سيرياستيبس
منذ سقوط النظام السابق، دخل قطاع العقارات في حال من الشلل التام نتيجة توقف إجراءات نقل الملكية العقارية في دوائر السجل العقاري، بذريعة ضبط أملاك النظام السابق.
لم يكن بالإمكان إنجاز عمليات البيع والشراء إلا في حالات معينة، تبرم فيها العقود عبر محامين بموجب قرار محكمة، وهي عمليات غير مضمونة وتنطوي على أخطار.
كان واقع سوق العقارات قبل السقوط سيئاً، إذ كان يعاني ارتفاعاً كبيراً في الأسعار تزامن مع حال شديدة من الركود، وكثيراً ما شكلت العقارات وجهاً رئيساً من أوجه النشاط الاقتصادي في البلاد ومقصداً للسوريين لادخار أموالهم، لكن خلال السنوات الأخيرة، قيدت عمليات البيع والشراء بضريبة البيوع العقارية، التي كان ينظر إليها على أنها حال "مقيتة" للجباية أكثر من كونها ضريبة مستحقة.
وفرض على البائعين إيداع نصف ثمن العقار في أحد المصارف المحلية، ليخضع لاحقاً لسياسات تقييد السحب النقدي، وقد يستغرق سحب المبلغ كاملاً سنوات.
دفع ذلك كثيراً من المواطنين إلى التحايل للتهرب من الإيداع، عبر تسجيل مبالغ لا تعبر عن الثمن الحقيقي للعقار، وغالباً ما كانت عمليات البيع تتم بالدولار المحظور قانوناً. كثيرون وقعوا ضحايا لهذا الوضع، إذ كانت الأجهزة الأمنية والمراقبون الماليون يتعقبون عمليات البيع، ويجبرون البائعين على دفع مبالغ طائلة كنسبة من ثمن العقار، في مقابل عدم تحويلهم إلى القضاء بتهمة التعامل بغير الليرة، وهي تهمة قد تودي بصاحبها إلى السجن وغرامات باهظة.
اليوم تسعى الحكومة إلى إغلاق هذا الملف، عبر نظام ضريبي جديد أكثر وضوحاً وعدالة، يضمن الحقوق ويكافح التلاعب والفساد السابق.
إلغاء "القيمة الرائجة" والإيداع البنكي شملت التعديلات اعتماد مجموعة من الإجراءات التي يتوقع أن تحدث تحولاً كاملاً في النظام الضريبي العقاري في سوريا، وأبرزها إلغاء العمل بنظام القيمة الرائجة لتحديد الضريبة، واعتماد التصريح المقدم من البائع والمشتري كأساس في احتساب الضريبة، مما يعكس القيمة الحقيقية للصفقة، ويعزز الشفافية والثقة بين الأطراف، بعدما كان يتلاعب في السابق بالقيم الرائجة، مما جعل صفقات البيع غير شفافة.
تضمنت التعديلات أيضاً إلغاء شرط الإيداع البنكي في عمليات البيوع العقارية، ضمن إطار تبسيط الإجراءات واعتماد "مبدأ النافذة الواحدة"، الذي يمكن المواطنين من إنجاز جميع معاملاتهم في مكان واحد، مما يقلل من التعقيدات الإدارية ويوفر الوقت والجهد، مع دمج الرسوم المختلفة ضمن ضريبة واحدة تشمل جميع الإضافات، مثل رسوم إعادة الإعمار والإدارة المحلية ورسم الطابع وغيرها، وبهذا تصبح ضريبة البيوع العقارية شاملة ومبسطة، وفقاً للنسب التالية: 1.5 في المئة للعقارات السكنية، واثنين في المئة للأراضي خارج المخطط التنظيمي المصادق، وثلاثة في المئة للأراضي داخل المخطط، إلى جانب أربعة في المئة للعقارات التجارية.
وزير المالية: ضرائبنا الأقل عربياً وزير المالية السوري الدكتور محمد يسر برنية، صرح عبر منشور على منصة "لينكدإن"، بأن معدلات ضريبة البيوع العقارية المعتمدة في سوريا تعد من الأدنى مقارنة بدول الجوار والدول العربية الأخرى، وأكد أن الوزارة تعمل على بناء قاعدة بيانات للمعاملات العقارية، لتعزيز العدالة والكشف عن المخالفات، معتبراً أن هذه الإصلاحات تمثل خطوة لبناء الثقة بين الدولة والمواطنين.
هل النظام الضريبي العقاري جاذب للاستثمارات؟ أوضحت لجنة الإصلاح الضريبي، التي تضم نخبة من المتخصصين، أن مراجعة البيوع العقارية لن تشمل العمليات التي جرت قبل عام 2021، وذلك لتجنب مشكلات الماضي، وقال عضو اللجنة محمد الشاعر لـ"اندبندنت عربية"، إن إصلاح ضريبة البيوع العقارية يستند إلى معايير عالمية تركز على تبسيط الإجراءات، وتأكيد العدالة، والحد من الاجتهادات الشخصية. ولفت إلى أن الإصلاحات تهدف لجعل النظام الضريبي العقاري في سوريا أكثر تنافسية إقليمياً، وأكثر جذباً للاستثمارات، من دون المساس بمبدأ العدالة الضريبية.
وأشار إلى قائمة من الإعفاءات الاجتماعية والإنسانية المتوقعة، أبرزها الهبة والإعارة بين الأصول والفروع والأزواج، ونقل الملكية من شركة أشخاص إلى شركة أموال، وإعفاء عقود الإيجار السكني للسوريين، وإعفاء التراجع عن البيع (النكول) من الضريبة، وتضمن التشريع المنتظر تنظيم ضريبة الإيجار كالآتي صفر للعقارات المؤجرة للسوريين، و1.5 في المئة للعقارات المؤجرة لغير السوريين، والنسبة ذاتها للأراضي داخل المخطط، و2.5 في المئة للعقارات التجارية، مؤكداً أن هذه النسب تشتمل على جميع الرسوم المرافقة، مما يعزز شمولية النظام الضريبي ويقلل التداخلات الإدارية.
استعدادات لسوق عقارية أكثر ديناميكية قال الشاعر "سوريا تسعى إلى مستقبل اقتصادي واستثماري واعد، ونتوقع تحقيق معدلات نمو تتجاوز توقعات البنك الدولي (واحد في المئة)"، مضيفاً أن عودة النازحين، نشاط السوق السياحي، وتحفيز رجال الأعمال العائدين سيسهم في إنعاش الاقتصاد، خصوصاً مع تهيئة بيئة استثمارية مناسبة.
منذ تحرير العاصمة في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 وسقوط النظام، تشهد سوق العقارات جموداً غير مسبوق في حركة البيع والشراء، نتيجة توقف إجراءات نقل الملكية في دوائر السجل العقاري بمختلف المحافظات.
في المقابل، تنشط سوق تأجير الشقق السكنية في العاصمة وريفها، نظراً إلى توافد السوريين العائدين بزيارات طويلة أو للاستقرار، وأدى النزوح الداخلي بين المناطق، وخصوصاً في دمشق والساحل السوري، إلى ارتفاع الطلب على الإيجارات، مما رفع الأسعار في الأرياف.
وشهدت أسعار العقارات في مناطق المخالفات تراجعاً حاداً، تراوح ما بين 30 و40 في المئة، وأحياناً أكثر، فعلى سبيل المثال، شقة في "مزة 86" تعرض اليوم بسعر 200 مليون ليرة (20 ألف دولار)، بعد أن كانت تقدر بـ600 مليون ليرة (60 ألف دولار) قبل سقوط النظام.
يقول معن طراف، وهو أحد السكان، "بعت منزلي الذي كلفني كثيراً بـ500 مليون ليرة (50 ألف دولار)، بينما كان ثمنه مليار ليرة (100 ألف دولار) قبل سنوات. اضطررت إلى البيع بخسارة، لأني قررت العودة لقريتي في محافظة اللاذقية".
عودة البيع المرتقبة مع اقتراب صدور القوانين الضريبية الجديدة، يتوقع المتخصصون أن تشهد السوق العقارية موجة بيع واسعة، إذ تنتظر آلاف العقارات استئناف إجراءات نقل الملكية في السجل العقاري، لإنهاء عمليات البيع المؤجلة.
اندبندنت عربية
|