هل يتحمل الاقتصاد الإسرائيلي حربا طويلة مع إيران؟
16/06/2025




على رغم مرونة الاقتصاد فإن الشعور الشعبي العام بالأضرار يضغط على واضعي السياسات


هناك أضرار اقتصادية مباشرة وأخرى غير مباشرة يمكن أن تتفاقم إذا استمر القصف المتبادل لفترة 

 سيرياستيبس :

مع أن الاقتصاد الإسرائيلي من أكثر اقتصادات المنطقة تطوراً وتنوعاً ومرونة، إلا أن بدء استهداف المنشآت الاقتصادية المهمة في اليوم الثاني من الصراع بين تل أبيب وطهران يمكن أن تكون له تأثيرات سلبية بعيدة المدى.

جاء رد الفعل الاقتصادي في إسرائيل على قصفها لإيران ثم الرد الإيراني واستمرار تبادل الهجمات والقصف مع فتح الأسواق الإسرائيلية أول أيام الأسبوع، إذ شهدت بورصة تل أبيب عند بداية التعامل صباح الأحد تراجعاً واضحاً بما يقارب نقطة مئوية نتيجة انخفاض في مؤشرات أسهم البنوك بأكثر من نسبة اثنين في المئة، وارتفعت نسبة العائد على السندات الحكومية الإسرائيلية بصورة واضحة (بنسبة 0.1 في المئة) لتصل إلى 4.68 في المئة على السندات متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات، ما يعني انخفاض قيمة السندات التي تتناسب عكسياً مع نسبة العائد عليها.

لكن الانخفاض في السوق لا يبدو كبيراً كما حدث في بداية الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ومع ذلك فإن استمرار القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران، وإن كان يضر بالاقتصاد الإيراني المتعثر أصلاً والخاضع لعقوبات مشددة منذ عقود بصورة أكبر، إلا أنه يضر أيضاً بالاقتصاد الإسرائيلي بحسب تقديرات غالب المحللين الإسرائيليين.

وكتب الصحافي الإسرائيلي يوسي ميلمان مقالاً في مجلة "ذا سبيكتاتور" البريطانية المحافظة عن فتح الصراع مع إيران قائلاً "الجمهور الإسرائيلي المرهق من الحرب في غزة والأزمة السياسية والانقسامات في البلاد عليه أن يتحمل تبعات قرار الحكومة (ضرب إيران والحرب معها) مع تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية".

ومع أن الاقتصاد الإسرائيلي من أكثر اقتصادات المنطقة تطوراً وتنوعاً ومرونة، إلا أن بدء استهداف المنشآت الاقتصادية المهمة في اليوم الثاني من الصراع بين تل أبيب وطهران يمكن أن تكون له تأثيرات سلبية بعيدة المدى.

تأثيرات مباشرة وغير مباشرة

هناك أضرار اقتصادية مباشرة وأخرى غير مباشرة يمكن أن تتفاقم إذا استمر القصف المتبادل لفترة أو إذا توسع الصراع أكثر بدخول أطراف أخرى فيه. في بداية الحرب على غزة نهاية العام قبل الماضي اضطر البنك المركزي الإسرائيلي لضخ أكثر من 30 مليار دولار في السوق لدعم العملة، الشيكل، وتوفير السيولة مع تعطل كثير من النشاطات الاقتصادية، لكن حتى الآن لم يضطر البنك إلى تكرار ذلك.

بعد قصف إسرائيل منشآت الطاقة الإيرانية في تبريز وبوشهر وميناء بندر عباس وحقل جنوب بارس السبت ردت طهران بقصف منشآت الطاقة الإسرائيلية في حيفا، وهذا الاستهداف لمنشآت الطاقة سيكون له تأثير مباشر في اقتصاد إسرائيل، فضلاً عن التأثيرات غير المباشرة لاضطراب أسواق الطاقة في العالم التي ستتبدى واضحة مع بداية تعاملات الأسواق العالمية الإثنين.

كانت إسرائيل أغلقت حقلي الغاز كارش وليفاثان مع بداية ضرب إيران، مما يعني توقف التصدير منهما وخسارة عائدات البيع إلى جانب توقف الإمدادات داخلياً لبعض الصناعات الإسرائيلية، مع أنه لا توجد مشكلة طاقة في إسرائيل حتى الآن، إلا أنه مع استمرار الحرب واحتمالات استهداف مزيد من المنشآت يمكن أن يتضرر هذا القطاع أكثر.

وفي غير قطاع الطاقة والصناعات المرتبطة به، هناك قطاع السياحة والسفر والخدمات والترفيه، فمع إغلاق مطار بن غوريون وتوقف السفر الجوي وتعطل غالب المواصلات في المدن الرئيسة يخسر الاقتصاد الإسرائيلي ليس فقط عائدات السياحة، المتراجعة أصلاً بسبب الحرب على غزة ولبنان وسوريا واليمن منذ فترة، إنما أيضاً تشغيل الأعمال بصورة عامة.

يمكن للاقتصاد الإسرائيلي تحمل تبعات ذلك لأيام من دون مشكلة، إنما طول فترة الصراع سيعني مزيداً من الخسائر المباشرة التي قد لا تسبب ضرراً كبيراً واضحاً.

احتياطات ومؤشرات

لدى البنك المركزي الإسرائيلي احتياطات أجنبية بنحو 215 مليار دولار، وهي تكفي لتغطية واردات إسرائيل لأكثر من 26 شهراً حتى لو توقف النشاط الاقتصادي في البلاد، يصل حجم الاقتصاد الإسرائيلي إلى 540 مليار دولار (الناتج المحلي الإجمالي)، ومعدلات التضخم تزيد قليلاً على ثلاثة في المئة ونسبة بطالة تقترب من أربعة في المئة. ومع أن الديون الأجنبية الإسرائيلية، بحسب أحدث إحصاءات رسمية العام الماضي، تزيد قليلاً على 147 مليار دولار إلا أن نسبة الدين الخارجي من الناتج المحلي الإجمالي في حدود 27 في المئة.

مع ذلك تشهد الموازنة الإسرائيلية عجزاً متزايداً نتيجة كلفة الحرب على غزة التي لم تتوقف، وطبقاً لتقديرات وزارة المالية الإسرائيلية فإن كلفة تلك الحرب، من حيث استدعاء الاحتياط ورواتبهم وإمدادات الذخيرة وغيرها من المصروفات العسكرية، تصل إلى مليار شيكل (نحو 280 مليون دولار) يومياً. وإذا أخذنا في الاعتبار استمرار تلك الحرب منذ خريف عام 2023 حتى الآن، تكون الكلفة التقديرية بصورة مباشرة على الموازنة الإسرائيلية ما يقارب 175 مليار دولار.


لم يشهد الاقتصاد الإسرائيلي انكماشاً في تلك الفترة، بل واصل النمو، وإن بمعدلات متواضعة جداً في حدود نقطة ونصف النقطة المئوية، إنما من المهم الإشارة إلى أن الحرب على غزة كانت خسائرها الاقتصادية تتعلق بزيادة الإنفاق العسكري وبعض الخسائر المباشرة من توقف نشاطات اقتصادية خلال ذروة الحرب مع لبنان.

الصراع مع إيران يعني القصف الصاروخي المكثف مع ما يتطلبه ذلك من إطلاق صواريخ الاعتراض المكلفة واحتمالات الإضرار بالبنية الاقتصادية وتعطل الأنشطة تكون كلفته أكثر بكثير بخاصة إذا استمر لأسابيع.

تأثيرات مستقبلية

على رغم رفع الحكومة الإسرائيلية سقف الاقتراض بزيادة نسبة العجز المستهدف في الموازنة بمقدار 1.1 في المئة إلى 7.7 في المئة، فإن التقديرات هذا العام هي أن يصل العجز إلى نسبة تسعة في المئة، وهي نسبة وإن كانت عالية بالمعايير الدولية، لكن مرونة الاقتصاد الإسرائيلي تجعله يتحملها إلى حد كبير.

كان غالب وكالات التصنيف الائتمانية العالمية الكبرى، مثل "موديز" و"ستاندرد أند بورز"، خفضت العام الماضي تصنيفها للدين السيادي الإسرائيلي. وفي حال استمرار الصراع مع إيران، وتدهور المؤشرات المالية والاقتصادية أكثر يمكن أن تخفض تلك الوكالات تصنيف إسرائيل مجدداً، لذلك تأثير مهم في الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يشكل ركيزة أساسية للنشاط والنمو الاقتصادي في إسرائيل، بخاصة أن الاقتراض الحكومي في زيادة مطردة منذ نهاية عام 2022 ووصل في النصف الثاني من العام الماضي إلى 1.25 تريليون شيكل (351 مليار دولار) بحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية.

ربما يفسر ذلك أن أول تأثر سلبي من الحرب مع إيران صباح الأحد كان في قطاع البنوك والمؤسسات المالية التي تعد مقرضاً داخلياً أساساً للحكومة الإسرائيلية.

وتقدر بعض التحليلات أن الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي تراجع العام الماضي بنسبة تصل إلى 17 في المئة يمكن أن يشهد مزيداً من التراجع مستقبلاً في حال استمرار الصراع مع إيران، أما إذا توسع الصراع ودخلت فيه أطراف أخرى من حلفاء إسرائيل فمن الصعب تقدير تبعات ذلك على الاقتصاد الإسرائيلي، وحتى على الاقتصاد العالمي.

اندبندنت عربية



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=131&id=202071

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc