سيرياستيبس :
في الوقت الذي تصعّد فيه واشنطن ضغوطها السياسية والاقتصادية بهدف تجميد تدفقات النفط الروسي، يبدو أن الأسواق العالمية تُرسل رسالة مُغايرة تماماً. إذ تكشف أحدث بيانات تتبع شحنات النفط الخام المنقولة بحراً عن تسجيل الصادرات الروسية أعلى مستوى لها في 16 شهراً كاملاً.
هذه الأرقام المرتفعة تُثير تساؤلات فيما إذا كانت محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإقناع المشترين الرئيسيين بالتخلي عن نفط موسكو قد باءت بالفشل. وهل تفوقت جاذبية الاقتصاد وحاجة الأسواق على الإرادة السياسية لواشنطن؟ وهل أصبح التحدي الرقمي لتدفقات النفط الروسي دليلاً على أن المشترين يتجاهلون تحذيرات ترامب بصفقات قياسية؟
أكدت بيانات تتبع السفن أن صادرات النفط الخام الروسي المنقولة بحراً استقرت عند أعلى مستوى لها في 16 شهراً، حيث بلغ متوسط الشحنات لأربعة أسابيع المنتهية في 28 سبتمبر 3.62 مليون برميل يومياً، وهو ما يطابق أعلى مستوى سُجّل منذ مايو 2024. وجاء هذا التدفق القياسي رغم الضغوط المتواصلة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب على المشترين لوقف التعامل مع موسكو، بحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وأوضح التقرير أن هذا الثبات في أرقام التصدير يضع علامة استفهام حول فعالية الإجراءات السياسية الأميركية في تغيير الموازين الاقتصادية لسوق الطاقة، مشيراً إلى أن الارتفاع الأخير في الشحنات جاء على الرغم من ضغوط ترامب على المشترين، بما في ذلك الهند وتركيا والمجر ووسلوفاكيا، لوقف مشترياتهم. وحتى بعد أشهر من الضغط، لا تُظهر الهند أي علامات على خفض وارداتها، حيث أبلغ المسؤولون واشنطن أن أي خفض كبير في واردات النفط الروسي سيستلزم استبدالها بتدفقات من موردين يخضعون للعقوبات مثل إيران وفنزويلا.
أما الصين، أكبر مشترٍ خارجي حالياً للنفط الروسي، فقد أعلنت عن حرصها على تعميق علاقاتها في مجال الطاقة مع موسكو، بدلاً من خفضها. حيث قالت وزارة التجارة في بكين إنها ستدافع عن مصالحها بعد أن حثت الولايات المتحدة مجموعة السبع على فرض رسوم جمركية تصل إلى 100بالمئة على الدولة الآسيوية.
"وأشار التقرير إلى أنه في أغسطس، فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية إضافية بنسبة 25% على الصادرات الهندية، في محاولة لإقناع نيودلهي بوقف شراء النفط الروسي. وبينما تراجعت بشكل حاد كميات الخام على الناقلات التي تُظهر ميناءً هنديًا كوجهة نهائية، ارتفع حجم الشحنات التي لا تُظهر وجهة محددة بعد قناة السويس بشكل كبير، ومن المرجح أن ينتهي المطاف بجزء كبير من هذا الخام في المصافي الهندية."
وفي الشهر السابق، خضعت شركة التكرير الهندية نايارا إنرجي المحدودة (Nayara Energy Ltd.) للعقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي. وبعد شهرين، تستعيد الشركة عافيتها وتعتمد بشكل أكبر مما كانت عليه في السابق على الخام الروسي.
وفي أوروبا، رفضت كل من المجر وسلوفاكيا المُغلقتين براً دعواته لوقف المشتريات. إذ رفض رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، مُجادلاً بأن وقف واردات الوقود عبر الأنابيب من روسيا سيُسبب فوراً انخفاضاً بنسبة 4 بالمئة في الناتج الاقتصادي للبلاد. وقد قدم رئيس سلوفاكيا بيتر بيليغريني رسالة مماثلة، مشيراً إلى العقبات التكنولوجية والقدرة المحدودة للطرق البديلة.
ولا يبدو أن ترامب قد حقق نتائج أفضل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث تواصل الدولة الواقعة على البحر المتوسط استيراد حوالي 300 ألف برميل يومياً من الخام الروسي،
وذكر تقرير الوكالة الأميركية أن أوكرانيا تواصل ضربات الطائرات المُسيرة على مصافي النفط الروسية، وقد يكون تحويل الخام إلى محطات التصدير من مصانع المعالجة المتضررة يساهم في الزيادة الأخيرة في الشحنات الخارجية. من غير الواضح كمية الخام الإضافية التي يمكن تحويلها إذا تصاعدت الهجمات على المصافي. قد تكون الطاقة الاحتياطية في محطات تصدير الخام الروسية محدودة للغاية.
شحنات الخام وأظهرت بيانات تتبع السفن وتقارير وكلاء الموانئ أن ما مجموعه 36 ناقلة حمّلت 26.75 مليون برميل من الخام الروسي في الأسبوع المنتهي في 28 سبتمبر. ارتفع الحجم من 23.69 مليون برميل على 31 سفينة في الأسبوع السابق.
وكانت الصادرات من ميناء بريمورسك المطل على بحر البلطيق ثابتة عند حوالي 1.25 مليون برميل يومياً على 12 ناقلة، وهو رقم قياسي متعادل، بينما انتعشت التدفقات من ميناء كوزمينو بقوة. شهدت الشحنات من الميناء الواقع على المحيط الهادئ فجوة لأربعة أيام خلال الأسبوع السابق.
قيمة الصادرات وقفزت القيمة الإجمالية لصادرات موسكو بحوالي 240 مليون دولار لتصل إلى 1.57 مليار دولار في الأسبوع المنتهي في 28 سبتمبر، مسجلة أعلى مستوى لها في ثلاثة أسابيع.
وارتفع سعر شحنات خام الأورال من بحر البلطيق والبحر الأسود بحوالي 1.80 دولار للبرميل ليبلغ متوسطه 56.38 دولاراً و56.59 دولاراً للبرميل على التوالي خلال الأسبوع.
وتحرك سعر خام إسبو (ESPO) الرئيسي لمنطقة المحيط الهادئ في الاتجاه المعاكس، حيث انخفض بمقدار 0.30 دولار للبرميل ليبلغ متوسطه 62.65 دولارًا للبرميل.
وكانت الأسعار المسلمة في الهند مرتفعة بمقدار 1.90 دولار للبرميل لتصل إلى 67.18 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى في ثمانية أسابيع، وذلك وفقاً لأرقام من Argus Media.
أوروبا.. أزمات اقتصادية وتهديدات عسكرية وعلى أساس متوسط أربعة أسابيع، ارتفع سعر تصدير خام الأورال الروسي من بحر البلطيق بمقدار 0.50 دولار للبرميل، بمتوسط 55 دولاراً للبرميل، بينما ارتفعت شحنات البحر الأسود بمقدار 0.40 دولار لتصل إلى 55.22 دولاراً للبرميل. انخفض سعر خام إسبو بمقدار 0.40 دولار للبرميل ليبلغ متوسطه 62.80 دولاراً للبرميل.
وباستخدام هذا المقياس، ظلت قيمة الصادرات دون تغيير تقريباً عن الفترة المنتهية في 21 سبتمبر، بمتوسط حوالي 1.46 مليار دولار في الأسبوع.
التدفقات حسب الوجهة وارتفعت الشحنات المرصودة إلى العملاء الآسيويين لروسيا، بما في ذلك تلك التي لا تُظهر وجهة نهائية، إلى 3.23 مليون برميل يومياً بين 1 و28 سبتمبر، ارتفاعاً من 3.19 مليون برميل يومياً (معدلة) في الفترة حتى 21 سبتمبر. يُعد تدفق الخام إلى الدول الآسيوية هو الأعلى منذ مايو 2024.
وبينما يبدو أن كمية الخام الروسي المتجهة إلى الهند تنخفض بشكل حاد، هناك كميات وافرة على متن سفن لم تُظهر وجهة نهائية بعد، مما يجعل من الممكن عكس هذا النمط. ليس لدى شركات التكرير الهندية خطط للابتعاد عن الخام الروسي. وبدلاً من ذلك، من المتوقع أن يظل الشراء نشطًا لتسليم نوفمبر وديسمبر، على الرغم من أن الأحجام قد لا تصل إلى الذروة التي شهدتها السنوات الأخيرة، بحسب التقرير.
وانخفضت التدفقات على الناقلات التي تشير إلى الموانئ الهندية إلى 960 ألف برميل يومياً في الأسابيع الأربعة حتى 28 سبتمبر، ولكن هناك ما يعادل أكثر من مليون برميل يومياً على متن سفن لم تُظهر وجهة نهائية بعد.
وارتفعت التدفقات إلى تركيا في الأسابيع الأربعة حتى 28 سبتمبر قليلاً لتصل إلى حوالي 340 ألف برميل يومياً.
أبو عاقلة: الهند لن ترضخ لضغوط أميركا بشأن النفط الروسي الاقتصاد يفرض منطقه على السياسة في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أكد عامر الشوبكي، مستشار الطاقة الدولي، أن الأرقام تعكس "فشلاً حتى الآن" في تحقيق الهدف الأساسي للإدارة الأميركية. ويرى الشوبكي أن وصول تدفقات النفط الروسي عبر البحار إلى 3.6 مليون برميل يومياً في سبتمبر، وهو أعلى مستوى في 16 شهراً، يُعد دليلاً على أن روسيا لا تزال قادرة على إيجاد مشترين وتوسيع صادراتها.
ويُرجع الشوبكي هذا الفشل إلى حقيقة أن "الاقتصاد يفرض منطقه على السياسة"، موضحاً أن أي توقف فوري لإمدادات الخام الروسي ينعكس مباشرة على اقتصادات هذه الدول. ويسوق مثال المجر التي سيؤدي فيها توقف الإمدادات إلى انكماش بنسبة 4 بالمئة من الناتج المحلي. كما أن أمن الطاقة لا يمكن "المقامرة به لأي دولة"، فالهند تقول بوضوح إنها إذا توقفت عن استيراد الخام الروسي ستضطر إلى التوجه نحو إيران وفنزويلا للحصول على أسعار تفضيلية، وهما أيضاً تحت العقوبات.
ويُضيف أن الصين أعلنت أنها ستدافع عن مصالحها وتعمق تعاونها مع موسكو، خاصة بعد تهديد مجموعة السبع بفرض رسوم قد تصل إلى 100بالمئة على الصادرات الصينية. وفي أوروبا الشرقية والدول غير الشاطئية، يُدرك المشترون أن البدائل مكلفة وبطيئة، لذلك "يفضلون استمرار التدفق لتعزيز أمن الطاقة والحصول على أسعار تفضيلية"، مغامرين بذلك "بغضب واشنطن".
الشوبكي: التدفقات ليست مجرد أرقام بل رسالة سياسية واقتصادية لواشنطن وفي تحليل للرسالة الكامنة وراء الأرقام، يعتبر الشوبكي أن التدفقات لا تعني مجرد أرقام، بل هي "رسالة سياسية واقتصادية" مفادها أن المشترين يعلنون أنهم يضعون المصالح الوطنية للتزود بالطاقة فوق أي ضغوط أميركية. ويشير إلى أن عودة شركات كبرى في الهند لاعتماد كميات أكبر من الخام الروسي تُعد دليلاً على أن سياسة واشنطن الاقتصادية "تصطدم بالواقع"، فروسيا تمثل "لاعباً رئيسياً لا غنى عنه في سوق الطاقة العالمي" وإيرادات النفط لا تزال تشكل قرابة 30 بالمئة من موازنة الدولة الروسية.
ويختتم الشوبكي بالقول "إن الولايات المتحدة تدرك أنه لا سبيل لضرب العصب الاقتصادي الروسي إن لم تحد من صادرات النفط، لكنها لم تنجح في "خنقه بالكامل". لهذا، تبقى المواجهة مفتوحة، فروسيا تصمد عبر التحالف مع آسيا وحلفائها، وواشنطن تضغط عبر الرسوم والعقوبات التي بدأت آثارها أقل حسماً"، وهو ما قد يدفع العالم إلى صراع ربما أكثر تطوراً إذا لم تحقق واشنطن غاياتها".
عربش: تدفق النفط الروسي يعكي تحدياً عملياً لتحذيرات ترامب وعقوبات أميركا بدوره، قال الأكاديمي والمستشار الاقتصادي الدكتور زياد عربش في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": " رغم الضغوط الغربية والعقوبات (ليس فقط لمحاصرة إنتاج وتصدير النفط الروسي بل لمنع توريدات المعدات والتجهيزات الرأسمالية الضرورية للصناعة النفطية والغازية الروسية) فقد وصل مستوى إنتاج روسيا من الخام 9.5 مليون برميل في اليوم أي بلوغ أعلى مستوى خلال 16 شهراً الماضية رغم سياق الحرب الروسية الأوكرانية، حيث امتصت روسيا مفاعيل العقوبات وهي أقرب لتعود إلى مستوياتها القياسية قبل 2023 بحدود ال10 مليون برميل يومياً، علماً بأن أعلى مستوى كان 11.7 مليون برميل يومياً عام 2022). فعلياً يتجاهل المشترون تحذيرات ترامب لأسباب اقتصادية واستراتيجية، حيث يعكس تدفق النفط الروسي تحدياً عملياً لتحذيرات ترامب وعقوبات أميركا، خاصة من دول شبه قارية ومستهلكة بكثافة للطاقة كالصين والهند اللتين تتزودان بالنفط (والغاز) الروسي بأسعار تفضيلية (10 بالمئة أقل من سعر برنت).
ورداً على سؤال فيما إذا كان ترامب فشل في تحقيق هدفه بوقف تدفق النفط الروسي قال الدكتور عربش: "نعم، كون الرئيس الأميركي لم ينجح بمحاصرة روسيا نفطياً، أو حتى منع تدفق النفط إلى أوروبا تحديداً، وذلك على الرغم من دعواته المتكررة لإيقاف استيراد النفط الروسي، كون تدفقات النفط (والغاز) الروسي عادت وحققت مستويات قياسية خلال 16 شهراً، حيث دول كبيرة كالصين والهند ومراعاة" لمصالحهما الجيو- اقتصادية، تستوردان المزيد من النفط الروسي.
كما أنه لا تزال بعض الدول الأوروبية تعتمد على النفط الروسي عبر خطوط الأنابيب وبعض أنواع العقود القائمة. فالاتحاد الأوروبي خفّض استيراد النفط الروسي بشدة، لكنه لم يوقفه تماماً بسبب اعتماد بعض الدول مثل المجر وسلوفاكيا على النفط الروسي. كما أن دول أوربية عديدة تشتري مشتقات الطاقة من دول آسيا وغيرها التي تكرر النفط الروسي أو النفوط الممزوجة من عدة مصادر بما فيها روسيا، بحسب تعبيره.
ولكن لماذا يتجاهل المشترون تحذيرات ترامب ويشترون نفط روسيا؟ يجب الدكتور عربش على هذا التساؤل بقوله: "كون الاعتماد الجغرافي والتقني على خطوط أنابيب النفط الروسية أمر بالغ التحدي ولا يمكن تغييره سريعاً، كما في حالة المجر وسلوفاكيا. وكون أن النفط الروسي يُصدر بأسعار تنافسية مقارنة بمصادر أخرى، ما يجعل اقتصادات بعض الدول تفضل استمرارية الشراء لتأمين إمدادات الطاقة. خاصة مع وجود عقود إمداد قائمة وارتباطات طويلة الأجل تعيق التغيير المفاجئ في مصادر الإمداد. كما أن بعض الدول الأوروبية لم تفرض حظراً شاملاً على الغاز الطبيعي الروسي، وهو جزء مهم من الطاقة ما زال يمس الاقتصاد الأوروبي.
وأكد الأكاديمي والمستشار الاقتصادي عربش، أن المشترين يتحدون ترامب بنفط روسيا، مشيراً إلى أن البيانات تُظهر أن المشترين الأوروبيين يتحدون الدعوات الأميركية.
وأضاف: " تدفقات الغاز الطبيعي عبر خطوط أنابيب مثل "ترك ستريم" بلغت 7.2 مليارات متر مكعب في الأشهر الأولى من 2025، كما ارتفعت واردات الغاز المسال الروسي إلى الاتحاد الأوروبي إلى 4.48 مليار يورو في النصف الأول من 2025. فالنفط الروسي لا يزال يتدفق عبر خطوط أنابيب رغم توقف مؤقت بعد الهجوم على خط الأنابيب، والشراء مستمر برغم العقوبات وسقوف الأسعار المفروضة. الأمر الذي يظهر بأن أوروبا لم تتمكن من التحرر الكامل من الاعتماد على الطاقة الروسية حتى الآن، في مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية الأميركية".
سكاي نيوز عربية
|