سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:28/06/2025 | SYR: 20:01 | 28/06/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

  إحياء مشروع جلب المياه من الساحل إلى العاصمة
البني : معقد ويحتاج إلى أعوام طويلة ومليارات الدولارات .. من الأفضل وقف الهدر
28/06/2025      



أجمع المتخصصون على أن الوضع المائي يحتاج إلى خطة وطنية وإدارة للملف على مستوى البلاد

سيرياستيبس : 

 يرى خبير مائي سوري أن تنفيذ مشروع جلب المياه من الساحل إلى دمشق يحتاج إلى كلف ضخمة وأعوام طويلة جداً إذا ما أرادت الحكومة تنفيذه، واصفاً الأمر بأنه معقد جداً، ونصح السلطات بالعمل بسرعة من أجل خفض هدر المياه من الشبكات التي تصل إلى 40 في المئة.

لطاما كان مشروع جلب فائض المياه من الساحل السوري إلى العاصمة دمشق بطول 250 كيلومتراً ورفع للمياه يصل إلى 100 متر، أحد الحلول التي تلجأ إليها الحكومات السورية المتعاقبة لطرحه مع كل مرة تتفاقم فيها أزمة المياه، لكن من دون أن يرى المشروع النور، إذ تعود فكرته لعقود، ولكن ارتفاع كلف إنجازه حالت دون إتمامه، لتظل الدراسات الخاصة به حبيسة الإدراج مثله مثل مشروع جلب المياه من نهر الفرات وأيضاً تحلية مياه البحر.

وقد طرحت حكومة حسين عرنوس، ما قبل الأخيرة للنظام المخلوع، في أحد اجتماعاتها الصيف الماضي مشروع جلب المياه من الساحل وتحلية مياه البحر، ولكن من دون أن يجري التعامل مع الخبر بجدية آنذاك، إذ نظر إليه على أنه نوع من التعاطي الإعلامي في بلد يعاني أزمات مالية واقتصادية وإدارية خانقة، ويوجه كل إمكاناته لشراء القمح والوقود والدواء.

واليوم ومع بداية الصيف تطرح الحكومة السورية في الإدارة الجديدة، ولكن بجدية هذه المرة، مشروعي جلب مياه الساحل وتحلية مياه البحر المكلفين واللذين يحتاجان إلى إمكانات فنية كبيرة جداً، وتوفر عوامل لوجستية داعمة، ولعل أهم ما يحتاج إليه مشروع جلب المياه من الساحل هو تحديث الدراسات ورصد المتغيرات بعد ربع قرن من إجراء درس للمشروع، وربما التأكد إذا كان لدى الساحل العطشان مياهاً كافية لإرسالها إلى دمشق؟

وقبل أيام انعقد اجتماع حكومي بين وزارة الطاقة التي تشرف على ملف المياه والموارد المائية والإحصاء مع هيئة التخطيط الجهة المسؤولة عن عملية البحث عن تمويل للمشاريع من الجهات المانحة أو عبر الاقتراض، وجرى خلال الاجتماع بحث آخر المستجدات المتعلقة بمشروع جلب مياه الساحل وتحلية مياه البحر.

 ووفقاً للبيان الذي صدر عن الاجتماع فقد كان مخصصاً للبحث في خطوات تنفيذ المشروع، ويبدو أن هناك تعاطياً في الحراك الحكومي الحالي مع التفاصيل الفنية للمشروع وآفاق إنجازه، بل وتحديد البرنامج الزمني والمادي المقترح له، خصوصاً في ظل الحاجة الملحة إلى تعزيز الأمن المائي في البلاد.
وأمام الشح المائي الذي وقعت فيه البلاد نتيجة قلة الأمطار والجفاف، تتطلع الحكومة السورية الحالية إلى محاولة الدفع بالمشروع نحو التنفيذ باعتباره من المشاريع الإستراتيجية على المديين القريب والبعيد، لما له من دور في تنويع مصادر المياه وتأمين الإمدادات في المناطق التي تعاني شحاً مائياً أو تتعرض للجفاف، إذ لا بد من اللجوء إلى تعزيز استدامة الموارد المائية وتحقيق الأمن المائي في سوريا، في ظل تأثيرات التغيرات المناخية وتراجع معدلات الهطول المطري والثلجي، وكما يبدو فهناك رغبة من قبل الحكومة الحالية في تنفيذ المشروعين أو أحدهما، بوصفهما ركيزة أساس لمستقبل الموارد المائية في البلاد.

الموازنة المائية في الساحل السوري

المدير السابق لهيئة الاستشعار عن بعد أسامة عمار قال إنه "عندما بدأنا درس مشروع جلب المياه كان يجب علينا الإجابة عن مجموعة من الأسئلة وإعداد دراسات دقيقة تتعلق بوضع تصور دقيق للموازنة المائية لحوض الساحل والحاجات المائية آنذاك، والمستقبلية في المنطقة الساحلية، وعن أي فائض نتحدث وما هو مقداره"، موضحاً أن "للمشروع أثراً بيئياً في منطقة دمشق، عدا عن الحاجات اللازمة لمشروع لجلب المياه لمسافة تزيد على 250 كيلومتراً ورفع هذه المياه من منسوب صفر إلى ارتفاع 500 متر قرب حمص كمرحلة أولى ثم إلى ارتفاع يزيد على 1000 متر في القلمون الشرقي كمرحلة ثانية"، موضحاً في منشور له أن "قبل إعادة إحياء هذا المشروع، ولكي لا تتكرر الأخطاء السابقة، فإنه من المفيد أخذ بعض الأمور بعين الاعتبار ومنها، لقد مر ما يزيد على ربع قرن على درس المشروع وتغيرت كثير من المعطيات، وبعض ما كان صالحاً بالأمس قد لا يصح اليوم، وبرزت معطيات جديدة تقنية وغير تقنية لا بد من وضعها في الحسبان، كذلك لا بد من الإحاطة بصورة كبيرة بالموازنة المائية في الساحل السوري على أساس تقييم عناصرها المختلفة في الوقت الحالي، ووضع نموذج تنبؤي مستقبلي للتغيرات المناخية وغيرها من العناصر، لتحديد كمية المياه المتاحة حالياً ومستقبلاً"، لافتاً إلى أهمية التحقق من إمكان تنفيذ سدي مرقية والحصين اللذين يعتبران جزءاً مهماً من المشروع، والعمل على درس الحاجات المائية للساحل السوري بجميع مناطقه، من مياه الشرب والري والاستخدامات المختلفة حتى 50 عاماً في الأقل، مع العلم أن كثيراً من مناطق الساحل السوري تعاني شح المياه في الوقت الراهن لأسباب مختلفة، مقترحاً العمل على درس تطور كلفة تحلية مياه البحر كسيناريو محتمل لأحد المصادر، ودرس إمكان تأمين الطاقة اللازمة لضخ المياه من المنسوب صفر لمسافة مئات الكيلومترات حتى مدينة حمص كمرحلة أولى، ثم منطقة القلمون الشرقي كمرحلة ثانية، أي حتى ارتفاع يقارب 1000 متر قبل أن تجري المياه بالإسالة بعد ذلك إلى مدينة دمشق.

وأكد عمار كذلك ضرورة تأمين الإحاطة الكاملة والوافية بالأثر البيئي للمشروع من نقطة البداية حتى دمشق، وفي منطقة دمشق ومحيطها، قائلاً إنه "من المهم قبل ذلك وبعده درس البدائل كافة في المنطقة المحيطة بدمشق وريفها والمناطق القريبة منها، بما فيها المياه الجوفية في المنطقة الحدودية الغربية التي قمنا بدرس جزء منها، وجرى حفر كثير من الآبار فيها، إضافة إلى درس منطقة الحرمون كمنطقة أمل إضافية، وإعادة النظر بضوابط حفر الآبار في المنطقة الجنوبية من البلاد، حيث يجب التمييز بين اشتراطات حفر الآبار في الأحواض الداخلية عن تلك التي تتسرب مياهها خارج الحدود".

مشاريع إنقاذ مائي لدمشق لم تنفذ

المتخصص المائي والخبير السابق لدى "إسكوا" ووزير الري السابق نادر البني، يرى أن تنفيذ جلب المياه من الساحل إلى دمشق يحتاج إلى كلف ضخمة وأعوام طويلة جداً إذا ما أرادت الحكومة تنفيذه، واصفاً الأمر بأنه معقد جداً، وناصحاً الجهات القائمة على الموارد المائية بالعمل بسرعة من أجل خفض هدر المياه من الشبكات التي تصل إلى 40 في المئة، والعمل على إنشاء محطات معالجة الصرف الصحي، ودعم الفلاحين في التحول إلى أساليب الري الحديثة، واتباع سياسات ترشيد علمية ووفقاً لبنك متخصص بالحاجات المختلفة.

وأشار البني خلال حديثه لـ "اندبندنت عربية " إلى أن دمشق تعاني أزمة خانقة في مياه الشرب نتيجة انخفاض تدفق مياه نبع الفيجة بسبب تدني معدل الهطول المطري هذا العام إلى نحو 30 في المئة من المعدل الوسطى للهطول المطري السنوي"، موضحاً أنه "في عام 2016 جرى تقديم مذكرة إلى مؤسسة 'جايكا' اليابانية طرحت من خلالها مجموعة من الحلول للواقع المائي في دمشق، والتي لو نفذت آنذاك لكان الوضع اليوم أفضل بكثير من جلب المياه من الساحل المكلف جداً"، لافتاً إلى أنه من بين المشاريع التي جرت صياغتها لمعالجة الوضع المائي في دمشق يمكن أن نذكر مشروع إعادة تأهيل أنفاق جلب المياه، والذي يهدف لزيادة العمر الفني للأنفاق إلى 50 عاماً إضافياً، ورفع قدرتها لمقاومة الحمولات الزلزالية، على أن تقوم مؤسسة "جايكا" اليابانية بهذا العمل وتمويله، وأيضاً مشروع جلب المياه من الآبار في عدد من مناطق ريف دمشق، وقد كان المشروع ملزماً لشركة ألمانية انسحبت بسبب الحرب، مؤكداً "نستطيع أيضاً الحديث عن مشروع إعادة تأهيل شبكة مياه شرب مدينة دمشق وتهدف إلى درس توزيع شبكة المياه وإعادة هيكلتها رياضياً من أجل إعادة تأهيل وتوسيع نظام التغذية بمياه الشرب".

وأشار إلى أن الهدف الرئيس من طرح تلك المشاريع زيادة الإنتاجية لمياه الشرب إلى أكثر من 215 ألف متر مكعب في اليوم، لتعادل نحو 80 مليون متر مكعب سنوياً، ولو تحققت لكنا نتحدث عن وضع مختلف لواقع المياه في دمشق.

التنمية المستدامة أفضل من جلب المياه

إعلان الحكومة الحالية عن إحياء مشروع جلب المياه من الساحل إلى دمشق قابلته ردود فعل تنادي بضرورة إحداث تنمية مستدامة في المدن والأرياف والحد من الهجرة الداخلية، فهذا أفضل وأوفر من مشروع جلب مياه الساحل إلى دمشق الذي يكلف 3 مليارات دولار وأعواماً طويلة من العمل، خصوصاً أن حدود استيعاب مدينة دمشق الكبرى وحوض دمشق من السكان وصلت لأكثر من أن

تتحمله الموارد المائية المتاحة، كما يجب البحث عن بدائل خارج الحوض لاستيعاب النمو السكاني، إذ إن التوزع حالياً غير متوازن حول مناطق مصادر المياه ومناطق الاستهلاك، في حين طرح بعضهم تساؤلاً عن المياه الفائضة في الساحل وكل قراه ومدنه عطشى، بينما نصح آخرون بضرورة ملاحظة المتغيرات التي طرأت على الواقع المائي في البلاد بعد ربع قرن من إنجاز درس مشروع

جلب مياه البحر إلى دمشق، ويقول المهندس المائي غضفان محمد إن "مشروع جلب المياه من الساحل أو من نهر الفرات يحتاج إلى كلف طائلة وإلى أعوام من العمل، لذلك لا بد من اللجوء إلى حلول أخرى تتخذ طابع الاستدامة وإدارة الموارد كافة بطريقة كفؤة، بما فيها موارد المياه واللجوء إلى أساليب الترشيد والري الحديث، ووضع موازنات مائية للتجمعات السكانية والمناطق الزراعية، إذ

يجري تتبع كل نقطة مياه وضمان عدم هدرها، إضافة إلى اتباع أساليب حماية المياه السطحية من التبخر والهدر، وحصاد مياه الأمطار وإقامة السدود في الوديان ومنع ضياعها، مع ابتكار أساليب حديثة لمنع هدر المياه في البحر والعمل على الاستفادة من مصادر المياه كافة بأعلى كفاءة ممكنة، والعمل على منع ضياع مياه الأمطار والينابيع في البحر". 

 

وأكد لـ "اندبندنت عربية" أن تحقيق ذلك يمكن أن يتحقق بموازنات متواضعة جداً قياساً بكلف الجلب والتحلية، خصوصاً أن هناك جهات مانحة يمكن أن تساعد سوريا في هذا الإطار مالياً وفنياً، ولم يستبعد محمد إمكان جلب المياه من الساحل وتحلية مياه البحر، ولكن عندما تقوى الدولة اقتصادياً ويصبح بإمكانها الاقتراض الداخلي والخارجي من دون ضغوط، وتصبح لديها سياسات مائية

متوازنة، وعندما تبادر إلى اتباع كل الحلول الممكنة وفي مقدمها وقف هدر المياه الذي يظهر في المناطق كافة، وبخاصة في الساحل، إذ تشير الدراسات إلى أن هناك ينابيع مياه عذبة تحت بحرية عددها 58 نبعاً في مياه البحر المتوسط على أعماق مختلفة يمكن استثمارها، وتبلغ تصاريفها نحو مليار متر مكعب سنوياً، وأغزرها نبع الباصية قرب مدينة بانياس، وأضاف، "بحسب مسح حراري ل

لمنطقة تبين أن مصادر المياه من الينابيع والآبار في الساحل مهدورة ولا تجري الاستفادة منها، مثل نبع في ميناء اللاذقية يتمتع بغزارة كافية لإرواء سكان مدينة اللاذقية، وبالتالي يمكن استخدامه بدلاً من جلب مياه نبع السن إلى اللاذقية كما هو الحال حالياً"، متابعاً أن "هناك عشرات الآبار الفاشلة التي حفرتها شركات نفط أجنبية على أعماق تصل إلى 3 آلاف متر بهدف استخراج النفط والغاز،

لكن لم تنجح هذه الآبار وهي مليئة بالمياه، لكنها ردمت من دون الاستفادة من المياه التي توافرها للزراعة".

الوضع المائي الحرج يحتاج إلى خطة وطنية

ويؤكد متخصصون سوريون أن التنمية المستدامة في الأرياف، خصوصاً في ظل وجود جهات مانحة جاهزة للدعم وفي مقدمها "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، هو أفضل حالياً من جلب المياه وحتى من تحلية مياه البحر، إذ تكلف تحلية ليتر واحد نحو دولار واحد، وبالتالي يجب اللجوء إلى الحلول المستدامة، مشيرين إلى أن جلب المياه المكلف قد لا يساعد في حل مشكلة المياه في دمشق ضمن ظروف الواقع المائي والسكاني الحالي،

ومبدين استغرابهم من جلب مياه الساحل إلى دمشق وهناك مئات القرى العطشى فيه لا تصل إليها المياه، إذ يخضع الساحل في الريف والمدينة إلى تقنين شديد حالياً نتيجة شح المياه الناجم عن قلة الأمطار، بينما دعا بعضهم إلى ضرورة العمل على ريّ هذه القرى وتأمين سبل عيش كريمة للسكان، وهذا بدوره سيخفف الضغط السكاني على باقي المحافظات، خصوصاً العاصمة دمشق، فأي مشروع مائي يجب درسه ضمن مجموعة المعطيات المؤثرة، وبخاصة تلك المتعلقة بالتنمية المستدامة والمتوازنة، مشيرين إلى أن تنمية الأرياف هي الحل الأكيد لتسوير المدن وتحصينها ضد كثير من الأزمات وفي مقدمها نقص الموارد المائية.

 وهناك من اعتبر أن نقل مياه الفرات إلى دمشق، الذي توقف لأسباب سياسية، أفضل وأسهل من جلب مياه الساحل، ولا يؤثر في الموارد المائية لكونه مياه نهر وليس ينابيع جوفية، كما في الساحل السوري، ولا يحتاج إلى رفع المياه، ومع تحسن العلاقة اليوم مع تركيا يمكن إعادة طرح المشروع والتفاوض للحصول على حصة سوريا من مياه الفرات وفق القانون الدولي.

وأجمع المتخصصون على أن الوضع المائي يحتاج إلى خطة وطنية وإدارة للملف على مستوى البلاد، بخاصة أن هناك مدناً كاملة تواجه أزمة مياه خانقة وهي مهددة بالعطش مثل مدينة السويداء جنوب سوريا.

من التحوط إلى قلب المشكلة المائية

ومر مشروع جلب مياه الساحل بمحطات عدة أهمها الاتفاق عام 2000 مع "الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية"، ومقره الكويت، لطرح مناقصة لإجراء درس شامل حول جلب مياه الساحل لدمشق، وفعلاً رست هذه المناقصة على شركة مشتركة سويسرية – هولندية، وهي من الشركات العالمية في هذا المجال، ووُقع العقد وبدأوا بإجراء الدراسات، وكانت الفكرة نقل المياه من نوعين من الينابيع الموجود في الساحل، وينابيع تحت بحرية موجودة في مدينة بانياس، والحل الآخر الأسهل هو حفر الآبار على الشاطئ واصطياد المياه قبل أن تذهب، وجرى حفر نحو 29 بئراً وبدت النتائج مقبولة حينها، وجرى إعلان مناقصة أخرى لمكتب استشاري سوري لمواكبة الدراسات.

 ويبدو أن المشروع دخل لاحقاً في حلقة من البيروقراطية واستقر في الأدراج، مع الإشارة هنا إلى أن الكلفة المعلنة عند درس المشروع كانت ملياري دولار، بينما يجري اليوم الحديث عن كلفة تتجاوز 3 مليارات دولار.

اندبندنت عربية


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق