سيرياستيبس :
باتت مشكلة تأمين المسكن من المشكلات الحساسة التي تؤرق الشباب السوري، وهذه المشكلة مستمرة منذ عدة عقود، وقد أهمل علاجها النظام المخلوع، بل عقدها وكرسها من خلال دعمه لشبكات عقارية من تجار العقارات، تحكمت بسوق العقارات، عبر رسم خطة محكمة، تبدأ من طريقة شراء الأراضي إلى تغيير الصفة التنظيمية للعقارات ومخالفة معايير ضابطة البناء، وانتهاء بالتشييد والعمران والتسعير المزاجي من دون حساب التكلفة الحقيقية بهدف جني الأرباح الفاحشة.
ويؤكد واقع الحال أن إيجاد المسكن النظامي الصحي اللائق أصبح حلماً يراود خيال كل شاب سوري يتطلع إلى الحياة المستقرة.
نماذج عن الأزمة انطلاقاً من خطورة أزمة السكن وارتفاع سعر المسكن بشكل تصاعدي وعجْز الشباب عن تأمينه، وتأثير ذلك على مستقبلهم وقفت صحيفة الثورة على آراء بعض الشباب ومعاناتهم في الحصول على المسكن، واستبشارهم بانخفاض سعره بعد التحرير.
الشاب مجد حسين، قال: إنني منذ عدة سنوات أعمل على بسطة لبيع الخضار والفاكهة، لكنني لم أتمكن من شراء مسكن نتيجة الغلاء المتصاعد للأسعار، ما جعل طموحي يتحطم على صخرة الواقع المرير.
وناشد مجد الحكومة الحالية أن تضع مشكلة تأمين المسكن في أولوية اهتماماتها، وهو يأمل بوضع الخطط اللازمة لمعالجة أزمة السكن، وتأمينه بأسعار معقولة ومتناسبة مع الأجور.
أما الشاب جابر حسون، فأكد أنه متزوج منذ عامين، ويسكن مع زوجته في غرفة واحدة، مقتطعة من بيت أهله، وأوضح أن سكنه لا يليق بالكرامة الإنسانية، مضيفاً: إن أزمة السكن تتفاقم ويشتد تأثيرها على جيل الشباب، خاصة أن النظام المخلوع استهتر بحلها.
بدوره الشاب لؤي يوسف، أشار إلى أنه شارف على الثلاثين من العمر، ولم يفكر بالزواج بسبب عدم قدرته المادية على شراء مسكن، مع العلم أن المساكن انخفضت أسعارها بعد سقوط النظام البائد، لكن لاتزال مرتفعة قياساً بالأجور الضعيفة.
ورأى الشاب سعد ديوب أن عدم تمكن الشباب من شراء مسكن يعود بشكل أساسي إلى تدني الدخل وعدم تناسبه مع الغلاء الفاحش المتزايد للمساكن، ولفت إلى أن سبب الغلاء يعود إلى تجار العقارات الذين يتحكمون بالسوق.
أسباب الأزمة
يتضح من خلال آراء الشباب أن أزمة السكن تشكل عائقاً حقيقياً أمام استقرارهم وأمام تشكيل أسرة، وقد يكون من أسباب وجودها ارتفاع أسعار مواد البناء، مع العلم أنها انخفضت بعد التحرير، لكن لم يتناسب الانخفاض مع الأجور، خاصة أن السيولة لم تعد متوفرة، ما أدى إلى جمود سوق العقارات.
وأكد أبو إبراهيم، صاحب مكتب الجسر العقاري، أن السوق العقارية تعاني من ركود كبير، حيث توقفت حركة البيع والشراء بصورة شبه نهائية مؤخراً بمدينة اللاذقية، ويعود سبب الركود، وفق رأيه، إلى توقف نقل الملكية والتسجيل للعقار ضمن سجلات التوثيق العقاري.
وأضاف: من الأسباب أيضاً عدم استقرار السوق من ناحية تقييم السعر للمسكن، خاصة أن الكثير بات يعرض مسكنه للبيع بأقل من تكلفته، نظراً لحاجته للسيولة أو رغبته بالسفر خارج البلد.
ويتفق علي أحمد، صاحب مكتب الصفوان العقاري مع رأي أبو إبراهيم حول جمود السوق وعدم استقراره ويوضح أن عملية عرض المسكن للبيع لا يقوم بها إلا المضطر للبيع حالياً بفعل حاجته المادية لأسباب متعددة، ومع ذلك عنده في المكتب عشرات الشقق المسجلة والمعروضة للبيع ولا أحد يسأل، والعرض ازداد كثيراً، والطلب بات ضعيفاً جداً، وقد عرض البعض مسكنه بنصف قيمته بوسط مدينة اللاذقية، لكن لم يجد من يشتري.
وتمنى علي أن يتحرك السوق ويخرج سوق العقارات من ركوده المذهل بعد عودة الأمن والأمان وإرساء السلم الأهلي وعودة المهجرين إلى وطنهم، وأيضاً بعد وضع الحكومة الجديدة خطة مدروسة بهدف تحريك السوق وتأمين المساكن بأسعار متناسبة ومجزية ومدروسة.
وأكد صاحب مكتب الأمل أبو سعيد أنه منذ خمسة أشهر لم يتمكن من بيع شقة سكنية واحدة، وهذا الوضع جعله كأصحاب المكاتب العقارية يعاني صعوبة تأمين احتياجات العيش الضرورية.
أما الشباب فقد انهارت أحلامهم بتأمين مسكن يؤويهم ويؤمن لهم استقرارهم، بحسب أصحاب المكاتب العقارية.
حل الأزمة
عميد كلية الاقتصاد في جامعة اللاذقية الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الهادي الرفاعي، أكد أن أزمة السكن وغلاء سعر المسكن وارتفاع السعر بصورة متصاعدة، لا تعود إلى نقص في عدد المساكن والعقارات، بل إلى احتكار السوق والتلاعب بالأسعار، وتشير الإحصائيات إلى توافر آلاف الشقق السكنية الفارغة غير المسكونة، المملوكة ككتل سكنية من قبل تجار العقارات، هؤلاء التجار الذين تحولوا إلى شبكة منظمة استغلت الظروف منذ قيام ثورة الكرامة والحرية أي منذ ١٤ عاماً، واحتكرت السوق العقارية عن طريق شراء الأراضي وبناء الكتل الإسمنتية والمباني السكنية، وتسعيرها.
وأشار الدكتور عبد الهادي إلى أن هذه الشبكة الاحتكارية، خلال عهد النظام المخلوع، استحوذت على الأراضي بطرق ملتوية وأساليب انتهازية مخالفة للقانون، بحيث كانت مدعومة من قوى حكومية نافذة، سمحت لها بالتلاعب بالصفة التنظيمية للعقارات، ضاربة عرض الحائط بمعايير واشتراطات العمران في المناطق العقارية.
وأضاف أنه بعد بناء الكتل أو الأبراج السكنية يقوم تجار العقارات بتسعيرها بأسعار فاحشة لا يقوى أي شاب سوري على شرائها، وهذا ما ساهم في ركود السوق العقارية واستفحال أزمة السكن وانتشار الكتل الفارغة، مما جعلنا نوصف الأزمة بأنها أزمة إسكان وليست أزمة سكن.
وبين الدكتور عبد الهادي أن مدينة اللاذقية أتخمت بالكتل والأبراج السكنية التي بنيت خلال السنوات الأخيرة، وكان هدف تجار العقارات من بنائها هو جني أرباح طائلة.
السكن الشبابي
ويضيف: المباني السكنية التي يطلق عليها سكن الشباب، أي المخصصة للشباب، عجز أصحابها عن دفع أقساطها بعد تخصيصها للمكتتبين واستلامها من قبل المؤسسة العامة للإسكان، نظراً للتأخر في بنائها والحصول عليها، وتحول هذا السكن الشبابي الاجتماعي من سعر مقبول يلبي احتياجات الشباب للسكن إلى سكن تجاري محتكر من قبل سماسرة العقارات الذين يلجؤون إلى شرائها بسعر منخفض، ثم يقومون ببيعها بسعر مرتفع والهدف تحقيق الأرباح، وكل ذلك سبب أزمة السكن وساهم بغلاء المسكن.
وحول مقترحات حل الأزمة خاصة بعد رفع العقوبات عن سوريا، يرى الدكتور عبد الهادي أن حل الأزمة يحتاج إلى وقت، لكن من خلال السعي الجاد والفاعل من قبل الحكومة الحالية لسوريا الجديدة يمكن التخفيف من حدة الأزمة وتأثيرها عبر اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة كتشجيع الاستثمار في القطاع العقاري وتسهيل الإجراءات ومنح المزايا للمستثمرين بالتملك للأراضي من خلال إجراءات مبسطة دون وضع قيود وعراقيل كان يتبعها العهد البائد للسيطرة على سوق العقارات.
قروض ميسرة
ومن المقترحات لحل الأزمة هو إتاحة الفرص للشباب بتملك الشقق السكنية بأسعار مدروسة، ومنحهم قروضاً عقارية ميسرة من قبل مؤسسات التمويل العقاري والبنوك لكي يتمكن الشباب من دفع نصف قيمة المسكن على الأقل ومن دون فوائد عالية مرهقة.
واقترح الدكتور عبد الهادي على الحكومة الجديدة أن تضع على عاتقها حل مشكلة السكن للشباب المحتاجين إلى السكن، من خلال زيادة التمويل المالي في قطاع الاستثمار العقاري.