النفط يستعد لسيناريو اشتعال الأسعار بعد الضربة الأميركية
22/06/2025
سيرياستيبس
كتب الاعلامي غالب درويش
تقف أسواق النفط العالمية عند مفترق طرق جديدة على خلفية الهجمات الأميركية على إيران وسط مخاوف من تصعيد عسكري يهدد بإشعال المنطقة الغنية بالخام.
وفجرت الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية مخاوف من أزمة إمدادات قد تعصف بالأسواق، بينما يترقب العالم رد طهران، وسط تحذيرات من أن أي تصعيد قد يقود أسعار الخام إلى مستويات لم تشهدها منذ أعوام. تلقي التوترات المتصاعدة بظلال ثقيلة على مضيق هرمز، شريان النفط العالمي الحيوي، وتجعل الأسواق العالمية تتأرجح بين الحذر والهلع.
شرارة التصعيد
في فجر اليوم الأحد، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب تنفيذ ضربات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، واصفاً العملية بأنها "إسقاط حمولة من القنابل". في المقابل، توعدت طهران بـ"رد حازم"، وسط مؤشرات إلى أن التصعيد قد يمتد إلى استهداف المنشآت النفطية أو الملاحة في مضيق هرمز، الذي يعبر من خلاله نحو ثلث صادرات النفط العالمية.
وانعكست هذه التطورات فوراً على حركة الأسواق، إذ ارتفعت المخاوف من اضطرابات في الإمدادات مع ترقب الرد الإيراني، وقال محللون إن نوعية الرد الإيراني تمثل العامل الحاسم لمستقبل الأسعار في المدى القريب.
الرد الإيراني
قال محللون نفطيون إن الرد الإيراني هو مفتاح تحديد اتجاه أسعار النفط في المرحلة المقبلة، وأوضحوا أن هجوماً عسكرياً مباشراً على المصالح الأميركية، أو تهديد الملاحة في مضيق هرمز، قد يدفع الأسعار إلى نطاق يراوح ما بين 95 و110 دولارات للبرميل.وأشاروا إلى أن تصعيداً محدوداً عبر ضربات متبادلة من دون المساس بالبنية التحتية النفطية قد يبقي الأسعار بين 75 و82 دولاراً للبرميل، مع احتمال استقرار نسبي في حال عدم اتساع رقعة الصراع.
وأضاف المحللون أن التهديد الإيراني المباشر بإغلاق المضيق سيرفع الأسعار بصورة فورية بنحو 10-25 دولاراً، وهو ما يعكس هشاشة السوق أمام أي اضطراب في هذا الممر الحيوي.
ولفتوا إلى أن الأسواق تتعامل حتى الآن مع الأزمة على أنها ظرفية، لكن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى موجة من الذعر، وهرب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، مع تعزيز الإقبال على الملاذات الآمنة مثل الدولار والذهب.
تقلبات حادة
شهدت أسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة تقلبات حادة نتيجة التوترات الجيوسياسية، فمنذ بدء الضربات الإسرائيلية على إيران منتصف يونيو (حزيران) الجاري ارتفعت العقود الآجلة لخام "برنت" بنسبة 15 في المئة لتصل إلى 79 دولاراً للبرميل، قبل أن تتراجع إلى 77 دولاراً بعد تصريحات أميركية في شأن تأجيل قرارات عسكرية إضافية.
وتشير بيانات "ستاندرد أند بورز" و"بلومبيرغ"، إلى أن علاوة الأخطار الجيوسياسية تقدر حالياً بين سبعة وثمانية دولارات للبرميل.
كلمة السر
أشار المدير السابق لتسويق النفط والغاز بوزارة الطاقة والمعادن في سلطنة عمان، علي الريامي، إلى أن استقرار أسعار النفط بين 70 و80 دولاراً مرهون بعدم توسع التصعيد، وقال، "إغلاق مضيق هرمز هو السيناريو الأخطر، أما في حال اقتصار التصعيد على ضربات محدودة، فقد ترتفع الأسعار دولارين فقط".وأكد أنه يجب مراقبة أي تهديد بإغلاق مضيق هرمز، مشيراً إلى أن حركة الملاحة تسير بسلاسة حتى الآن، ولفت إلى أن المنطقة، التي تنتج نحو 21 إلى 22 في المئة من النفط والغاز العالمي، تحتاج إلى تهدئة.
وأعرب عن قلقه، مشيراً إلى أن "الولايات المتحدة وإسرائيل خططتا لضرب إيران، والمفاوضات كانت لكسب الوقت". وأضاف "تعديل المواقف السياسية صعب، ويعتمد على استعداد إيران للمفاوضات". موضحاً أن "عدم وجود رد إيراني مباشر على المصالح الأميركية يحد من ارتفاعات الأسعار الحادة". ولفت إلى أن أي زيادات ستكون تدريجية ما لم يتخذ الرد الإيراني طابعاً عسكرياً واسعاً، مؤكداً "التأثير الكبير يتطلب تصعيداً أعمق".
ولفت إلى أن ثقة المستثمرين ليست مرتبطة فقط بالتوتر الحالي، بل تعتمد بصورة رئيسة على ضمان استمرار تدفق النفط عبر مضيق هرمز وباب المندب، مؤكداً أن "التصعيد لا يخدم الأسواق ولا المنتجين".
مخاوف جدية
بدوره أوضح الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن، طارق الرفاعي، أن أسواق النفط العالمية تقف اليوم على حافة تحولات كبرى، في ظل التوترات المتصاعدة عقب الضربات الأميركية على منشآت نووية إيرانية، وأشار إلى أن هذه الهجمات أثارت مخاوف جدية من اضطرابات محتملة في إمدادات النفط، قد تعيد تشكيل ديناميكيات الأسواق العالمية.
وأضاف الرفاعي أن الرد الإيراني المنتظر سيكون العامل الحاسم في تحديد مسار أسعار الخام خلال الأيام المقبلة. ولفت إلى أن أي تصعيد عسكري قد يهدد مضيق هرمز، الشريان الحيوي لتجارة النفط العالمية، مما يزيد من حال عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق.
وأوضح أن هذا الوضع يضع المنتجين والمستهلكين على حد سواء في حال تأهب قصوى، وسط توقعات بتقلبات حادة في الأسعار.وفي سياق متصل، حذر الرفاعي من أن استمرار التوترات قد يدفع أسعار النفط إلى مستوى 100 دولار للبرميل، وهو السيناريو الذي بات يلوح في الأفق إذا ما اتسعت رقعة الصراع. وأكد أن الأسواق تتأرجح حالياً بين الحذر والهلع، مع ترقب المستثمرين تطورات الأوضاع في المنطقة الغنية بالخام.
وأكد الرفاعي أن استقرار أسواق النفط يعتمد بصورة كبيرة على قدرة الأطراف الدولية على احتواء الأزمة، مشدداً على أن أي خطوة تصعيدية إضافية قد تشعل المنطقة وتدفع الأسعار إلى آفاق غير مسبوقة منذ أعوام.
تأثير مضيق هرمز
وقال مدير قسم العلاقات الدولية والاقتصاد في جامعة باري سكول أوف بيزنس، حسن عبيد، "مضيق هرمز هو نقطة اختناق حاسمة، أي اضطراب فيه سيؤدي إلى ارتفاع فوري في أسعار النفط، مما يهدد الاقتصاد العالمي". وأشار إلى أن التصعيد قد يدفع الدول المنتجة إلى إعادة تقييم استراتيجياتها، مما يزيد تعقيد المشهد.
أزمة الإمدادات
وأوضح مستشار الطاقة الدولي عامر الشوبكي "الضربات الأميركية قد تشعل فتيل أزمة إمدادات عالمية"، وأشار إلى أن رد إيران المحتمل قد يستهدف البنية التحتية النفطية في المنطقة. وأضاف "الأسواق تتوقع الأسوأ، وأسعار الخام قد تقفز إلى مستويات غير مسبوقة". ولفت إلى أن استقرار المنطقة يعتمد على خفض التصعيد سريعاً.
السيناريو الأخطر
من جانبه أكد مدير وحدة التقارير المالية لدى بوابة "أرقام" السعودية، محمد الليثي، أن السيناريو الأخطر يتمثل في لجوء طهران إلى استهداف مصالح أميركية أو التلويح بعرقلة الملاحة في مضيق هرمز، المسؤول عن مرور ثلث صادرات النفط العالمية.
وأشار إلى أن مثل هذا التطور قد يدفع الأسعار إلى تجاوز 120 دولاراً للبرميل، وهو مستوى يتجاوز كونه حاجزاً نفسياً، ليعكس صدمة إمدادات كبرى وتغيراً في موازين سوق الطاقة عالمياً.وأضاف أن السيناريو الآخر يتمثل في رد محدود أو تدريجي من جانب إيران، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أقل حدة، لكنه سيضعف ثقة المستثمرين في استقرار الإمدادات، ويدفع إلى مزيد من التقلبات، مع زيادة الإقبال على الملاذات الآمنة مثل الذهب.
ولفت إلى أن بقاء التصعيد ضمن نطاق ضربات محدودة من دون توسع إقليمي قد يسهم في استقرار أسعار النفط بين 80 و90 دولاراً للبرميل، بحسب نجاح المساعي الدبلوماسية في احتواء الأزمة ومنع تعطل سلاسل التوريد العالمية.
سيناريو الـ100 دولار
أضاف محلل الطاقة في "أم أس تي ماركت"، سول كافونيتش، أن أي رد إيراني يستهدف المصالح الأميركية بشكل مباشر، أو يعطل الملاحة في مضيق هرمز، قد يدفع النفط إلى 100 دولار للبرميل وربما أكثر.
وأكد محلل الطاقة في "رابوبنك"، جو ديلورا، أن "السوق تبحث عن يقين"، متوقعاً نطاقاً بين 80 و90 دولاراً مع بقاء المضيق مفتوحاً، لكنه حذر من أن تعطيل الملاحة قد يؤدي إلى قفزة سعرية فورية بين 10 و25 دولاراً، مع اضطرابات في أسواق المال العالمية.
وتوقع رئيس "ليبو أويل أسوسييتس"، آندي ليبو، أن أي تصعيد عسكري مباشر قد يقفز بالأسعار إلى 120 دولاراً في سيناريو الأزمة الطويلة.
توقعات المؤسسات الكبرى
أما بالنسبة إلى آراء المؤسسات المالية الكبرى فقد تفاوتت تقديراتها حول مسار الأسعار في الفترة المقبلة وسط الأجواء الراهنة، إذ أبدت مؤسسات مثل "غولدمان ساكس" و"باركليز" تفاؤلاً نسبياً بقدرة "أوبك+" على تعويض أي نقص، فيما شككت تقديرات أخرى مثل "وود ماكنزي" و"فيتش" في إمكان تجنب أزمة إذا تعرض مضيق هرمز لتهديد حقيقي.
ويرى محللون أن أسواق النفط تواجه حالياً لحظة حاسمة، الرد الإيراني هو الورقة التي ستحدد ما إذا كانت الأسعار ستبقى ضمن النطاق الحالي، أم ستنطلق نحو مستويات غير مسبوقة، لكن المؤكد أن مضيق هرمز يظل الخطر الأكبر الذي قد يقود الأسواق إلى أزمة ممتدة، مع تداعيات تطاول الاقتصاد العالمي بأسره.
اندبندنت عربية
المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=136&id=202129