ترى الدراسة التي أعدها الاقتصادي المصري،
أحمد آدم، أنه مع زيادة الأخطار الجيوسياسية ستتردد رؤوس الأموال الأجنبية
في البقاء أو الدخول إلى المنطقة، والمستثمرون يبحثون عن الاستقرار وأي
تصعيد سيؤدي إلى سحب الاستثمارات القائمة أو تجميد الاستثمارات الجديدة،
وهو ما سيؤثر سلباً في صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة وبالتبعية في
ناتج أعمال الميزان الجاري بدول المنطقة.
هذا سيؤثر في المشاريع التنموية الكبرى في
دول المنطقة التي تعتمد بصورة كبيرة على الاستثمار الأجنبي والمشاريع
المشتركة، علاوة على أن الدول التي تعتمد على توفير حاجاتها من العملات
الأجنبية وبخاصة الدولار من خلال الاستثمارات القصيرة الأجل في أدوات الدين
ستشهد انخفاضاً كبيراً في هذه الاستثمارات، وهو ما سيشكل ضغطاً على أسعار
صرف عملاتها.
مخاوف من عودة التضخم العالمي إلى الصعود
الدراسة أشارت إلى أن الارتفاع المستمر في
أسعار النفط بخاصة مع مرور الناقلات عبر مضيق هرمز يزيد من الضغوط
التضخمية عالمياً، مما قد يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، ومن ثم تقليل
الطلب على النفط على المدى الطويل، علاوة على أن ارتفاع أسعار الطاقة سيزيد
من كلفة الإنتاج والشحن لجميع الصناعات مما يزيد من الضغوط على سلاسل
التوريد العالمية.
ومع تصاعد التوترات ستجد دول المنطقة
نفسها مضطرة إلى زيادة موازناتها الدفاعية مما يحول الموارد بعيداً من
المشاريع التنموية والخدمات الأساسية الأخرى، وهذا يمكن أن يشكل عبئاً
إضافياً على الموازنات العامة لدول المنطقة.
يضاف إلى ذلك أن زيادة كلفة فتح الاعتمادات المستندية سترفع أقساط التأمين
على السفن والطائرات التي تمر بالمنطقة أو تتجه إليها بصورة كبيرة مما
يزيد من الكلف التشغيلية ويقلل من جاذبية التجارة عبر هذه المسارات. ولفتت
الدراسة إلى أن بعض شركات الشحن قد تفضل تغيير مساراتها مما يزيد المسافة
والوقت والكلفة، إضافة إلى أن كثيراً من دول المنطقة تعتمد بصورة كبيرة على
استيراد الغذاء، وارتفاع كلفة الشحن وتأمين البضائع قد يؤدي إلى ارتفاع
أسعار المواد الغذائية الأساسية، مما يفاقم الضغوط التضخمية ويؤثر في
القدرة الشرائية للمواطنين.
ومع تباطؤ النمو الاقتصادي في القطاعات
المتضررة (مثل السياحة والتجارة) قد نشهد تسريحاً للعمالة أو تجميداً
للتوظيف مما يزيد من معدلات البطالة ويؤثر في الدخل الفردي والاستهلاك وقد
يؤثر أيضاً في التحويلات المالية من العمالة الوافدة التي تعد مصدر دخل مهم
لكثير من الدول العربية غير النفطية مثل مصر والأردن ولبنان وسوريا
والسودان.
وبحسب المتحدث، من المتوقع أن تتأثر
السياحة سواء كانت الوافدة إلى دول المنطقة مثل دبي والسعودية ومصر والأردن
أو السياحة المتجهة من مواطني الخليج
إلى دول مثل أوروبا أو شرق آسيا وهو ما يمكن أن يؤثر في حركة السياحة
العالمية، وستتأثر كل الدول التي تعتمد على إيرادات السياحة في دعم موازين
مدفوعاتها وأسعار صرف عملاتها.
مصر تتصدر قائمة الدول المتضررة
وأشارت إلى أن استمرار الأحداث الأخيرة
سيؤثر وبقوة في بورصات دول المنطقة وخصوصاً بورصات دول الخليج، وهو ما
سيؤثر وبالتبعية في القيمة السوقية لبنوك المنطقة، كذلك سيؤثر سلباً في
القيم السوقية لاستثمارات هذه البنوك بالأوراق المالية المقيدة بالبورصات
وأسواق المال، وهو ما يستدعي زيادة تكوين مخصصات ضد هبوط أوراق مالية تؤثر
في النهاية في ناتج أعمالها.
ستتأثر الأجهزة المصرفية لدول منطقة الشرق
الأوسط من خلال ارتفاع الأخطار، وهو ما سيؤثر في حركة التجارة بهذه الدول
وسيؤثر سلباً في حجم الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان الخارجية
المفتوحة وبالتبعية ستتأثر عوائد الخدمات المصرفية سلباً، وناتج أعمال
البنوك بطبيعة الحال، وفق الدراسة.
يشير آدم إلى أن ارتفاع أخطار الائتمان
وخصوصاً للشركات المتعاملة مع إسرائيل وإيران والشركات بمنطقة الخليج سيدفع
البنوك إلى زيادة المخصصات العامة والخاصة للقروض وهو ما سيؤثر سلباً في
ناتج أعمال بنوك المنطقة، وقد تواجه البنوك تحديات في إدارة السيولة إذا
بدأ العملاء في سحب ودائعهم خوفاً من تدهور الأوضاع مع صعوبة حصول البنوك
على تمويلات دولية في ظل ارتفاع درجة الأخطار السيادية للدول.
وقالت الدراسة إن هذا السيناريو يمثل ضغطاً اقتصادياً هائلاً على مصر، وهو ما يجعل مساعي احتواء التصعيد
الإقليمي ذات أهمية قصوى ليس فقط لأسباب أمنية لكن أيضاً لأسباب اقتصادية
حيوية، إذ تعتمد مصر بصورة كبيرة على تدفقات الأموال الساخنة (استثمارات
الأجانب في أدوات الدين الحكومية القصيرة الأجل مثل أذون الخزانة) لتوفير
النقد الأجنبي اللازم لدعم احتياطاتها وتغطية حاجاتها من الواردات وسداد
الديون، وأي تصعيد كبير في المنطقة يزيد من حال عدم اليقين، وهذا يدفع
المستثمرين الأجانب إلى سحب استثماراتهم من الأسواق الناشئة التي تعد أكثر
عرضة للأخطار والتوجه إلى الملاذات الآمنة.
انسحاب تلك الاستثمارات يعني تراجعاً
حاداً في تدفقات النقد الأجنبي مما يقلل من المعروض من الدولار في السوق
المصرية، وفق الاقتصادي، ومع تراجع تدفقات النقد الأجنبي نتيجة انسحاب
الأموال الساخنة سيزداد الضغط على سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار،
وهذا قد يؤدي إلى تراجع جديد في قيمة الجنيه مما يزيد من كلفة الواردات
(السلع الأساسية والمواد الخام) ويسهم في ارتفاع معدلات التضخم التي
تعانيها مصر بالفعل.
وأشارت
الدراسة إلى أن مصر لديها التزامات لسداد ديون خارجية وفوائد مستحقة خلال
هذا العام، وقدرة مصر على الوفاء بهذه الالتزامات تعتمد بصورة أساس على
قدرتها على توفير النقد الأجنبي الكافي من مصادر مختلفة مثل السياحة
وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر
والصادرات، هذا بخلاف قروض المؤسسات الدولية، ومع تراجع السياحة المتوقع
لأن التوتر الإقليمي يؤثر سلباً في قطاع السياحة وهو مصدر حيوي للنقد
الأجنبي لمصر، كذلك ستتأثر أيضاً عائدات قناة السويس.
اندبندنت عربية