هياكل عظمية تسير نحو حتفها ... غزة تحت نيران الجوع والاجتياح
26/07/2025




تواصل إسرائيل و"حماس" مناقشة وقف إطلاق النار في قطر، لكن الهجوم الجديد واستمرار قتل الفلسطينيين الباحثين عن المساعدات يهددان بتقويض محاولات إنهاء العنف



سيرياستيبس :

فتح الجيش الإسرائيلي النار على حشود مدنيين كانوا ينتظرون مساعدات غذائية في غزة، ما أسفر عن مجزرة جديدة وصفها الناجون بـ"مسيرة الموت"، وسط تدهور كارثي للوضع الإنساني وتصعيد عسكري يهدد فرص التهدئة. في دير البلح، توغل إسرائيلي جديد يجبر الطواقم الطبية على الإخلاء تحت النار، فيما تحذر الأمم المتحدة من أن استهداف منشآتها بات ممنهجاً ويقوض العمل الإغاثي.

"كنا مجرد هياكل عظمية تمشي". هكذا وصف يونس، وهو أب لأربعة أطفال عمره 32 سنة، مسيرة الموت باتجاه قافلة المساعدات في غزة يوم الأحد الماضي، حين فتحت القوات الإسرائيلية النار عليهم.

بعد فترة قصيرة من وصول شاحنات محملة بالمساعدات الغذائية، انفجرت قذيفة وسط حشد صغير من الناس فتطايرت الأجساد في السماء قربه، ثم دوّت رصاصة قرب رأسه.

وقال لـ"اندبندنت" وصوته لا يزال يرتجف "كان وابل الرصاص كثيفاً جداً، لدرجة شعرت معها أنهم يريدون شرب دمائنا".

وأضاف "شعرت كما لو أنهم وضعونا في مزرعة دجاج، يجوعوننا ويقتلوننا".

 

وبينما كان محاصراً تحت كومة من الأشخاص -بعضهم أحياء، وبعضهم جرحى، وآخرون موتى- تمكن من الزحف والفرار وهو يحمل كيلوغراماً واحداً فقط من الطحين، لكنه اضطر إلى رميه لاحقاً وسط التدافع للنجاة.

وقال "أيقظني أطفالي صباح ذلك اليوم وهم يبكون ويقولون لي ’بابا نريد أن نأكل‘. هذه الكلمات أحرقت دمي، وجعلتني أذهب إلى الخطر".

وحذر برنامج الأمم المتحدة العالمي لمراقبة الجوع مراراً من أن سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة يقفون جميعاً تقريباً على حافة المجاعة.

وتتهم إسرائيل حركة "حماس" بسرقة الإمدادات لدعم مجهودها الحربي، وفرضت حصاراً على غزة يراوح ما بين المنع الكامل للمساعدات أو تقييدها بشدة، إضافة إلى حصر السكان في مناطق معينة. وهي سياسات قال خبراء قانونيون لـ"اندبندنت" إنها ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وحتى "إبادة جماعية جارية"، وهو ما تنفيه إسرائيل.

 

يوم الأحد الماضي، قال برنامج الأغذية العالمي إنه سمح لقافلة طال انتظارها مؤلفة من 25 شاحنة تحمل مساعدات غذائية حيوية بدخول شمال غزة. واستقبلتها حشود كبيرة من المدنيين المنتظرين بقلق للحصول على الغذاء الذي هم في أمس الحاجة إليه، وكان يونس من بين هؤلاء.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي بأنه "مع اقتراب القافلة تعرضت الجموع التي تحيط بها إلى إطلاق نيران من دبابات وقناصة إسرائيليين، إضافة إلى مصادر نيران أخرى".

وأفادت السلطات الفلسطينية بمقتل 99 شخصاً في الأقل، في ما يعتقد أنه أكثر الأيام دموية بالنسبة إلى العائلات التي تطلب المساعدات منذ بداية الحرب خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إذ تجاوز عدد القتلى أثناء السعي إلى الطعام وحده 800 شخص. ومن جهتها، قالت القوات الإسرائيلية إنها أطلقت نيراناً تحذيرية "لإزالة تهديد فوري"، لكنها شككت في عدد القتلى الذي أعلنه الفلسطينيون.

وبعد يوم واحد - الإثنين - أعلنت إسرائيل عن توسيع رقعة عملياتها العسكرية ضد "حماس"، وأصدرت أوامر جديدة بالإخلاء لبعض أجزاء دير البلح الواقعة جنوب غربي غزة، والتي تعد إجمالاً "منطقة آمنة" وتضم مئات آلاف النازحين الفلسطينيين، أتوها على امتداد أكثر من 21 شهراً من الحرب في غزة، إضافة إلى عدة منشآت تابعة للأمم المتحدة ومضافات لوكالات الإغاثة وعيادات.

 

وتدهورت الأوضاع في غزة إلى حد دفع وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي ونظراءه من 24 دولة أخرى إلى القول، أول من أمس، إن معاناة المدنيين بلغت "أعماقاً جديدة"، ودعوا إسرائيل إلى أن "تنهي الحرب الآن".

وفي موقف نادر، وصف الملك البلجيكي فيليب الصراع بأنه "عار على الإنسانية"، وجدد دعوته إلى "إنهاء فوري لهذه الأزمة التي لا تُحتمل".

لكن بدلاً من ذلك، يقوض هذا التصعيد في وتيرة القتل والنزاع كل ما يجري داخل قطر من محاولات للتوصل إلى هدنة ولو موقتة. وكما أخبرني مسؤول مقرب من المفاوضين "أي شيء يحدث في ميدان المعركة يؤثر بصورة مباشرة على ما يدور حول طاولة المفاوضات".

وخلال الوقت الحالي، تواصل إسرائيل التصعيد.

 

وخلال أول من أمس، اقتحمت القوات الإسرائيلية أحياء في دير البلح للمرة الأولى، على رغم الإدانات الدولية الواسعة، بل وحتى الاحتجاجات الداخلية من أكبر مجموعة تمثل عائلات الأسرى الذين اختطفتهم حركة "حماس" خلال هجماتها في أكتوبر 2023.

وعلى الأرض في دير البلح، أفاد مسعفون لـ"اندبندنت" بأنهم اضطروا إلى الإخلاء على عجل، محاولين نقل المرضى إلى أماكن آمنة، في حين اضطروا لترك إمدادات طبية حيوية خلفهم.

وقالت مسؤولة البرامج الطبية في منظمة "الإغاثة الطبية للفلسطينيين" (ومقرها المملكة المتحدة) مرام شرفه، عن العيادة التي تعمل فيها والتي تخدم في المتوسط 320 شخصاً يومياً "لم نتمكن سوى من إخلاء نحو 50 في المئة من مخزوننا الطبي. تركنا البقية هناك".

يقع منزل السيدة شرفه ضمن المنطقة التي طُلب إخلاؤها لكنها لم تتمكن من فعل أي شيء بهذا الصدد، لأنها اضطرت إلى إعطاء الأولوية لمرضاها. وقالت لـ"اندبندنت "كنا لا نزال نعالج المرضى حتى اللحظة التي أغلقنا فيها الأبواب. كثر كانوا ينتظرون خارجاً للحصول على رعاية، لكننا اضطررنا إلى عدم استقبالهم".

وأضافت "شعرت بالضياع وبأني مغلوبة على أمري وبالخوف من خسارة كل شيء".

 

في المقابل، قالت مسؤولة في الأمم المتحدة إن بعض المكاتب الواقعة حالياً ضمن منطقة الإخلاء ستبقى مفتوحة على رغم الأخطار الواضحة. وصرحت الناطقة باسم منظمة الأمم المتحدة المعنية باللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تمارا الرفاعي بأن دير البلح كانت تعد إحدى المناطق الآمنة، التي يمكن للأمم المتحدة وغيرها من منظمات الإغاثة أن "تستقر فيها وتقدم الخدمات".

وقالت "ستبقى الأمم المتحدة هنا لتقديم الخدمات، مما يعني بأننا سنستمر بمساعينا من أجل تحييد مراكزنا الإغاثية عن الصراع"، مضيفة أن مرافق المنظمة وملاجئها تعرضت لضربات متكررة في جميع أنحاء غزة.

وأضافت "سنستمر في مطالبة الحكومة الإسرائيلية بأن تجنب منشآت الأمم المتحدة القصف. الحصيلة باتت مرتفعة للغاية. قُتل أكثر من 325 موظفاً من الأونروا. لذلك، طلبنا ألا يستهدفونا وهذا ما ينص عليه القانون الإنساني الدولي".

حتى داخل إسرائيل، يتزايد الضغط على الحكومة الإسرائيلية. قالت أكبر مجموعة تمثل عائلات الأسرى إنها "مصدومة وخائفة" من التوغل في دير البلح. وطلبت لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة الجيش "كي يشرحوا بوضوح، بأية صورة لا يضع الهجوم على منطقة دير البلح الأسرى بخطر".

أما في غزة، فدعاء المدنيين هو التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

ويقول إيهاب عبدلله وهو نازح داخل مدينة غزة عمره 43 سنة "آمل أن تكون هذه هي آخر أيام الحرب. نحن ننتظر بفارغ الصبر التوصل إلى هدنة تنهي المجاعة والحرب التي نعيشها. نحن نموت من الجوع والقصف".  

اندبندنت عربية

 



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=110&id=202424

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc