطاقات السلبية والكراهية- للاحتجاجات والتمرد والثورات.

قصارى القول: من الأسئلة الصعبة بسورية اليوم، أن تسأل عن نسبة البطالة، إذ لا إجابة محددة أو مسؤولة تتبناها جهة رسمية أو مركز بحثي أو هيئة إحصائية. فباحثون سوريون يرون مبالغة بطرح نسبة البطالة ويقدرونها بنحو 40% حداً أقصى، في حين وزير الاقتصاد قدرها بين 60 و70% لتذهب منظمات دولية، وغير مرة ومن غير منبر، إلى نحو 85%. ولو احتكمنا، بهدف التأسيس لانطلاقة، إلى رقم رسمي فليس أمامنا سوى بيانات المكتب المركزي للإحصاء "حكومية" لكنها تعود إلى عام 2022، والتي قدرت نسبة البطالة بنحو 23.7%، بيد أن هذه النسبة تشوبها ثغرتان. الأولى أنها قديمة نسبياً، منذ ثلاثة أعوام، بمعنى أنها تبدلت اليوم كما أنها لم تأخذ بالحسبان، العاطلين بالمناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد المخلوع.

والثغرة الثانية أن تلك النسبة لم تفرّق بين البطالة الحقيقية والبطالة المقنّعة، إذ يعلم المطلع على الوضع السوري أيام النظام البائد، مدى التشغيل النظري وكم الرشى عبر منح الأجور والتوظيف على الورق، لشراء الذمم أو الصمت. ولكن، وأياً كانت النسب التي لا تستند إلى مسوح دقيقة وواقعية، فهي، وباتفاق الجميع، مرتفعة جداً وستؤدي، إن لم تعالج وسريعاً، لما أتينا عليه من تبعات ومخاطر، اقتصادية ومجتمعية وحتى سياسية. طبعاً، إن لم ندرج أولي الأجور المنخفضة بخانة نصف العاطلين، فعندما نعرف، وباعتراف رسمي حكومي، أن نسبة الفقر بسورية نحو 90% ونحو 56% من السوريين يعانون خطر فقدان الأمن الغذائي، فهذا يلزمنا إعادة النظر، حتى بتعريف البطالة. ليس لكل ما سلف فحسب، بل ولحاجة سورية تأمين نحو 200 ألف وظيفة لداخلين سوق العمل سنوياً.

 

إذاً، وبعيداً عن متاهات نسب البطالة وتضاربها، أو أشكالها ودخل العاملين وتكاليف المعيشة وخطّي الفقر والجوع، قد يكون من الضرورة، الاتفاق على كلمة سر موحدة، لحالة كما سورية اليوم. وكلمة السر هذه هي الاستثمارات الحقيقية التي لا تشغل العمالة وتمتص فائضها وتستوعب الداخلين سوق العمل فقط، بل والتي تدرج ببرامجها وطبيعة عملها وإنتاجها، إعادة تأهيل العمالة وتطويرها، حتى لو تنازلت الحكومة السورية عن شروط الاستثمار أو بعضها وزادت من جرعة التسهيلات والإغراءات، بعد تأمين بيئة الاستثمار طبعاً وأولاً وضرورة، لأن رأس المال ليس جباناً كما يشاع، كما أنه ليس جميعة خيرية كما يخال كثيرون. وأما التغني باستقطاب استثمارات خارجية بقيمة 36 مليار دولار عبر مذكرات تفاهم، من دون أن يترجم معظمها لاتفاقات وأعمال على الأرض، فذاك يفرض إعادة النظر بالترويج والمناخ وشريحة المستثمرين وطرق وصولهم.

كما تقتضي خطورة تفاقم البطالة وما ينجم عنها من مخاطر، إعادة النظر بما رشح عن مسؤولين حكوميين ولم يزل، حول بيع القطاع العام ونسف منظومة، كانت تستوعب، على الأقل، نصف العمال السوريين. نهاية القول: اجتمعت، خلال حرب الأسد على ثورة السوريين وحلمهم، جميع عوامل تنامي البطالة ومخاطرها، من حرب مباشرة دمرت البنى والهياكل، وحصار اقتصادي سرّع بانهيار الاقتصاد ورعّب مؤشراته وصعوبة مقومات العودة، وصولاً لتخلف العمالة الموجودة بالقياس لتطورات الإنتاج بعد هروب الشباب والمؤهلين وأرباب العمل.

من دون أن تجتمع حتى اليوم، الآراء حول برامج، إن لم نقل حرباً على البطالة والفقر، تعلن استراتيجية تشغيل متكاملة، إن بدأت من استقطاب الاستثمارات، عملاً لا تصريحات، لا تنتهي عند تحسين الإدارات وتحديثها وتأهيل الكوادر بما فرضته التطورات وفروع الاقتصاد الحديثة والرقمية. لأنه وببساطة، التطلع لنتائج تجارب الآخرين، من دون التمثّل بأسبابهم وصيرورتهم، كأن تطبّق سورية اقتصاد السوق أو تخصخص القطاع الحكومي أن تلهث وراء الاستثمارات ذات دورة رأس المال السريعة والعمالة القليلة، فذاك ما سيزيد من البطالة، أو غير الصالحة منها للعمل على الأقل، لتواجه البلاد نتائج البطالة ولو بعد حين... والتي قلنا وأعدنا، أنها لن تكون اقتصادية فحسب.

العربي الجديد





المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=127&id=203019

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc