سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:18/06/2025 | SYR: 01:42 | 18/06/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 سنوات القحط: حين جفّت الأرض وضاقت السياسة
18/06/2025      



سيرياستيبس : 

في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الجديدة، دخلت سورية مرحلة جديدة من التحولات الاقتصادية التي ركزت على تقليل تدخل الدولة في الاقتصاد، وتعزيز دور القطاع الخاص. وكان لهذه السياسات تأثير سلبي على القطاع الزراعي بشكلٍ فائق.

وأحد الأمثلة البارزة على هذه السياسات كان إصدار القانون رقم 56 لعام 2004، الذي سمح لأصحاب الأراضي بإنهاء عقود المزارعين وإبرام عقود مؤقتة بدلاً منها. حيث أدى هذا القانون إلى فقدان الفلاحين لحقوقهم التاريخية في العمل على الأراضي، مما تسبب في نزوح عدد كبير منهم من المناطق الريفية إلى المدن. وتشير التقديرات إلى أن عدد العمال الزراعيين انخفض بنسبة 40% بين عامي 2002 و2008 بسبب سوء إدارة الأراضي والمياه، وهو تحول أثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي المحلي​.

في الوقت نفسه، ضرب البلاد جفاف شديد بين عامي 2006 و2010، مما تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الزراعية في تاريخ سورية الحديث. انخفض إنتاج القمح بنسبة 47%، بينما شهد إنتاج الشعير انخفاضاً أكبر بنسبة 67%. وفي المناطق غير المروية، كان الوضع أكثر كارثية حيث انخفض الإنتاج بنسبة 82%، ولم تكن الحكومات - وفق تقاريرها الرسمية - قادرة على تلبية احتياجات السكان الغذائية بشكلٍ كامل، واضطرت سورية لأول مرة في تاريخها إلى الاعتماد على المساعدات الغذائية الدولية، حيث تلقى مليون شخص دعماً غذائياً من وكالات الأمم المتحدة​.

قبل الحرب، كانت سورية تنتج حوالي 4 ملايين طن من القمح سنوياً، وهو ما يكفي لتلبية الاستهلاك المحلي وتصدير فائض يبلغ حوالي 1.5 مليون طن إلى دول مثل الجزائر وتونس وإيطاليا. ومع تصاعد العمليات العسكرية، انخفض الإنتاج بشكل حاد إلى 1.8 مليون طن في 2014. والأمر لم يتوقف عند القمح، فقد انخفض إنتاج الشعير من 747 ألف طن في المتوسط بين 2010-2014 إلى 594 ألف طن في 2014. أما إنتاج الذرة، فقد تراجع أيضاً بنسبة 15% خلال الفترة ذاتها​.

استنزاف للمياه وتفاقم في الأضرار البيئية

تعد الموارد المائية واحدة من أهم المكونات الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي. وفي سورية، تأثرت السياسات المائية بعوامل جغرافية وسياسية واجتماعية. منذ الخمسينيات، ركزت الحكومات على مشاريع الري الكبرى مثل مشروع الفرات، الذي ساهم في تحويل المناطق الصحراوية في الجزيرة إلى أراضٍ زراعية منتجة. ومع ذلك، أدى الاستخدام المفرط للموارد المائية إلى استنزاف الأحواض الجوفية.

في عام 2007، استهلكت سورية 19.2 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يزيد بـ 3.5 مليار متر مكعب عن معدل التجدد الطبيعي للمياه. كما أن اعتماد الري على الآبار غير المرخصة أدى إلى استنزاف خطير للموارد المائية. على سبيل المثال، جف نهر الخابور، أحد الأنهار التاريخية في سورية، بحلول عام 2001. وهذا الاستنزاف غير المستدام للموارد المائية كان له تأثير مباشر على الإنتاج الزراعي، وأدى إلى تقليل المساحات المزروعة مع مرور الوقت​.

وبالإضافة إلى الجفاف، عانت سورية من تدهور التربة بسبب الاستخدام المكثف للأسمدة والممارسات الزراعية غير المنظمة. وفي المناطق الشمالية الشرقية، أدى سوء إدارة مشاريع الري إلى تملح الأراضي، مما جعل مساحات شاسعة غير صالحة للزراعة. كما ساهم تغير المناخ العالمي في جعل الظواهر الطبيعية مثل الجفاف أكثر حدة وتكراراً.

ومع بداية الحرب، تفاقمت هذه التحديات البيئية. حيث تضررت الأنظمة البيئية بشكل كبير بسبب عمليات القصف المتبادل، وحرق المحاصيل في أوقات مختلفة، وعمليات نزوح السكان. كما أن التلوث الناجم عن استخدام المياه الملوثة في الري أدى إلى تفشي الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء. وفي الكثير من المناطق الريفية، اضطر المزارعون إلى تقليل استخدام الأسمدة والمبيدات بسبب ارتفاع أسعارها ونقص توافرها، مما أدى إلى انخفاض غلة المحاصيل​.

قاسيون


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق