هل يتحمل اقتصاد إيران صدمات الحروب المباشرة؟
13/06/2025




سيرياستيبس :

فيما يرضخ الاقتصاد الإيراني تحت وطأة سلسلة أزمات تبدأ بتجاوز معدلات الفقر مستويات قياسية، مع زيادة كبيرة وقياسية في معدلات التضخم، إضافة إلى انتشار البطالة والانهيارات المتسارعة للعملة المحلية مقابل الدولار الأميركي. ومع إعلان إسرائيل الهجوم على عديد من المواقع الإيرانية، يبقى السؤال الأهم: هل يتحمل الاقتصاد الإيراني الدخول في حروب مباشرة.

ويمر الاقتصاد الإيراني بأزمة كبيرة متعددة الأبعاد، تتضمن ارتفاع التضخم، وتراجع النمو، وانخفاض قيمة الريال، وارتفاع معدلات البطالة. وبالإضافة إلى هذه الأزمة الداخلية، فإن العقوبات الدولية، وخصوصاً تلك التي فُرضت خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب، تزيد من حدة الأزمة وتعوق قدرة إيران على الوصول إلى السوق العالمية.

ومنتصف الشهر الماضي، رسم صندوق النقد الدولي صورة مقلقة للتدهور الاقتصادي، والتضخم الشديد، وانكماش الاقتصاد، وزيادة عجز الموازنة في إيران، مما قد يكون مؤشراً إلى عدم استقرار طويل الأمد.
وتوقع أن يبلغ نمو الاقتصاد الإيراني عام 2025 نسبة 0.3 في المئة فحسب، في حين كان قد توقع في تقريره السابق في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 نمواً بنسبة 3 في المئة.

يعود هذا الانخفاض الحاد إلى الضغوط المتزايدة للعقوبات الأميركية التي تهدف إلى تقليص عائدات إيران النفطية وقطع وصولها إلى الموارد المالية.

وقال الصندوق إن قطاع النفط الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد الإيراني، سيشهد مزيداً من الضرر في الظروف الحالية. وقدر أن ينخفض إنتاج وتصدير النفط الإيراني في العام المقبل بمقدار 300 ألف برميل يومياً.

ارتفاع أسعار السلع بأكثر من 100 في المئة

في سياق الأزمات، كان مركز الإحصاء الإيراني، أعلن أن معدل التضخم الشهري للسلع الأساس بلغ 3.9 في المئة خلال الشهر الأول من العام الإيراني الجديد (بدأ في الـ21 من مارس (آذار) الماضي، مما يعد أعلى مستوى يسجله هذا المؤشر خلال الأشهر الـ17 الماضية.
ووفقاً للإحصاءات الرسمية، بلغ معدل التضخم الشهري في مجموعة المواد الغذائية خلال مارس الماضي 4.2 في المئة، وهو مستوى لا يزال يعد مقلقاً، إذ يفرض ضغوطاً إضافية على الأسر ذات الدخل المحدود.

ومع زيادات حادة في معدلات التضخم، كان "اتحاد بنك الطعام" في طهران أكد في بيانات سابقة، أن السلع الأساس والمواد الغذائية الحيوية شهدت ارتفاعاً في الأسعار لا يقل عن 100 في المئة خلال أقل من عام.

وتشير بيانات مركز الإحصاء الإيراني إلى أن معدل التضخم السنوي خلال الشهر الأول من العام الإيراني بلغ مستوى غير مسبوق ووصل إلى 38.9 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

ويعني هذا الرقم أن الأسر الإيرانية تنفق في المتوسط 38.9 في المئة أكثر مما كانت تنفقه العام الماضي لشراء سلة السلع نفسها.
وتعد هذه الزيادة أشد وطأة في فئات مثل المواد الغذائية والمشروبات، مما يجعل التأثير أكثر قسوة في الطبقات الفقيرة التي تخصص الجزء الأكبر من دخلها لتأمين الغذاء، بالتالي تتحمل العبء الأكبر من هذه الأزمة.

ومن النقاط اللافتة الأخرى في بيانات هذا المركز الحكومي، التفاوت في معدلات التضخم بين الشرائح المختلفة من الدخل. ووفقاً لما أعلنه مركز الإحصاء الإيراني، بلغ معدل التضخم السنوي لشريحة الدخل الثانية (من بين الشرائح ذات الدخل الأدنى) 32.1 في المئة، في حين وصل إلى 33.5 في المئة للشريحة التاسعة.

الانهيارات تحاصر العملة الإيرانية
في السياق ذاته، وبحسب بيانات البنك الدولي، فإن التضخم في إيران عام 2023 كان ثامن أعلى معدل في العالم، بمعدل سنوي بلغ 44.6 في المئة، ولكن يزعم أن الزيادات الفعلية في الأسعار أعلى من ذلك بكثير، حيث تجاوز معدل التضخم السنوي 30 في المئة منذ عام 2019، وتكمن المشكلة الأكثر خطورة في أسعار الأدوية والمواد الغذائية، إذ ارتفعت أسعار الخضراوات بنحو 17 في المئة في فبراير (شباط) وحده.

وتميزت السنة المالية بانخفاض مستمر في قيمة العملة المحلية، حيث أصبح الدولار الأميركي يساوي نحو مليون ريال إيراني، ليصبح الريال ثاني أضعف عملة في العالم بعد الليرة اللبنانية، ودفعت معدلات البطالة المرتفعة وانهيار الريال وارتفاع التضخم أكثر من 80 في المئة من الأسر الإيرانية إلى ما دون خط الفقر، وفقاً لمعايير البنك الدولي، حيث يعيش نحو 30 في المئة من هذا السكان في فقر مدقع.
بالعودة إلى تقرير صندوق النقد الدولي، فمن المتوقع أن تنخفض إجمالي الصادرات الإيرانية (بما في ذلك النفط، والسلع غير النفطية، والخدمات) بنسبة 16 في المئة هذا العام، لتصل إلى 100 مليار دولار، كما ستنخفض الواردات بنسبة 10 في المئة لتصل إلى 98 مليار دولار. ونتيجة لذلك، سيكون الفائض التجاري الإيراني ملياري دولار فحسب، مقارنة بـ10 مليارات دولار في العام الماضي.

وعلى رغم الفائض التجاري الإيجابي في السنوات الماضية، لا يزال هرب رؤوس الأموال من إيران عند مستوى مقلق. وأعلن البنك المركزي الإيراني أن نحو 14 مليار دولار من رؤوس الأموال غادرت البلاد في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، مقارنة بـ20 مليار دولار في العام السابق له. ومنذ إعادة فرض العقوبات عام 2018، تضاعف هرب رؤوس الأموال من البلاد نحو ست مرات.

صدمة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي
لكن الصدمة الأكبر تتعلق بالناتج المحلي الإجمالي الاسمي، وهو مؤشر يعكس حجم اقتصاد الدولة على المستوى العالمي بناءً على الأسعار الجارية وبحساب الدولار الأميركي. حيث قدر صندوق النقد الدولي أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لإيران عام 2025 إلى 341 مليار دولار، أي أقل بـ60 مليار دولار عن عام 2024. السبب الرئيس لهذا الانخفاض هو الانهيار الحاد في قيمة التومان، الذي خسر نحو نصف قيمته في العام الماضي وحده.

وعلى رغم أن إحصاءات النمو الاقتصادي في إيران بناءً على الأسعار الثابتة (لعام 2016) ودون احتساب آثار التضخم وانخفاض قيمة التومان قد تبدو مستقرة، فإن الأخذ بالأسعار الجارية يكشف بوضوح الحقيقة المريرة لانكماش الاقتصاد.
ويتسارع التضخم في إيران بسرعة كبيرة. ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته لتضخم إيران عام 2025 من 37 في المئة في تقريره السابق إلى 43.3 في المئة، ليضع إيران إلى جانب دول مثل فنزويلا والسودان وزيمبابوي في المرتبة الرابعة عالمياً من حيث التضخم. ويمكن إرجاع هذا التضخم الشديد إلى انهيار قيمة التومان، والقيود على استخدام الاحتياطات الأجنبية، وزيادة اقتراض الحكومة الداخلي بصورة حادة، وارتفاع كلف الواردات في ظل العقوبات.

وأشار صندوق النقد إلى أن إيران ستحتاج لبيع النفط بسعر 163 دولاراً للبرميل لتتمكن من موازنة موازنتها لعام 2025 دون عجز، في حين أن متوسط سعر النفط العالمي يبلغ نحو 66 دولاراً. وبالفعل، أعدت الحكومة الإيرانية موازنة العام المقبل بناءً على تصدير 1.85 مليون برميل نفط يومياً بسعر 67 دولاراً، لكن صندوق النقد الدولي يقدر أن تصدير النفط الخام الإيراني الفعلي لن يتجاوز نحو 1.1 مليون برميل يومياً. وتصدر إيران أيضاً نحو 200 ألف برميل يومياً من المكثفات الغازية، لكن الفجوة بين الصادرات الفعلية وأرقام الموازنة لا تزال ضخمة، مما سيؤدي إلى نقص كبير في إيرادات الحكومة.
وفي السنوات الأخيرة واجهت الحكومات الإيرانية المتتالية، عجزاً في الموازنة يعادل نحو ثلث إجمالي النفقات، ولتغطية هذا العجز، لجأت إما إلى طباعة النقود أو الاقتراض من البنوك وصندوق التنمية الوطني، وهي خطوات أدت إلى تأجيج التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي.

وتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة دين الحكومة الإيرانية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 39.9 في المئة هذا العام، وإلى 41.9 في المئة في العام المقبل، وهي أرقام مقلقة للغاية بالنسبة إلى اقتصاد يعاني عقوبات قاسية.

اندبندنت عربية 



المصدر:
http://www.syriasteps.com/index.php?d=131&id=202040

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc