سيرياستيبس : منذ عقود، كانت المناطق الريفية
تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل. لكن مع تراجع الإنتاج الزراعي بسبب
السياسات النيوليبرالية والجفاف والحرب، ارتفعت معدلات الفقر بشكل حاد في
الريف السوري. في منطقة الجزيرة، التي كانت تُعد «سلة غذاء سورية»، وصل
معدل الفقر إلى 80% بحلول عام 2010، أي قبل الحرب مباشرة. وتسببت هذه
الأزمة في نزوح جماعي للسكان من المناطق الريفية المتضررة إلى المدن الكبرى
مثل دمشق وحلب. وتشير تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية
الصادرة في عام 2009، إلى أن نحو 300,000 عائلة نزحت من منطقة الجزيرة إلى
ضواحي المدن السورية وإلى لبنان، حيث واجهوا ظروفاً معيشية صعبة.
قبل الحرب، كانت منطقة الجزيرة
السورية تنتج حوالي ثلثي القمح السوري. لكن الصراع دمّر البنية التحتية
للري، وأدى إلى تعطيل سلاسل الإمداد الغذائي. وأصبحت تكاليف نقل القمح من
الجزيرة إلى دمشق باهظة جداً، حيث ارتفعت من 130 دولاراً للطن الواحد قبل
الحرب إلى حوالي 310 دولارات وبشكلٍ خاص بسبب الإتاوات التي فرضت على
عمليات النقل. وشكل هذا الأمر ذريعة للنخب الاقتصادية للانتقال نحو استيراد
القمح من الخارج بوصفه «أرخص نسبياً».
الخسائر لا يمكن تعويضها إلا بالتغيير الجذري
بالإضافة إلى الدمار الذي لحق
بالبنية التحتية الزراعية، تعاني سورية من تحديات بنيوية في قطاع الزراعة.
حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 40% من القوى العاملة الزراعية قد فُقدت منذ
بداية القرن الحادي والعشرين، بينما انخفض عدد المواشي بشكل كبير. على
سبيل المثال، انخفض عدد الأغنام من 15 مليوناً إلى حوالي 9 ملايين فقط. وفي
الوقت نفسه، أدى الحفر العشوائي للآبار إلى استنزاف خطير للمياه الجوفية،
مما يهدد استدامة الزراعة على المدى الطويل.
وأدت الحرب إلى تدمير واسع
النطاق للبنية التحتية الزراعية. فمن بين 140 صومعة حبوب كانت موجودة قبل
الحرب، لم يتبق سوى 22 صومعة تعمل بحلول عام 2016. كما فقدت البلاد 70% من
قدراتها في طحن الحبوب نتيجة الحرب ونهب المعدات. إضافة إلى ذلك، تضررت
مشاريع الري بشكل كبير، حيث أصبح حوالي 50% من الأراضي المروية غير صالحة
للزراعة بسبب نقص الوقود وتعطل المضخات.
فوق ذلك، تشير تقارير منظمة
الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن إنتاجية الأراضي المزروعة تراجعت بنسب تصل
إلى 50% في بعض المناطق، بسبب نقص البذور والأسمدة.
واليوم، تتفق معظم البحوث
الاقتصادية في العالم حول أن إعادة بناء القطاع الزراعي في سورية تتطلب
استثمارات كثيفة في البنية التحتية والتغيير الجذري في السياسات بما فيها
السياسات الزراعية. ومن الضروري أولاً وقبل أي شيء تعزيز الدعم الحكومي
للمزارعين وتطوير تقنيات الزراعة المستخدمة للتغلب على التحديات البيئية
والاقتصادية.
|