سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:23/09/2025 | SYR: 20:13 | 23/09/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE



خلطات كامبو


شاي كامبو


IBTF_12-18


 المنتج المحلي في اختبار السوق المفتوح.. هل تصمد الصناعة السورية أمام المنافسة؟
23/09/2025      



سيرياستيبس 

بعد سنوات من الحرب والحصار، دخلت سوريا مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي، لكن التحرير في سوريا وسقوط نظام الأسد، لم يكن مجرد انفراج سياسي، بل حمل معه تدفقاً هائلاً للبضائع المستوردة والمهربة التي أغرقت الأسواق المحلية، وغيّرت قواعد اللعبة الصناعية بشكل جذري. فبين ليلة وضحاها، وجد المنتج السوري نفسه في مواجهة مباشرة مع منافسة شرسة من منتجات أجنبية تتمتع بجودة مختلفة عن منتجاتهم وأسعار أقل، مدعومة بسياسات تصديرية مرنة وكلفة إنتاج منخفضة.

هذا التحول المفاجئ جاء في وقت كانت فيه الصناعة السورية منهكة أصلاً، تعاني من ارتفاع التكاليف، وغياب حوامل الطاقة أو ارتفاع أسعارها، وضعف القدرة الشرائية للمواطن، إلى جانب العقوبات التي تعرقل الاستيراد والتصدير، وتحدّ من الوصول إلى المواد الأولية والتقنيات الحديثة. ورغم ذلك، استطاع المنتج المحلي خلال سنوات الحرب أن يحتفظ بمكانته في السوق، ليس بفعل تفوقه، بل بسبب غياب البديل المستورد.

لكن ما حدث بعد التحرير قلب المعادلة تماماً، وفتح الباب أمام أسئلة جوهرية: هل ما زال المستهلك السوري يثق بالمنتج الوطني؟ هل يملك الصناعي السوري الأدوات والقدرة على المنافسة؟ وهل تكفي إجراءات الحماية الحكومية، مثل منع استيراد بعض المنتجات كالأحذية والجلديات، لإنقاذ الصناعة المحلية من الانهيار؟

كشفت مظاهرة الصناعيين في حلب، التي نُظّمت أمام غرفة الصناعة في منطقة السبع بحرات تحت شعار "حماية صُنع في سوريا"، عن أزمة أعمق من مجرد منافسة تجارية. فقد جاءت هذه الوقفة الاحتجاجية بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة للتواصل مع الجهات الرسمية، ما دفع الصناعيين إلى اللجوء للشارع كوسيلة أخيرة لنقل معاناتهم. مطالبهم كانت واضحة: تخفيض أسعار الكهرباء، ضبط الاستيراد، ومنع إغراق السوق ببضائع أجنبية مستهلكة ومخزّنة، لا تخضع لرقابة جمركية حقيقية. لكن ما لم يكن متوقعاً، هو حجم التفاعل الشعبي على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انهالت آلاف التعليقات التي عبّرت عن استياء واسع من المنتج المحلي، ورفض شعبي لفكرة الحماية من دون تحسين الجودة. كثيرون اعتبروا أن الصناعيين السوريين احتكروا السوق خلال سنوات الحرب، وقدموا منتجات رديئة بأسعار مرتفعة، من دون أي تطوير أو احترام لحقوق المستهلك. هذه الردود لم تكن مجرد انتقادات، بل كانت مؤشراً على فقدان الثقة العميق بالمنتج الوطني، ورفضاً لفكرة الحماية كغطاء لرداءة الإنتاج. في المقابل، دافع بعض الصناعيين عن منتجاتهم، مؤكدين أن الصورة الشعبية حول تدني الجودة ليست دقيقة، وأن الأحذية والجلديات السورية تغطي شرائح سعرية متعددة، وتملك القدرة على المنافسة، خاصة إذا تم دعم التصدير وتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية مع دول الجوار. لكنهم أيضاً أقرّوا بأن التهريب، وغياب الرقابة، وارتفاع تكاليف الإنتاج، كلها عوامل تهدد استمرارية الصناعة المحلية وتضعها على حافة الانهيار.

هذه المظاهرة، وما تبعها من جدل واسع، فتحت الباب أمام نقاش جوهري حول العلاقة بين الصناعي والمستهلك، وأثارت أسئلة جوهرية حول ما إذا بقي المستهلك السوري يثق بالمنتج الوطني؟ ومدى قدرة امتلاك الصناعي السوري لأدوات المنافسة؟ وهل تكفي إجراءات الحماية الحكومية، مثل منع استيراد بعض المنتجات كالأحذية والجلديات، لإنقاذ الصناعة المحلية من الانهيار؟

يرصد هذا التقرير أبعاد هذه الظاهرة الاقتصادية، ويبحث في التحديات البنيوية التي تواجه الصناعة السورية، من ضعف الابتكار إلى غياب المعايير، كما يحاول تقديم إجابات حول كيفية إعادة الثقة للمنتج السوري وذلك عبر رصد أراء المختصين في الشأن الصناعي.

احتكار القلة وتآكل الثقة بالمنتج المحلي

الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش، أوضح لموقع "تلفزيون سوريا"، أنه "نتيجة تحول الاقتصاد السوري قبل التحرير إلى حالة اقتصاد احتكار القلة، ضعفت المنافسة مع عدم توفر البدائل المناسبة، وكذلك أتاحت حالة احتكار القلة إمكانية المبالغة في التحوط والمبالغة في التربح، وبالتالي ازدادت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة عززت من التضخم الجامح. وبالإضافة إلى التراجع الشديد في القوة الشرائية، أصبحت أمام هذه المعطيات خيارات المستهلك محدودة للغاية وخاضعة لتحكم المحتكرين، وتنازل المستهلك عن المعايير والجودة تحت ضغط الحاجة، وهذا ما أدى إلى فقدان ثقته بالمنتج المحلي عموماً. ولذلك كان هناك طلب شديد على البدائل الأجنبية عند دخولها بعد التحرير، ونتيجة القلة قبل المستهلك بالبدائل الأرخص ولو على حساب الجودة. إذاً، ولاعتبارات موضوعية متعددة، فعلاً فقد المستهلك الكثير من الثقة بالمنتجات المحلية، وفضّل عليها منتجات أجنبية بديلة رغم عدم ثقته بمصادرها وجودتها، كون أغلبها دخل تهريباً".

اقتصاد السوق الحر.. تحد جديد للصناعة السورية

وأشار إلى أن التوجه الحكومي نحو تطبيق مفاهيم اقتصاد السوق الحر يشكّل التحدي الأكبر أمام القطاع الصناعي السوري، مشيراً إلى أن هذا التحول يتطلب جهوداً مشتركة من الحكومة وقطاع الأعمال الصناعي لمواءمة التشريعات والبنية الإنتاجية مع متطلبات المنافسة الحرة والعادلة.

وأوضح عياش أن الشركات السورية مطالبة اليوم بتحديد قدراتها التنافسية في مواجهة شركات إقليمية وعالمية متفوقة، لا سيما التركية والخليجية والمصرية، وحتى الصينية، والتي تجد في السوق السورية المتعطشة فرصة مثالية لترويج منتجاتها، مستفيدة من ظروف تشغيل أفضل وغياب العقوبات الدولية.
استراتيجيات البقاء في السوق المفتوح

وأضاف أن التنافسية لا تعني المجابهة المباشرة، بل تستدعي تبني استراتيجيات أكثر فاعلية، مثل التحالفات، التخصص، التمايز، والاندماج، وهي أدوات يمكن أن تضمن بقاء الشركات السورية ونموها في بيئة السوق المفتوح.

وأشار إلى أن الشركات العالمية تلجأ لأساليب توسع غير مباشرة، كالتصدير ومنح الامتياز والترخيص والمشاريع المشتركة، لتقليل المخاطر، وهو ما يُحتّم على الشركات السورية الاستفادة من هذه النماذج، خاصة في ظل رغبة الشركات التركية في دخول السوق السورية عبر شراكات إنتاجية محلية. وشدد عياش على أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب إعادة هيكلة شاملة للشركات الصناعية السورية على المستويات التنظيمية والإدارية والإنتاجية والتقنية، داعيًا رجال الأعمال المحليين والمغتربين إلى التعاون مع المنظمات الدولية للاستفادة من الدعم الفني والتمويلي والتدريبي، بهدف تأهيل القطاع الصناعي لمواجهة التحديات وتحقيق التنافسية المستدامة.

ولفت إلى أن تنمية الصناعات المحلية تمثل ركيزة أساسية في بناء اقتصاد وطني قوي ومستقل، مشيراً إلى أنها تسهم في خلق فرص عمل، وتعزيز الاستقلالية الاقتصادية، وتقليل الاعتماد على الخارج، وهو ما يستدعي تنسيقاً متكاملاً بين الجهات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني.

استراتيجيات مقترحة لتنمية الصناعة السورية

وأوضح أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تبني مجموعة من الاستراتيجيات الشاملة، أبرزها:
تحفيز الابتكار والتطوير التكنولوجي عبر:

3ـ دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة
توفير الدعم المالي والتقني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، كونها تشكل العمود الفقري للصناعات المحلية.
تنظيم برامج تدريبية لرفع كفاءة العمالة المحلية وتطوير مهاراتها.
4ـ تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية
تقديم حوافز ضريبية وإدارية لجذب الاستثمارات في القطاع الصناعي.
إنشاء مناطق صناعية متكاملة بالبنية التحتية والخدمات لتكون بيئة جاذبة للمستثمرين.
5ـ تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص
بناء شراكات استراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص لتنفيذ مشاريع صناعية مشتركة.
تطوير التشريعات بما يضمن تسهيل الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية.
6ـ زيادة الدعم للمنتجات المحلية
إطلاق حملات توعية لتعزيز ثقافة الاستهلاك المحلي.
تقديم تسهيلات لتصدير المنتجات السورية إلى الأسواق الخارجية.
7ـ تطوير التعليم والتدريب المهني
تحسين برامج التعليم الفني والتدريب المهني لتلبية احتياجات القطاع الصناعي.
دعم التعليم المستمر وتنمية المهارات بما يتماشى مع متطلبات السوق المحلي والدولي.
8ـ تحسين الإجراءات الجمركية والتنظيمية
تبسيط الإجراءات الجمركية وتقليل البيروقراطية لتسهيل حركة التجارة.
تحديث القوانين والأنظمة بما يتوافق مع المعايير الدولية ويعزز بيئة الأعمال.

وختم الدكتور عياش بالتأكيد على أن تنمية الصناعات المحلية ليست خياراً اقتصادياً فحسب، بل ضرورة وطنية تتطلب إرادة سياسية، وتعاوناً مؤسساتياً، واستثماراً في الإنسان والتقنية، لضمان مستقبل اقتصادي مستدام لسوريا.

عبد الرزاق حبزة، أمين سر جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها، بين لموقع "تلفزيون سوريا"، أن فقدان الثقة بالمنتج المحلي ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى الحقبة السابقة وحتى الآن، باستثناء بعض الشركات التي تحترم نفسها وتحافظ على جودة منتجاتها. وأوضح حبزة أن جولات الجمعية على الأسواق، والتواصل مع الجهات المعنية، وسحب عينات من المنتجات المحلية، كشفت عن ضعف واضح في جودة العديد من الصناعات، لا سيما الأقمشة والألبسة والأحذية، والتي تخضع لعمليات غش كبيرة سواء في نوع الصباغة أو نوعية الأقمشة أو مدى تطابق بطاقة البيان مع المواصفات الحقيقية.

المواطن بين الغبن والاضطرار

وأضاف أن المواطن السوري كان مضطراً لاقتناء هذه المنتجات بسبب ضعف قدرته الشرائية، وحتى حين يشتريها، فإنه يُغبن بالغش الموجود فيها. وينسحب هذا الواقع أيضاً على الأدوات الكهربائية، حيث بلغ الغش حد التزوير، خاصة في الكابلات ومستلزمات الكهرباء، وبعض المصانع المحلية التي تنتج المراوح والبرادات، مشيراً إلى أن هذا الأمر تفاقم في الفترة الأخيرة.
وفي ظل هذا التراجع، لجأ المواطن إلى خيارات أخرى مثل البضائع المهربة و"البالة"، والتي وإن كانت تؤثر سلباً على الاقتصاد، إلا أنها أيضاً تعرّض المستهلك للغش، ما يجعل استعادة الثقة بالمنتج المحلي عملية طويلة ومعقدة.

تكاليف الإنتاج المرتفعة.. مبررات الصناعيين

وأشار حبزة إلى أن الصناعي السوري اليوم يواجه تكاليف إنتاج مرتفعة جداً، تشمل الكهرباء، اليد العاملة، المشتقات النفطية، حوامل الطاقة، والمواد الأولية، وهي مبررات يطرحها الصناعيون لتبرير سوء الإنتاج، رغم وجود بعض الشركات المحلية التي لا تزال تحافظ على جودة منتجاتها وكفالتها، وإن كانت قليلة.

وضرب مثالاً على ذلك بمنع استيراد البطاريات الأجنبية سابقاً، لإجبار المواطن على استهلاك الإنتاج المحلي، الذي اتضح لاحقاً أنه سيئ ولا يلبي الحد الأدنى من الجودة المطلوبة.

وفيما يتعلق بدور الحكومة، رأى حبزة أن دعم الصناعة المحلية عبر تقديم التسهيلات أمر ضروري، لكنه تساءل: "هل سيلتزم الصناعي بالجودة المطلوبة إذا حصل على ما يطلبه من تسهيلات؟".

خلل في التسعير بين الداخل والخارج

كما شكك في جدوى حماية المنتج المحلي عبر وقف الاستيراد، قائلاً: "هل يستطيع المنتج المحلي أن يحل مكان المنتج المستورد؟ أعتقد لا، لأن الجودة لا تزال غائبة، واستعادة الثقة تحتاج إلى وقت طويل حتى يقتنع المستهلك بالمنتج المحلي ويستبعد المستورد من خياراته".

وانتقد حبزة ظاهرة طرح الشركات لمنتجاتها بمجرد حصولها على قرار صناعي، خاصة شركات المنظفات التي تفتقر للمواد الفعالة، والتي يجب أن تكون نسبتها 12%، في حين لا تتجاوز في معظم المنتجات 6 أو 8%، ما يسبب مشكلات صحية للمواطنين.

كما أشار إلى تمسك بعض الصناعيين بالسعر المرتفع رغم انخفاض الجودة، بحجة التكاليف العالية، لافتاً إلى أن التخفيضات التي تصل إلى 70% تكشف أن بعضهم يكتفي بربح 30%، وهو ما يدل على غبن واضح للمستهلك.

وتساءل حبزة: "هل تستحق الحقائب المدرسية مثلاً التي تباع بسعر 200 ألف ليرة هذا السعر؟ وهل جودتها تبرر ذلك؟ بالطبع لا." مطالباً غرف الصناعة بلعب دور فاعل في ضبط السوق".

واعتبر أن وجود المنتج المحلي بسعر أرخص في الأسواق الخارجية مقارنةً بالأسواق الداخلية يمثل خللاً كبيراً، داعياً إلى مكافحة اقتصاد الظل الذي ينتج ويصرف منتجاته في السوق من دون أي مساءلة.

التحذير من إغلاق الاستيراد من دون جاهزية

وختم بالتحذير من خطأ إغلاق الاستيراد في حال لم يكن المنتج المحلي كافياً لتلبية حاجة السوق من حيث الجودة والسعر، مؤكداً أن ذلك يشجع على استغلال السوق واحتكاره من قبل المنتج المحلي، وهو ما ينعكس سلباً على المستهلك.

وفي الختام، يتضح أن أزمة الثقة بالمنتج المحلي ليست مجرد حالة عابرة، بل نتيجة لتراكمات اقتصادية وإنتاجية وتشريعية امتدت لسنوات، وأفرزت واقعاً صناعياً هشاً يعاني من ضعف الجودة، وغياب الرقابة، وتضخم التكاليف، وتراجع القدرة الشرائية. وبين غياب البدائل الموثوقة وتفشي الغش، وجد المستهلك نفسه محاصراً بين خيارين أحلاهما مرّ: منتج محلي لا يلبّي تطلعاته، أو مستورد مجهول المصدر والجودة.

إن استعادة الثقة بالمنتج المحلي ليست مهمة سهلة، لكنها ليست مستحيلة. فهي تبدأ بإصلاحات جذرية في بنية الصناعة، وتوفير بيئة إنتاجية عادلة، وتفعيل الرقابة الصارمة، وتقديم الدعم الحقيقي للصناعيين الجادين، لا لمن يستغل السوق. كما تتطلب شفافية في التسعير، ووضوحاً في المواصفات، والتزاماً أخلاقياً من المنتجين تجاه المستهلك.

فالمستهلك السوري لا يطلب معجزات، بل منتجاً يحترم حاجته، ويصون صحته، ويمنحه قيمة حقيقية مقابل ما يدفعه. وعندها فقط، يمكن الحديث عن صناعة وطنية تستحق الحماية، وتستعيد مكانتها في وجدان السوق.


تلفزيون سوريا


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق

 
 

سورس_كود



Baraka16


Orient 2022


معرض حلب


الصفحة الرئيسية
مال و مصارف
صنع في سورية
أسواق
أعمال واستثمار
زراعـة
سيارات
سياحة
معارض
نفط و طاقة
سوريا والعالم
محليات
مجتمع و ثـقافة
آراء ودراسات
رياضة
خدمات
عملات
بورصات
الطقس