سيرياستيبس
يشهد قطاع الزيتون في سوريا هذا العام تراجعاً واضحاً في الإنتاج، نتيجة التغيرات المناخية الحادة التي طالت أغلب مناطق زراعة الزيتون، إذ انخفضت معدلات الأمطار بشكل كبير، رافقها ارتفاع في درجات الحرارة خلال موسم الإزهار، بالإضافة إلى الأضرار التي سببتها الحرائق في بعض المناطق.
ومع أن الموسم يُعد من بين الأضعف خلال السنوات الأخيرة، إلا أن هناك جملة من التوصيات والإجراءات التي يمكن أن تساهم في الحد من الخسائر وتحسين إنتاج المواسم المقبلة.
والسؤال ما مدى تأثير نقص الأمطار على إنتاج الزيتون؟ وما الأثر الاقتصادي للقطاف المبكر؟.بحسب المهندس الزراعي والخبير التنموي أحمد عميري، وفي حديث خاص لـ”الثورة”: لم تتجاوز كميات الأمطارهذا العام ثلث المعدل السنوي في معظم المناطق، أي بانخفاض يقارب 70 بالمئة.
ويضيف: إن شجرة الزيتون تعتمد على مياه الأمطار بنسبة تتراوح بين 90 و95 بالمئة، ما يجعلها شديدة التأثر بأي تراجع في الهطولات، موضحاً أن موجات الحر التي تزامنت مع فترة الإزهار ساهمت في تقليص نسبة عقد الثمار، ما انعكس سلباً على الكمية النهائية للمحصول.
ورداً على سؤالنا، هل سيكفي الإنتاج المحلي لتلبية حاجة السوق؟
أجاب م. عميري: إن تراجع الإنتاج هذا العام قد يصل إلى مستويات تستدعي التفكير في استيراد كميات من زيت الزيتون، بهدف تغطية النقص في الأسواق وضمان استقرار الأسعار، مؤكداً أن التوقيت المثالي لقطاف الزيتون بهدف الحصول على زيت عالي الجودة يكون عندما تصل نسبة التلوّن إلى ما بين 60 و65 بالمئة، أما في حال الرغبة بزيادة كمية الزيت، فيمكن تأخير القطاف حتى تلوّن الثمار بشكل كامل باللون الأسود.
لكنه يحذّر في الوقت نفسه من الاعتماد فقط على نسبة التلوّن خاصة في سنوات الجفاف، قد يحدث تلوّن مبكر ناتج عن نقص المياه، دون أن تكون الثمار ناضجة فعلاً، ويصف هذا التلوّن بـ”التلوّن القسري”، الذي قد يضلل المزارعين ويؤدي إلى خسائر في كمية وجودة الزيت.
خسارة 7 بالمئة يشير المهندس الزراعي إلى أن بعض المناطق، خاصةً في الساحل، تعتمد أسلوب القطاف المبكر بدافع الاستعجال أو لأسباب تسويقية، مما يؤدي إلى خسارة كمية من الزيت تتراوح بين 5 و7 بالمئة من المحصول الكلي.
وأشار إلى بعض الإجراءات التي ينبغي اتخاذها في السنوات المقبلة، إذ قدم مجموعة من التوصيات لتحسين الواقع الإنتاجي لأشجار الزيتون من أبرزها إجراء تقليم خفيف سنوي بطريقة مدروسة، وتقديم الأسمدة العضوية والكيميائية بناء على تحليل التربة، كذلك تنفيذ الري التكميلي عند توفر المياه، ومكافحة الآفات الزراعية بوسائل فعالة، واستخدام الطرق اليدوية في القطاف وتجنب استعمال العصي، إضافةً إلى عصر الثمار في معاصر حديثة مع مراعاة شروط التخزين.
وحول التوسع في زراعة الأصناف المستوردة، ينصح م. عميري بالاعتماد على الأصناف المحلية المتأقلمة مع الظروف المناخية في سوريا، كونها أكثر تحملاً للجفاف وتنتج زيتاً عالي الجودة.
ويحذر من زراعة الأصناف المستوردة التي تتطلب كميات كبيرة من المياه، وتكون نسبة الزيت فيها أقل، إضافة إلى ضعف قدرتها على التأقلم مع البيئة المحلية.
ونوه، إلى وجود أخطاء متكررة في تقليم أشجار الزيتون، ولاسيما في مناطق التوسع الزراعي الحديث، ويقترح تأهيل كوادر مختصة في عمليات التقليم ومنحهم شهادات رسمية تخوّلهم العمل بشكل علمي، ما يساهم في الحفاظ على الأشجار وزيادة إنتاجيتها.
الاستفادة من المخلفات يلفت م. عميري، إلى أن نواتج العصر مثل البيرين ومياه العصر، إلى جانب بقايا التقليم، تُهدر أو تُتلف حالياً رغم فائدتها الكبيرة في التسميد وتحسين خصوبة التربة، ويدعو إلى تبني آليات مدروسة للاستفادة من هذه المخلفات الزراعية بشكل علمي ومنهجي.
وعن أهمية التسميد المدروس في تحسين الإنتاج ، أشار، إلى ضرورة إجراء تحاليل دورية للتربة وإعداد معادلات سمادية مناسبة لعمر الأشجار وخصوبة الأرض، مما يسهم في تعويض النقص الغذائي وتحقيق إنتاج أفضل من حيث الكمية والنوعية.
على منحى آخر الحرائق على الزيتون التي شهدتها مناطق متفرقة من سوريا على الزيتون، يبين الخبير التنموي أنها تسببت مؤخراً بأضرار كبيرة على أشجار الزيتون القريبة منها، وتتفاوت درجة الضرر تبعاً لقرب الشجرة من موقع الحريق وشدته، وقد يؤدي ذلك إلى تراجع في الإنتاج خلال السنوات المقبلة.
وبرأي م. عميري، يجب تقليم الأجزاء المتضررة وتقديم خدمات رعاية مركزة لهذه الأشجار، بما في ذلك الري إن أمكن، لمساعدتها على استعادة نموها تدريجياً.
ويختم حديثه: على الرغم من صعوبة الموسم الحالي، فإن الفرصة لا تزال متاحة لتحسين قطاع الزيتون في سوريا من خلال التوجه نحو أساليب علمية، ودعم المزارعين والاهتمام بالأصناف المحلية، والعمل على تأهيل الفنيين ورفع كفاءة العمليات الزراعية.
زيت الزيتون السوري ليس مجرد منتج غذائي، بل هو مورد اقتصادي واستراتيجي يستحق الرعاية والتخطيط لضمان استمراريته في ظل التحديات المناخية والبيئية الراهنة.
الثورة
|