المحامي صباغ : أسئلة المستثمرين سهلة لكن الأجوبة صعبة
الاستثمار تحت المجهر: قرارات رئاسية لضبط بيئة الأعمال في سوريا




سيرياستيبس :

في خطوة غير مسبوقة أصدرت الرئاسة السورية قراراً بمراجعة كل مذكرات التفاهم الاستثمارية التي تم توقيعها بعد التحرير، في مسعى واضح إلى التمييز بين المشاريع الجدية وتلك التي ولدت وهماً من دون أية نية حقيقية للتنفيذ.

القرار جاء بعد الكشف عن حالات استثمارية غير موثوقة، أبرزها مشروع "أبراج الفراشات"، الذي أعلن عنه بكلفة ملياري دولار من دون وجود أي إنجاز فعلي.

هذه الخطوة فتحت الباب أمام مراجعة شاملة للبيئة الاستثمارية، وسط دعوات من متخصصين لوضع معايير صارمة تضمن الملاءة المالية والجدية التنفيذية، وتوفير بيئة قانونية واقتصادية قادرة على جذب الاستثمارات الحقيقية بعيداً من الاستعراض الإعلامي.

وبعدما تأكد للحكومة السورية عدم جدية مستثمري مشروع "أبراج الفراشات" الذي من المفترض أنه يضم 20 ألف شقة سكنية وملعب غولف بكلفة معلنة بلغت ملياري دولار، قررت الرئاسة السورية التحرك سريعاً وقطع الطريق على الاستثمارات الوهمية، خصوصاً التي تم توقيعها بعد التحرير وأصدرت قراراً غير مسبوق يقضي بمراجعة مذكرات التفاهم الاستثمارية بعد التحرير.

قرار الرئاسة السورية طالب الوزارات بمراجعة جميع هذه المذكرات، وإلغاء أية مذكرة لم تترجم إلى خطوات تنفيذية فعلية حتى الـ13 من سبتمبر (أيلول) الجاري.

 متخصصون يرون أن الأرقام الواقعية أفضل بكثير من أرقام ضخمة بلا أساس، مؤكدين أن هذه الخطوة تحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية وقانونية عميقة، ومن شأنها دعم الثقة والتفاؤل بمستقبل الاقتصاد السوري والتركيز على المشاريع الاستثمارية الجدية، وقالوا "قد يكون أمراً إيجاباً اكتشاف وهمية هذا المشروع ومشاريع أخرى لضمان عدم احتكارها وحجبها عن مستثمرين لديهم رغبة حقيقية بالاستثمار والعمل".

وأشار المحللون إلى أن هناك فعلاً حاجة ملحة إلى إجراء مراجعة شاملة للعقود الاستثمارية والمذكرات المعلن عنها، التي بدورها ستؤدي إلى بناء قاعدة بيانات إستراتيجية تسهم في تحديد أولويات الاستثمار وتحقيق توازن اقتصادي، بما يعكس شفافية الدولة ويعزز الثقة بين المستثمرين المحليين والدوليين خصوصاً أن بينهم مستثمرين وشركات معروفة وذات باع طويل في عالم الأعمال والاستثمار.

وبعد سقوط النظام البائد دخلت سوريا مرحلة جديدة مليئة بالأمل والتوقعات، إذ وقعت عشرات مذكرات التفاهم الاستثمارية مع شركات محلية ودولية، كان يفترض أن تكون بوابة لإطلاق مشاريع كبرى في الإعمار والطاقة والسياحة والبنى التحتية، لكن الواقع أظهر أن جزءاً كبيراً من هذه المذكرات بقي حبيس الأدراج، ولم يتجاوز حدود الصور الإعلامية وحفلات التوقيع.

فعندما سئل وزير الاقتصاد محمد نضال الشعار أخيراً خلال مقابلة تلفزيونية عن "المشاريع الوهمية" التي طُرحت كأنها مشاريع استثمارية حقيقية، قال بشفافية "إنه في زحمة الاستثمارات استطاع أصحاب بعض الشركات مثل صاحب أبراج الفراشات وملعب الغولف أن يصل إلى مؤتمر الاستثمار والتقاط صور مع الرئيس، قبل أن يتبين لاحقاً عدم وجود شيء حقيقي، بل كانت مجرد أوهام بواجهة استثمارية".

ويبدو واضحاً أن مراجعة مذكرات التفاهم الاستثمارية الموقعة ليست مجرد خطوة إدارية، بل هي إعلان عن بداية مرحلة جديدة في بيئة الاستثمار السورية، قد يكون فيها التنفيذ هو المعيار الوحيد، والجدية هي مفتاح الدخول إلى ميادين الاستثمار في سوريا التي تشير التقديرات إلى أنها تحتاج من 200 إلى 300 مليار دولار لإعادة الإعمار بينما تتوفر لديها فرص استثمارية بمئات المليارات من الدولارات وفي مختلف القطاعات.

قرار مراجعة مذكرات التفاهم من شأنه إعادة الاعتبار للجدية الاستثمارية، إذ لم يعد يكفي أن توقع شركة أو مستثمر مذكرة تفاهم بل أصبح المطلوب إثبات القدرة على التمويل والرغبة في التنفيذ، ويحمل رسائل واضحة بأن سوريا اليوم في حاجة إلى تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق ذلك يتطلب مشاريع قابلة للتنفيذ وليس إلى وعود وحسب، ومن ثم القرار جاء ليميز بين من دخل ليعمل ومن دخل لأغراض دعائية.

تحرير الاستثمارات من التضليل
قرار الرئاسة السورية بمراجعة كل مذكرات التفاهم الاستثمارية والمشاريع الموقعة ينص على إلغائها في حال ثبات عدم جديتها، وبحسب الاستشاري في مجال الاستثمار نواف الرز فإن القرار جاء في وقته ومن شأنه أن يصحح ويقيم الاتفاقات ومذكرات التفاهم المعلن عنها وبعضها أعلن عنها بحضور رئيس الجمهورية، وأضاف "لا بد من معرفة جديتها وإذا ما كانت حبراً على ورق وبيعاً للوهم أو أنها تحمل في طياتها نيات لتبيض صفحة بعض الشخصيات ورجال الأعمال أو كدعاية سياسية لبعض منهم".

وقال الرز لـ"اندبندنت عربية"، "من بين نتائج القرار هو وضع أصحاب كل الاستثمارات التي جرى الإعلان عنها أمام خيارين لا ثالث لهما"، موضحاً "الأول التنفيذ وفق جدول زمني للانتقال بمضمون مذكرات التفاهم إلى اتفاقات استثمارية ينجم عنها مشاريع على الأرض، بينما الخيار الثاني هو إلغاء تلك المذكرات التي يثبت أنها وهمية وغير جدية خصوصاً أنها غير ملزمة للدولة".

وأكد أن البلاد في حاجة إلى استثمارات وليس إلى استعراضات وهمية، لافتاً إلى أنه في حال التأكد من عدم جدية المستثمرين فإن ذلك سيعيد طرح الفرص مجدداً أمام مستثمرين جادين، ويضمن عدم ضياع الفرص الاستثمارية التي تبدو البلاد بأمس الحاجة إلى تنفيذها وليس إلى احتكارها.

 أكد الاستشاري في مجال الاستثمار أن "قرار مراجعة جدية الاستثمارات والمستثمرين مهم جداً ومطلوب في هذه المرحلة، ولو نظرنا إلى الوراء تحديداً إلى ما قبل عام 2011 سنجد مشاريع بمليارات الدولارات محجوزة باسم مستثمرين وشركات خليجية ولبنانية وغيرها، وقد يكون من المهم التأكد من جدية أصحابها الآن، لكن قبل القيام بالمراجعة لا بد من قراءة مقومات الاستثمار على أرض الواقع بشفافية وموضعية، فأي استثمار لن يأتي إذا لم يكن هناك أمان وأمن واستقرار سياسي ومجتمعي واقتصادي،

ومن ثم يجب العمل على استكمال بناء بيئة استثمارية مناسبة للمستثمرين الجادين، فالمستثمر يبحث عن البيئة الاقتصادية التي سيعمل فيها وأعتقد أن الاستقرار الاقتصادي ما زال في حاجة إلى وقت وإلى جهود لإنجازه وجعله مرناً وطيعاً بالقدر الكافي لإقناع المستثمرين بالانتقال إلى مرحلة التنفيذ".


وأشار إلى أن هناك أموراً ما زالت غير مشجعة، فنظام الـ"سويفت" ما زال من دون المطلوب، وسعر الصرف في تأرجح مستمر وعدم استقرار، والمصارف في حاجة إلى إصلاح جذري وإعادة هيكلة كاملة بما فيها المصرف المركزي السوري وإلى تطوير خدمات البنوك وآليات عملها التي تمكنها من مواكبة التطور الحاصل في النظام المصرفي العالمي، أيضاً لا بد من معالجة موضوع نقص السيولة والتوقف عن سياسة حبس "الكاش" وتقييد السحوبات بخاصة أنها أرهقت الاقتصاد الإنتاجي من زراعة وصناعة وحرف، وكلنا يعلم هنا أن سقف السحب غير مناسب للمواطن فكيف سيناسب المستثمر، وتابع "كل هذه النقاط وغيرها مطلوب مناقشتها ودراستها قبل محاسبة المستثمرين على تأخرهم بمباشرة تنفيذ مذكرات التفاهم، أو البدء باستثماراتهم".

 واستدرك الرز "لكن السؤال الذي يطرح نفسه من سيتجرأ على ضخ الأموال في سوق لم تتضح معالمها بعد، لذا فإن التمييز بين المشاريع الوهمية وغيرها يجب أن يخضع إلى شروط واقعية، إذ من الأفضل مناقشة كل مذكرة تفاهم وكل مشروع استثماري على حدة، والوقوف على الصعوبات التي يعانيها المستثمرون القائمون حالياً أو الذين سيأتون وتقديم المساعدة لحلها"، مؤكداً أن "القيام بهذه الخطوات سيختصر الطريق أمام المستثمرين والحكومة في آن معاً وسيساعد في تكوين إحاطة كاملة بمعوقات الاستثمار والعمل في سوريا عبر القيام بمعالجتها بصورة شمولية، وكل ذلك سيفضي إلى بناء رؤيا استثمارية أكثر وضوحاً وجاذبية وحيث تبدو القوانين والإجراءات المطبقة فيها والمحفزات التي توفرها قادرة على تقديم إجابات شافية وغير معقدة على أسئلة المستثمرين"، وأضاف أن "الخوض والتواصل مع المستثمرين والشركات التي أعلنت عن تنفيذ مشاريع في سوريا سيساعد الحكومة في تبني مقاربة أفضل للواقع للقرار، فمراجعة المشاريع ومن ثم معرفة المشاريع الوهمية والعمل على إلغائها، وفسح المجال أمام مستثمرين جدد سينهي مرحلة الحجوزات المجانية من قبل البعض لمشاريع ستبيض ذهباً إذا ما نفذت".

أسئلة المستثمرين سهلة لكن الأجوبة صعبة
المحامي المتخصص بالقانون التجاري الدولي والمحلي بسام صباغ، يرى في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن إعادة تقييم الاستثمارات والمستثمرين يجب أن يتم في بيئة عمل مثالية"، قائلاً "إذا تجاوزنا الحديث عن الاستقرار السياسي والأمني، فعلينا العمل سريعاً وبصورة حثيثة على تحقيق بيئة استثمار قادرة على تحويل المشاريع إلى حقيقة"، موضحاً "لن تترجم الاستثمارات إلى واقع مهما كان أصحابها جديين إذا لم تتوفر بيئة جاذبة".

وأضاف أنه خلال تعامله مع المستثمرين والشركات العربية والأجنبية التي ترغب بالقدوم إلى سوريا، ترسل قائمة طويلة من الأسئلة من قبلها، معظمها لا يمكن الإجابة عنه بإيجابية في ظل الظروف الراهنة، وعدم وجود أجوبة مرضية غالباً ما يكون دافعاً إلى تأجيل الخطوات التنفيذية، إذ إن الاستثمار الأجنبي والعربي أو حتى المحلي يحتاج إلى بيئة بسيطة وشفافة وسهلة الاستخدام وبصورة لا تحتمل النقص في أي منها، وهذا ما يجعل الأسئلة سهلة وبديهية ولكن الأجوبة صعبة ومعقدة وغير متوفرة، موضحاً أن "أكثر الأسئلة طرحاً من قبل المستثمرين، عندما يسمع مستثمر أجنبي أن البطاقة المصرفية لا تقبل إلا على أجهزة صادرة من البنك نفسه، أو أن هناك سقفاً للسحب من الودائع من مرتبة مليون ونصف المليون ليرة وحسب شهرياً، فمن الطبيعي أن يسأل المستثمر نفسه، كيف سأدير عملياتي اليومية؟ وكيف سأغطي مصاريفي؟".

صباغ أكد أنه في ظل قابلية التشغيل البيني في كل دول العالم تقريباً، وحيث أجهزة نقاط البيع تقبل معظم البطاقات مثل "فيزا" و"ماستر كارد" بغض النظر عن البنك المصدر لها، فإنك في سوريا تجد نفسك مقيداً بجهاز بنك محدد، وكأن السوق موزعة إلى جزر منفصلة، مضيفاً "أيضاً سقوف سحب غير واقعية على الإنفاق بالكاد يكفي عائلة، فكيف لشركة أو مستثمر يدفع رواتب أو يشتري بضائع؟ أعتقد أن هذا يقتل أية فكرة للتوسع والعمل".

وأشار صباغ إلى أن كل ذلك خلق انطباعاً سلبياً خارجياً خصوصاً عندما ينقل مستثمر هذا الواقع لغيره، تصبح صورة البلد لديه معقدة إدارياً، وصعبة تقنياً، وخطرة مالياً حتى لو توفرت المجالات المربحة فعلياً.

لافتاً إلى أن المستثمر في حاجة إلى استقرار تشريعي ونظام مالي يسمح له بالتحويل والدفع والتحصيل والاستيراد، ومع غياب الحوافز فإنه عوضاً عن جذب رؤوس الأموال، يحدث العكس، إذ يتوجه المستثمر للبحث عن بيئة أسهل مثل لبنان أو الأردن أو مصر أو تركيا وغيرها.

 موضحاً أن "كثيراً من المستثمرين الحاليين يلجأون إلى اقتصاد الظل لتسيير أمورهم من خلال حلول غير رسمية، وهذا يضاعف مشكلات الشفافية والرقابة، ومن ثم فإن المستثمر الخارجي لن يقتنع بها ويفضل التريث إلى حين توفر أجوبة إيجابية عن أسئلته الكثيرة".

وحول تحسين الوضع الحالي، قال المحامي السوري "من خلال توحيد شبكة نقاط البيع لكل البنوك ورفع سقوف السحب الشهرية إلى حدود معقولة أو إلغائها للشركات، وإتاحة المجال أمام بطاقات دفع دولية ولو تدريجاً وإعطاء المستثمرين قنوات دفع إلكترونية حقيقية بدل القيود الشكلية"، مضيفاً "هناك أمور أخرى يجب ترتيبها أيضاً وبصورة سريعة بحيث تبدو الصورة متكاملة من دون نقصان، عندها سنعرف جيداً المستثمر الجدي من غير الجدي"، قائلاً "سوريا اليوم هي مكان حقيقي للفرص ولكن استثمارها يتطلب ذكاء من المستثمرين وسرعة من الحكومة السورية"، وأضاف أنه بينما نبحث عن جدية المستثمر يجب أن نتأكد من جدية الحكومة في توفير مناخ استثماري ناضج يعمل فيه المستثمرون وينجزون أعمالهم بحرية ومن دون قيود، لافتاً إلى أهمية سعي وزارة المالية إلى إنجاز قانون ضريبي عصري وإلى أهمية قانون الاستثمار الذي صدر ولكن لا بد من بيئة مصرفية ليست وحسب بلا قيود بل تضاهي ما هو موجود في كل دول العالم.

5768 ترخيصاً جديداً لإقامة شركات خلال 8 أشهر
 منذ سقوط النظام السابق بلغ حجم الاستثمارات التي تم التوقيع عليها بموجب مذكرات تفاهم وبعضها كان برعاية الدول القادمة منها نحو 36 مليار دولار، بينما أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية عن منح 5768 ترخيصاً لإقامة شركات جديدة في مختلف القطاعات خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العا ، كل ذلك في بلد يحتاج بشكل ملح إلى مشاريع منفذة على أرض الواقع وليس إلى أوراق موقعة، فهل تنجح الحكومة السورية في إيصال رسالتها التي تقول إن "من يرد الاستثمار والعمل في سوريا فليظهر أفعاله ويبدأ بالعمل، ومن يرد الاستثمار بالصور والاستعراض فلن يكون له مكان".

اندبندنت عربية 



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=131&id=202996

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc